العدسة – معتز أشرف
ليس الضحية الأولى للقبضة العسكرية المتحكمة في مقاليد الأمور بحسب المتواتر عليه في مصر قبل انتخابات الرئاسة المقررة في مارس المقبل، فقد سبقه لذات المصير آخرون، إنه الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذي تحوّل اليوم من مرشح محتمل بقوة لرئاسة مصر إلى مجرد متهم تم اقتياده إلى غرفة التحقيق بالأروقة العسكرية بعد بيان عسكري أصدرته القوات المسلحة المصرية، لتعود قصة الانتخابات الرئاسية إلى مربع صفر مجددا، بلا طعم ولارائحة، بحسب المراقبين.
أحمد قنصوة
اسم جديد عمره 42 عاما، ظهر في بورصة الاستحقاق الرئاسي مبكرا في أواخر العام الماضي، هو عقيد دكتور مهندس في القوات المسلحة، أعلن عبر مقطع فيديو رغبته في خوض الانتخابات الرئاسية أواخر شهر نوفمبر الماضي ليكون مصيره الحبس 6 سنوات مع الشغل والنفاذ بحكم عسكري غير قابل للطعن، بعد أن أسندت جهات التحقيق إلى الضابط تهمة الإخلال بالسلوك والنظام العسكري ومخالفة التعليمات والأوامر العسكرية ونشر فيديو له بالبدلة العسكرية تناول فيه بعض الآراء السياسية برغم عدم قبول استقالته من الخدمة العسكرية إلى أن أقام «قنصوة» العديد من الدعاوى القضائية من أجلها منذ 2014 اختصم فيها “رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس النواب وغيرهم بصفاتهم بواقع ثلاث دعاوى أمام اللجان القضائية للقوات المسلحة، وسبعة دعاوى أمام محاكم مجلس الدولة، منها واحدة مستمرة ودعوى قضائية واحدة أمام المحكمة الدستورية العليا مازالت منظورة.
قنصوة دشن خطاب ترشحه في طريقة مشابهة لما فعله السيسي الذي ترشح ببدلته العسكرية، ثم استقال من منصبه كوزير للدفاع، موضحا أنه سبق أن قدم استقالته من القوات المسلحة العام 2014 “للرغبة في المشاركة السياسية والترشح للانتخابات”، إلا أن استقالته رفضت، وأنه قام بهذه الخطوة إنقاذا للبلاد من الواقع المتردي، ولن يخون القسم العسكري ويفرط في تراب البلاد، مشددا على عدم انتمائه لأي تيار على الساحة السياسية من أقصاها إلى أدناها، وأنه يتفاعل مع كل أحداث وقضايا وطنه.
قنصوة ظهر بلهجة واثقة في مواجهة النظام الحالي، وامتلأ خطابه الذي ألقاه بلغة رصينة بعبارات رمزية ناقدة للسيسي ووزير الدفاع الفريق صدقي صبحي وفشلهما في تأمين وتحسين المستوى الاقتصادي للمصريين، مشيرا إلى أنه ليس فيلسوفا ولا نبيا، في إشارة للصفات التي أسبغها مؤيدو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عليه، ولكن سرعان ما أبقاه الجيش المصري في حوزته خلف الأسوار ليكون الضحية الأولى في سباق الرئاسة.
أحمد شفيق
رئيس وزراء مصر الأسبق الذي هرب من ضغوط الإمارات ليواجه ضغوط زملائه في القوات المسلحة التي كانت تدعمه بقوة في مواجهة الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب للبلاد في جولة انتخابات 2012، وفوجئ المصريون بعد نبأ ترشحه بأيام بصدور بيان له نشره على حسابه الرسمي على موقع تويتر يؤكد فيه التراجع بقوله “: بالمتابعة للواقع، فقد رأيت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة ولذلك قررت عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأدعو الله أن يكلل جهود الدولة في استكمال مسيرة الإنجاز”.
ورغم تصريح شفيق بعدم تعرضه لأى ضغوط من قبل أي من مؤسسات الدولة المصرية قائلا :”أنا غير صالح للضغوط.. نفسى وطبيعتى وهذا عيب فى، أننى لا أتمتع بالمرونة الكافية التى تسمح لتعرضى لأية ضغوط وأقبلها”، إلا أن صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أكدت أنه انسحب مجبرا من سباق رئاسيات 2018، من خلال التهديد بالتحقيق في تهم فساد قديمة ضده في القضاء العسكري بحسب مصدر قانوني كشف المعلومات للصحيفة، التي أشارت إلى أن كلام مصدرها القانوني تأكد صحته على نطاق واسع من خلال تسجيلات صوتية للمكالمات الهاتفية من قبل ضابط مخابرات مصري حصلت عليها صحيفة نيويورك تايمز، حذّر فيها ضابط، قالت إنه يدعى أشرف الخولي، أحد مذيعي التليفزيون من مهاجمة شفيق في برنامجه لأن الحكومة “ما زالت تجري محادثات” معه، وأنه “إذا قرر (شفيق) أن يكون معنا، فهو أحد القادة السابقين للقوات المسلحة، هل فهمت؟”. ولكن إذا لم يفعل ذلك، “سنلعن أسلافه”، وبحسب إذاعة مانتوكارلو، فإن هناك من كان يتحدث عن استياء في صفوف القيادات المتوسطة في الجيش يمكن أن يَصب لصالح شفيق، وهو ما يحاول الجيش الرد عليه في كل مرحلة بتأكيد تواجده مع القيادة الحالية التي دفعها إلى انقلاب عسكري في يوليو 2013 بحسب الرافضين للحكم الحالي.
سامي عنان
كان الضحية الجديدة التي سقطت اليوم، بضربة قاضية للقوات المسلحة المصرية، التي قالت بوضوح وبلغة صارمة تعليقا علي بيان ترشيحه وقرار اتهامه : (نحن مؤسسة .. ) لم تكن لتتغاضى عما ارتكبه المذكور من مخالفات قانونية صريحة، مثلت إخلالا جسيما بقواعد ولوائح الخدمة بضباط القوات المسلحة، ليجد نفسه متهما بإعلان الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له رغم أن الرئيس الحالي قام بنفس الأمر قبيل ترشحه لجولة 2014، وذلك بجانب اتهامه بالتحريض الصريح ضد القوات المسلحة بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب، فضلا عن ارتكابه جريمة التزوير فى المحررات الرسمية، وبما يفيد إنهاء خدمته فى القوات المسلحة، على غير الحقيقة، الأمر الذي أدى إلى إدراجه فى قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق.
الضربة العسكرية لـ”عنان” جاءت رغم أن الفريق الأسبق أو المستدعي بلغة بيان الجيش اليوم، وجه خطابا مليئا بالإجلال إلى زملائه في الجيش خلال خطابه ترشحه، مؤكدا أن ترشحه “واجب تاريخي لإنقاذ البلاد “، واصفا السنوات الأخيرة في مصر بأنها ” سنوات عصيبة مرت بها بلادنا التي تجتاز مرحلة حرجة في تاريخها مليئة بتحديات على رأسها الإرهاب، وتردي أوضاع الشعب المعيشية التي تزداد سوءا يوما بعد يوم فضلا عن تآكل قدرة الدولة المصرية في التعامل مع ملفات الأرض والمياه وإدارة موارد الثروة القومية وعلى رأسها المورد البشري”، كما دعا إلى التكامل مع القوات المسلحة وعدم تحميلها كل الملفات، إلا أنه طالب مؤسسات الدولة المدينة العسكرية “بالوقوف على الحياد وعدم الانحياز لرئيس قد يغادر منصبه خلال شهور قليلة، فهو مجرد مرشح محتمل بين مرشحين آخرين”، ولكن طلبه قوبل بالضبط والإحضار للتحقيق!
اضف تعليقا