العدسة – إبراهيم سمعان

قبل أيام قررت المملكة العربية السعودية منح الحكومة اليمنية مبلغا قدره مليارا دولار لمساعدة “اليمنيين” الذين تشن ضدهم حربا منذ 3 سنوات، أدت إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، حسب الإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة.

صحيفة “لوماتن” السويسرية علقت على وديعة السعودية للبنك المركزي اليمني لتجنب انهياره، مشيرة إلى أن صباح الاثنين، في شمال نفس البلد، ألقت طائرة سعودية قنبلة على مبنى مجهول يضم عيادة صغيرة، ولم يتمكن أحد من مساعدة الأطفال الخمسة الذين كانوا هناك.

ونقلت الصحيفة عن جيمي ماكجولدريك، منسق المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في هذا البلد القول: حرب السعودية في اليمن سخيفة ولا فائدة من ورائها، موضحا أن مليارات الدولارات التي يدفعها أولئك الذين يحرصون على تدمير البلد اليوم “عار”، فعلى الرغم من أن هذا المال بلا رائحة، من الصعب عدم ربطه برائحة المرض واللحم المتفحم جراء قصف الطائرات.

إلى متى ستستمر هذه الوحشية القاسية؟ تتساءل الصحيفة التي ذكرت أنه في الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة وعمال الإغاثة من “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، يبدو كما لو أن انهيار أفقر بلد في العالم العربي ليس مشكلة، والقنابل والحصار والعطش والمجاعة والكوليرا التي تهدد عشرات الآلاف من البالغين والأطفال (متوسط ​​عمر اليمنيين بالكاد يتجاوز 16 عاما) لا تتعلق بأي شخص.

وأشارت إلى أن ما يجري في اليمن ليس “حربا منسية” كما نقول في الغالب وتصفها وسائل الإعلام بل حرب مزعجة، خاصة في ظل انحياز الغرب كل إلى معسكره.

وأكدت “لوماتن” أنه مع بدء توجيه انتقادات حادة للمملكة السعودية، وخاصة لزعيمها ولي العهد محمد بن سلمان المحرض الرئيسي على هذه المغامرة القاتلة، ألقى البيت الملكي السعودي بمليارات الدولارات التي تهدف في الواقع لتسكين ضمير الحلفاء الغربيين، أكثر من الضحايا اليمنيين.

وبينت أنه من الواضح كما يرى كثيرون، لن تجلب الحرب أي مخرج لهذه الأزمة، فالنصر لأحد المتقاتلين أمر مستحيل، حيث إن القوات الحوثية، التي تقاتل التحالف الذي تقوده السعودية، لن تكون قادرة أبدا على تمديد قبضتها على كامل البلاد، وكذلك فإن الحرب المستمرة لسنوات برهنت على أن التفجيرات، مهما كانت وحشية، لن تكون كافية لطردهم.

وخلصت “لوماتن” إلى أن النصر للجانبين – التحالف العربي بقيادة السعودية والمتمردين الحوثيين- لن يكون إلا خارج نطاق إطلاق النيران، في هذا البلد الذي تعاني من انتشار التطرف وباتت عرضة لتفتت لا يمكن السيطرة عليه.

من جهته رأى لوران بونيفوي، الباحث في المركز الوطني  الفرنسي للبحث العلمي، والمتخصص في شبه الجزيرة العربية ومؤلف كتاب “اليمن: من البلد العربي السعيد للحرب” أن الغربيين تركوا للسعودية فقط مفتاح إدارة الحرب في اليمن.

وقال بونيفوي إن ما تشهده البلاد له علاقة بفشل “الربيع اليمني” عام 2011، ومع ذلك، نظرت السعودية إلى الوضع من خلال هواجسها الخاصة، وهو التدخل الإيراني ورؤية كل شيء من منظور مواجهة ما يسمى “المحور الشيعي”.

كما لفت إلى أن مسألة إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تولى مقاليد الحكم بالبلاد عام 2012، جزء من المشكلة بدلا من الحل، فهو يعتبر خائنا من وجهة نظر عدد من المواطنين، خاصة الانفصاليين بالجنوب وأيضا الآن من قبل الشماليين بسبب تحالفه مع السعودية.

ورغم عدم إنكار الباحث التدخل الإيراني في اليمن، فقد أكد أن دور طهران هناك مبالغ فيه إلى حد كبير، وفسر ما يجري بعدم اهتمام الغرب بالنزاع الداخلي بهذا البلد طوال العقد الماضي، وانشغالهم بمكافحة الإرهاب فقط.

وأكد الكاتب أنه ابتداء من عام 2013، ترك الغرب مفتاح إدارة الصراع في يد المملكة العربية السعودية، التي سارعت منذ البداية، وبشكل خاص، لاعتماد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2216 في 2015 ، الذي يعطي نوعا من الحرية المطلقة للتحالف بقيادة السعوديين.

وبين بونيفوي أن الأمريكيين والأوروبيين يشعرون اليوم بالخجل بعض الشيء لأنهم يفهمون أن الكارثة الإنسانية الحالية مرتبطة بسياسة السعودية، ولكن لا أحد مستعد للضغط على الرياض، خوفا من تعريض مصالحه الاقتصادية للخطر.