العدسة – جلال إدريس
لم تمض سوى 24 ساعة على تصريحات المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين “يوسف ندا”، والتي وضع فيها 6 شروط لقبول ترشيح “سامي عنان” رئيسا لمصر، حتى وجد “عنان” نفسه مقبوضا عليه ومحالا للتحقيق بتهمة التزوير ومخالفة اللوائح العسكرية.
مراقبون ربطوا بين “انقلاب الجيش” على “عنان”، وتحديدا “المجلس العسكري”، وبين بيان “يوسف ندا” خصوصا، وأن وسائل الإعلام التابعة للنظام شنت هجوما ضاريا على “عنان” عقب بيان ندا، واعتبرته سيعيد التصالح بين الدولة وبين جماعة الإخوان المسلمين.
ورغم أن “بيان ندا” جاء بشكل فردي من القيادي السابق بالجماعة، ولم يكن بيانا يمثل جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن النظام العسكري في مصر، يتحسس بشكل كبير من الاقتراب لملف جماعة الإخوان المسلمين.
عنان والسيسي والإخوان
مايؤكد وجهة النظر القائلة بعلاقة انقلاب “المجلس العسكري” على “عنان” وجماعة الإخوان المسلمين، هو أن الجيش ترك “عنان” أربعة أيام كاملة، لم يستدعه بعدما أعلن ترشحه، لكن سارع بالإعلان عن استدعائه بعد ساعات فقط من بيان “ندا” الذي ألمح فيه إلى احتمالية دعم الجماعة لـ”عنان” في معركة الانتخابات الرئاسية.
ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها “سامي عنان” ترشحه لانتخابات الرئاسة، بات ملف الإخوان المسلمين، هو الملف الأبرز الذي تسأل عنه أعضاء حملته، حتى إن حازم حسني، المتحدث الرسمي باسم “عنان”، كان أكثر ماينفيه في تصريحاته هو وجود علاقة بين “عنان” وبين الإخوان.
المثير في الأمر أيضا، أن مؤتمر “حكاية وطن” الذي أعلن فيه السيسي “ترشحه للانتخابات الرئاسية”، حرص السيسي فيه على التأكيد بعدم التصالح مع “الجماعة”، وقال بالنص: “لو عاوزني أفرج عنهم وأخرجهم ماحدش يسألني بعد كده على شغل واستقرار وأمن”، في إشارة إلى رفضه التام لأي تصالح مع أفراد الجماعة.
ووفقا لمراقبين، فإن تصريحات “ندا” جاءت بمثابة حجة دامغة من المجلس العسكري للانقلاب على “عنان”، حيث أعتبروا أن دخول “عنان” وفوزره بالانتخابات قد يعني محاكمة لقيادات المجلس العسكري الحالي على الجرائم التي ارتكبت خلال السنوات الأربع التي أعقبت الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
أيضا، فإن قلق السيسي من أي تواصل بين قيادات الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، دفعه أكثر من مرة لإقالة قيادات عسكرية وبالخصوص داخل جهاز المخابرات العامة، وإجراء عمليات اعتقال لضباط وإحالتهم لمحاكمات عسكرية بتهم محاولة الانقلاب، وذلك عقب أي تصريح صادر من قيادات إخوانية عن وجود شرفاء بالجيش، أو أشخاص داخل الدولة يتواصلون مع جماعة الإخوان المسلمين.
يوسف ندا وشرفاء المخابرات
كانت أول تلك التصريحات التي أحدثت ربكة داخل المؤسسة العسكرية، وأحيل على إثرها 14 وكيلا بالمخابرات العامة للمعاش في عام 2014، حين صرح يوسف ندا، مفوض العلاقات الدولية للإخوان، عن وجود شرفاء وأوفياء للوطن بجهاز المخابرات.
وقتها توقع “ندا” أن ينكسر الانقلاب في مصر قريبا جدا ومن داخل الجيش، على غرار سيناريو سوار الذهب في السودان، وقال خلال لقائه ببرنامج “بلا حدود” على قناة الجزيرة، إن ذلك قد يحدث في غضون ستة أشهر من تولي عبد الفتاح السيسي للرئاسة.
وأضاف “ندا” أن الجيش المصري وجهاز المخابرات، بهما الكثير من الشرفاء والأوفياء للوطن، وأنه بمقدور هؤلاء تخليص مصر من الانقلاب العسكري ورموز الفساد، الذين “نهبوا البلاد”، وحولوها إلى “زريبة”، حسب وصفه.
لم يكذب السيسي خبرا وقتها، فقام بحركة تغييرات واسعة في قيادات الجيش، ثم أعقبها بحركة تغييرات واسعة في جهاز المخابرات العامة، الأمر الذي يعكس مدى الخوف الذي يصيب رأس النظام في مصر، إن حدث أي تواصل بين قيادات في الأجهزة الحساسة بالدولة وبين جماعة الإخوان المسلمين.
يحيى حامد وأطراف المخابرات
في يونيو 2016، أجرى السيسي حركة تغييرات واسعة في قيادات المخابرات العامة في مصر، وذلك بعدما صرح ” يحي حامد، مسؤل العلاقات الخارجية للإخوان” عن تواصل أطراف بالمخابرات معهم.
يحي حامد وقتها قال في مداخلة هاتفية مع قناة الجزيرة، إن هناك تواصلا مع أجزه سيادية مع الجماعة لعقد مصالحة مع جماعة الإخوان.
وقال حامد، إن هناك العديد من المسؤولين في الخليج، وبعض رموز السلطة في مصر الذين أيدوا عبد الفتاح السيسي في 30 يونية، قد تواصلوا مع الجماعة من أجل عقد المصالحة مع الدولة المصرية، وعلى رأسهم جهاز المخابرات العامة”.
لم تمر 48 ساعة حتى صدر قرار جمهوري للرئيس عبد الفتاح السيسى، بإحالة 11 من وكلاء المخابرات العامة إلى المعاش بناء على طلبهم، وذلك كما جاء في الجريدة الرسمية، واعتبر مراقبون أن هناك صراعًا داخل أجهزة المخابرات بين الداعمين لنظام “مبارك” ونظام “السيسي”.
وقتها، أكد الكاتب الصحفي سليم عزوز، أن الضباط الـ11 الذين تم إقالتهم، ربما يكونون من بين المناهضين للسيسي، الرافضين لسياساته، ولذلك أحيلوا إلى التقاعد، مضيفا: “يبدو أن كلام يحيى حامد صحيح عندما صرح بأن هناك تواصلا من أجهزة المخابرات مع جماعة الإخوان المسلمين لعقد مصالحة، وبحث مرحلة ما بعد رحيل السيسي، الامر الذى دفع بقرار إقالتهم”.
“ندا” والأجهزة السيادية
في مطلع 2016، تحدث يوسف ندا، مفوض العلاقات الدولية بجماعة الإخوان، مرة ثانية عن تواصل الجماعة مع قيادات بأجهزة سيادية لم يسمها “ندا”، وتحدث عن حالة من عدم الرضا داخل الأجهزة عن أداء السيسي ونظامة.
وبعدها بشهرين تقريبا، أجرى جهاز المخابرات الحربية عمليات اعتقال واسعة لعدد من قيادات الجيش المصري بتهمة محاولة قلب نظام الحكم.
وقتها، أكد المحامي المصري ورئيس المعهد الأوروبي للقانون والعلاقات الدولية، محمود رفعت، أنه وصلته معلومات مؤكدة حول اعتقال عدد من الضباط داخل الجيش، مؤكدًا أن الحملة طالت رتبًا عالية بالقوات المسلحة، حسب قوله.
وأضاف المحامي، الذي كان أحد مؤيدي السيسي ثم انقلب عليه، عبر حسابه الشخصى على موقع التدوين المصغر تويتر: “المخابرات الحربية هي من ألقى القبض على ضباط الجيش، والحملة استمرت من 2 إلى 4 صباحا بتوقيت القاهرة، والبعض تم القبض عليه في وحداته”.
ولم يعرف سبب القبض عليهم، ولكن تكهنات دارت حول محاولة عدد من الضباط الانقلاب على السيسي، احتجاجا على تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ولم يعرف السبب الحقيقي لتكتم سلطات الانقلاب.
فيما كشف الإعلامي هيثم أبوخليل وقتها -في برنامجه على قناة الشرق- عن أسماء ضباط آخرين في البحرية، قال إنه تم اعتقالهم بتهمة قلب نظام الحكم، ومتهمون بالانضمام لجماعة محظورة، وهم 3 ضباط.
“منير” وشرفاء الجيش
في يناير 2017، أحال “السيسي” 19 من وكلاء المخابرات العامة للمعاش، عقب تصريحات إبراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان، بوجود اتصالات بينهم وبين أطراف بالسلطة.
منير أكد وقتها أن هناك شرفاء داخل المؤسسة العسكرية، وأنهم قد يؤدون دورًا “مهما” خلال الفترة المقبلة، مؤكدا أن “دور هؤلاء الشرفاء، وإن تأخر لظروف معروفة، فلا ينبغي أن يتأخر لتصحيح سمعة جيش الشعب المصري، متلاحما مع كل قواه الوطنية.
وأكد “منير” أن الهدف هو حماية الدولة المدنية، واحترام كل شرعياتها، وأهمها دور الجيش في حماية حدود الوطن كما يحدده الدستور”.
وبعد كل تصريح، يجري السيسي تغييرات واسعة في صفوف الجيش وقياداته، للحد الذي أقال السيسي كافة قيادات الجيش، على مدار 4 أعوام، ولم يتبق في منصبه حتى الآن سوى الفريق صدقي صبحي، وزير الدفاع.
اضف تعليقا