العدسة – منصور عطية

ربما لم يكن الأمر مفاجئًا سوى في الإعلان عنه، وخروجه من إطار السرية المعمول بها في مثل تلك القضايا الحساسة.

لعل هذا ما كشفته تصريحات مسؤول عسكري في الإمارات، من أن جيش بلاده تلقى تعليمات بعدم تصعيد الأزمة مع قطر، مشيرًا إلى أن الطائرات العسكرية الإماراتية ستسلك مسارات بديلة فوق السعودية لتفادي احتمال أن تعترضها طائرات حربية قطرية.

العميد “هلال سعيد القبيسي”، أطلق تلك التصريحات في مؤتمر صحفي بأبو ظبي، الثلاثاء، بعد أيام من اتهام بلاده للدوحة باعتراض طائرتين مدنيتين.

شكاوى متبادلة

التعليمات التي أشار إليها المسؤول العسكري دون الإفصاح عن الجهة التي وجهتها، تأتي في خضم شكاوى متبادلة بين الإمارات وقطر للأمم المتحدة ومجلس الأمن، بشأن انتهاكات جوية.

ففي 18 يناير الجاري، تقدمت الإمارات بمذكرتي إحاطة لرئيسي مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، تتهم فيهما قطر بـ”تعريض حياة مدنيين للخطر” باعتراض مقاتلاتها طائرتين إماراتيتين مدنيتين، كانتا تحلقان عبر خطوط معتمدة دوليا إلى البحرين.

ووفقًا لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”، فقد تقدمت الإمارات بمذكرتين تفيدان باعتراض طائرتيها المدنيتين أثناء مرحلة هبوطهما في مطار البحرين قبل عدة أيام.

وكانت الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية، قالت إن مقاتلات قطرية اعترضت طائرتين مدنيتين خلال رحلة اعتيادية إلى المنامة، عبر خطوط طيران معتمدة دوليًّا، ومستوفاة لجميع الموافقات والتصاريح اللازمة، فيما نفت قطر هذه الاتهامات.

قبلها بأيام، وجهت قطر رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي، بشأن قيام طائرة نقل جوي عسكرية إماراتية قادمة من المجال الجوي لدولة الإمارات ومتجهة إلى البحرين، باختراق المجال الجوي لدولة قطر، صباح الأربعاء 3 يناير الجاري.

وأكدت السفيرة القطرية لدى الأمم المتحدة أن “تكرار هذه الحادثة، واستمرار دولة الإمارات في انتهاك سيادة دولة قطر، وتهديدها لسلامة حدودها وأراضيها، يعتبر دليلا على مضي السلطات الإماراتية في النهج الرامي لخرق أحكام القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق والأعراف الدولية”.

وكانت قطر قد وجهت قبلها بيوم واحد رسالتين أخريين، بشأن قيام طائرة حربية مقاتلة إماراتية قادمة من المجال الجوي لدولة الإمارات العربية المتحدة، باختراق المجال الجوي لدولة قطر، في 21 ديسمبر الماضي.

وقالت الدوحة حينها إن الادعاءات الإماراتية باعتراض مقاتلات قطرية لطارئتين مدنيتين تابعتين لها، جاءت للتغطية على هذين الاختراقين المتعاقبين من مقاتلاتها للمجال الجوي لقطر.

لماذا تتجنب التصعيد؟

ويبقى التساؤل الأبرز في هذا السياق دائرا، حول الأسباب التي قد تدفع الإمارات إلى عدم التصعيد في الأزمة مع قطر من هذا المدخل، بل وإعلان ذلك على الملأ، كتوجه سياسي وعسكري لها.

ربما يكون السبب الأول، هو خشية أبو ظبي من تصاعد الأمور وصولا إلى مناوشات أو اشتباكات عسكرية محدودة بين الطرفين، ليست على الرغبة الأمريكية، فضلا عن آثارها المدمرة على المنطقة برمتها.

الحديث عن تصعيد أزمة حصار قطر إلى تدخل عسكري ليس الأول من نوعه، بل سبق إليه قبل أشهر، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، والوسيط بين طرفي الأزمة.

أمير الكويت، كشف في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في سبتمبر الماضي، أن بلاده نجحت في تجنب التصعيد العسكري في الأزمة الخليجية، التي تضرب المنطقة منذ يونيو.

وبعيدًا عن الخسائر التي قد تجنيها الإمارات من تصعيد الأزمة، فمن المرجح أنها تعلم مبدئيا زيف الادعاءات التي روجتها بشأن اعتراض المقاتلات القطرية لطائراتها المدنية، وربما يقول البعض إنها لو كانت تثق في قوة موقفها لما ترددت في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لن يستطيع أحد حينها نقدها أو مواجهتها بعد تقديم ما يثبت، على غرار إسقاط سلاح الجو التركي لمقاتلة روسية حلقت فوق أجواء تركيا، في نوفمبر 2015.

مقارنة بين الجيشين

بعيدا عن احتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين قطر والإمارات، فإن الحديث عما تمتلكه كل منها من إمكانات يبقى مثيرا، بعيدا عن القواعد العسكرية الأمريكية في كلا البلدين ودورها في هذه المواجهة المستبعدة.

موقع “جلوبال فير بور” الأمريكي أورد مقارنة بين الجيشين القطري والإماراتي، مشيرا إلى أن الأول يحتل المرتبة رقم 91 عالميا، بينما يحتل جيش الإمارات المرتبة رقم 60 بين أقوى 133 جيشا في العالم.

يصل تعداد سكان قطر 2.5 مليون نسمة، بينهم 600 ألف متاحون للعمل، مقابل 5.9 مليون نسمة في الإمارات، بينهم 3.6 مليون متاحون للعمل.

ويصلح للخدمة العسكرية في قطر 465 ألف شخص، مقارنة بأكثر من 3 ملايين شخص في الإمارات.

وبينما يصل إلى سن الخدمة العسكرية سنويا في قطر 12 ألف شخص، فإن عدد من يصلون لسن الخدمة العسكرية في الإمارات هو 52 ألف شخص سنويا.

ويصل عدد الجنود العاملين في الجيش القطري إلى 12 ألف جندي، مقابل 64 ألفا في الجيش الإماراتي، ولا يوجد في كلا الجيشين قوات احتياطية.

وبينما لا تتجاوز ميزانية الدفاع القطرية 1.9 مليار دولار، فإن ميزانية الدفاع الإماراتية تتجاوز 14.3 مليار دولار.

تضم القوات الجوية القطرية 98 طائرة حربية، بينها 9 مقاتلات وطائرات اعتراضية، و15 طائرة هجومية، إضافة إلى طائرات النقل العسكري وطائرات التدريب، بينما تضم القوات الجوية للإمارات 536 طائرة حربية، بينها 104 مقاتلات، و96 طائرة هجومية، إضافة إلى طائرات الشحن العسكري، وطائرات التدريب.

ويمتلك الجيش القطري 43 مروحية، مقابل 203 مروحية في الجيش الإماراتي.

تضم القوات البرية للجيش القطري 92 دبابة، و464 مدرعة، 24 مدفعا ذاتي الحركة، و12 مدفعا ميدانيا، و21 راجمة صواريخ، مقابل 464 دبابة في الجيش الإماراتي، و2200 مدرعة، و177 مدفعا ذاتي الحركة، و105 مدافع ميدانية، و54 راجمة صواريخ.

ويتكون أسطول قطر الحربي من 80 سفينة حربية متنوعة، مقارنة بـ75 سفينة إماراتية.