العدسة _ منصور عطية
بات في حكم المؤكد أن الانتخابات الرئاسية المقررة مارس المقبل محسومة مسبقا للرئيس عبدالفتاح السيسي، باعتباره المرشح الوحيد المؤكد حتى الآن، وغياب أية منافسة حقيقية أمامه.
تعزز هذا التوجه بعد ما حدث مع 3 مرشحين محتملين، ملاحقة قضائية عسكرية بدعاوى التزوير ومخالفة القواعد للفريق سامي عنان، وتراجع للفريق أحمد شفيق قيل إنه تحت ضغوط قوية، وأخيرا انسحاب تحت لافتة عدم الجدوى من خوض السباق للحقوقي خالد علي.
لكن حجرا في المياه الراكدة ألقاه حزب الوفد بإعلان نيته ترشيح أحد قياداته في الانتخابات، بعد ايامن من إعلان دعمه ترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية.
3 مرشحين يتقدمهم البدوي
تقارير إعلامية قالت إن حزب الوفد يتجه لإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، ويتبقى فقط إعلان اسم المرشح من بين 3 اختيارات، هم: السيد البدوي رئيس الحزب، وهاني سري الدين ومحمد أبو شقة عضوا الهيئة العليا للحزب.
وكشفت مصادر أنه حتى كتابة هذه السطور، فإن البدوي هو الأقرب للترشح، انتظارا للموقف الرسمي للحزب المقرر إعلانه في وقت مبكر من صباح الجمعة.
لكن تقارير أخرى أكدت أن الهيئة العليا للحزب ستعقد اجتماعًا، السبت، لاختيار مرشح في الانتخابات الرئاسية ومن المتوقع اختيار البدوي، مرشحًا.
وقال المهندس ياسر قورة، نائب رئيس الحزب للشوؤن السياسية والبرلمانية، إن الهيئة العليا للحزب ستجتمع لاتخاذ القرار النهائي بخصوص الانتخابات، مضيفا أن الوفد “باعتباره الحزب الأهم والأكبر في مصر أمام تحدي كبير، وفكرة الترشح ليست مشكلة. نحن قادرون عليها في أي وقت، ولدينا نواب وأصوات وناخبين في كافة ربوع مصر”.
وتابع: “الحزب جاهز لخوض الانتخابات، لكن القرار النهائي في يد الهيئة العليا. لدينا وقت حتى يوم ٢٩ يناير للتقديم”، مشيرًا إلى أن كل ما يحدث داخل الحزب تحركات بشكل فردي من بعض الأشخاص للضغط لترشيح شخص من الحزب وليس كلام رسمي، لكن في كافة الأحوال الموشح لن يخرج من بين أعضاء الهيئة العليا، على حد تعبيره.
“شيزوفرينيا” الوفد!
وعلى الرغم من منطقية طرح الحزب في خوضه الانتخابات وحقه الدستوري في ذلك، إلا أن الأمر يصطدم بمواقف رسمية سابقة ومعلنة للحزب بتأييد ترشيح السيسي لفترة رئاسية ثانية، ليس منذ فترة طويلة ولكن خلال الأيام الماضية فقط.
ففي 13 يناير الجاري، أعلن السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، دعم الحزب رسميًا للسيسي فى انتخابات الرئاسة المقبلة، وذلك بعد التشاور خلال اجتماع مغلق مع أعضاء الهيئة العليا للحزب.
وقال ياسر قورة، نائب رئيس الحزب إن قرار الهيئة العليا “جاء بالأغلبية الموافقة على تأييد الرئيس السيسي ودعمه فى انتخابات الرئاسة”.
وفي 19 من الشهر نفسه أعلن البدوي أنه “تقرر بشكل نهائي أن يكون الرئيس عبد الفتاح السيسي هو مرشح حزب الوفد في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
المثير أن التصريح ذاته تضمن تأكيدا لموقف البدوي من الترشح للرئاسة بقوله: “سبق وأن أعلنت أنني لن أترشح للرئاسة وهذا هو موقفي النهائي ولم أتراجع عنه”.
وقبل أيام وتحديدا في 21 يناير أصدر حزب الوفد بيانا أعلن فيه تأييده للسيسي بعد مناقشات امتدت فترة طويلة في مؤتمر الحزب ومستوياته القيادية المختلفة.
القرار الذي اتخذته الهيئة العليا للحزب تضمن في بيان إعلانه عبارات مثيرة للجدل أيضًا، من بينها: “وقد صدر قرار الهيئة العليا للوفد إيمانا منها بأن ما تحقق على مدار السنوات الأربع الماضية كان إنجازا حقيقيا في مصلحة الوطن وأبناء شعبه..”.
إذن لسنا فقط أمام مجرد تضارب في التصريحات والمواقف أو تراجع وتعديل في السياسات، لكننا نبدو أمام حالة فريدة في السياسة تتقلب على الأوجه كافة بين ليلة وضحاها، رغم أنه لا يوجد ثوابت في عالم السياسة لكن هذا التناقض الواضح يدفع إلى التساؤل حول أسبابه الحقيقية.
هل يلعب دور المحلل؟
الإجابة على التساؤل السابق، تربط بشدة بين ما شهدته الساحة السياسية فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة على مدار الأيام السابقة، وتحديدا ما يخص المرشحين المحتملين.
فبعدما أسلفناه من الظروف والملابسات المختلفة التي أجبرت أبرز 3 مرشحين محتملين على الانسحاب، أصبحت الساحة خالية من ليس منافس حقيقي بل مجرد مرشح آخر يخرج المشهد الانتخابي من دائرة الاستفتاء على بقاء السيسي.
هذه الحالة أفرزت تحليلات ومواقف داخلية وخارجية اتحدت على الجزم بأن نزاهة الانتخابات المقبلة وشفافيتها أصبحت على المحك، فضلا عن التنافس المفترض فيها، ليجد السيسي نفسه المرشح الوحيد.
لذلك كان لزاما على النظام أن يجد الشخص المناسب لكي يلعب دور المرشح الديكوري أو “المحلل” إن جازت التسمية على غرار حمدين صباحي في انتخابات 2014 أمام السيسي.
السيناريو المفترض، والذي يرجح ترشيح حزب الوفد لأحد قياداته في الانتخابات، باتت معه عملية البحث مستمرة ومتواصلة من قبل النظام لإيجاد الشخص المناسب لهذه المهمة.
ومن المرجح أن تلك العملية لم تخرج في صورة وضع حزب الوفد أمام خيارات عدة، بل بالأمر المباشر، ويعزز من هذا التحول المريب في موقف الحزب بين تأييد السيسي إلى منافسته.
وربما لم يكن هناك أفضل من حزب الوفد للعب هذا الدور، لعدة أسباب، يمكن إيجازها في النقاط التالية:
-يعتبر حزب الوفد هو الأكبر من ناحية التنظيم والانتشار الجغرافي في أنحاء مصر، وبالتالي قد يتمتع مرشحه بنسبة تصويت مقبولة نسبيا ما يضيف نقطة قوة للانتخابات ويجعلها تخرج في صورة مشرفة للنظام.
-هذا الثقل التنظيمي والجماهيري والتاريخي للحزب، يساعد النظام على الترويج لفكرة أن الانتخابات ستكون حقيقية وسستشهد تنافسية كبيرة بين مرشحين متقاربين، وكأن مرشح الوفد يمثل جبهة المعارضة.
-هناك تجربة سابقة للحزب في لعب دور المحلل بأول انتخابات رئاسية أراد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ستر عوراته وإيهام الراي العام المحلي والعمالي أن ثمة انتخابات تنافسية تجري على أرض مصر للمرة الأولى، وكان اختيار رئيس حزب الوفد حينها نعمان جمعة لخوض الانتخابات عام 2005 بصفته رئيس أكبر حزب معارض أمام مبارك، بجانب أيمن نور زعيم حزب الغد ومجموعة من رؤساء الأحزاب الكرتونية.
وكانت فضيحة الحزب مدوية بحصول مرشحه على 3% فقط من الأصوات بالمركز الثالث خلف مبارك ونور، إلا أن تصريحات جمعة بعد ذلك ربما كانت فضيحة أكبر حيث قال إنه تم إجباره على خوض الانتخابات الرئاسية من قبل الهيئة العليا لحزب الوفد آنذاك، وإن ترشحه في الانتخابات كانت خطة ومؤامرة أعدها السيد البدوي، للاستيلاء على الحزب.
اضف تعليقا