العدسة – معتز أشرف
سقوط ذريع لنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، في ختام جولة شرق أوسطية في المنطقة، لتسويق ما يعرف بـ”صفقة القرن”، شملت مصر والأردن والكيان الصهيوني، وسط رفض فلسطيني وعربي وإسلامي، استدعى -وفق ماذكرت صحيفة “بلومبيرج”- أن بنس طلب من الرئيس المصري والعاهل الأردني التواصل مع قادة السلطة الفلسطينية، نيابة عن الولايات المتحدة، بعد الإعلان الصادم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده الي القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وهو سقوط يقف خلفه 5 أسباب حطمت أي طريق لنجاح “بنس” على الأرض التي تشتعل غضبا ضده وضد رئيسه وجولته التي تحمل الغدر، بحسب مراقبين.
احتفاء صهيوني
شهدت زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، احتفاءً صهيونيًّا واسعًا، يلخص قصة الزيارة، ويحسم فشلها المبكر بحساب الأهداف، فبينما لقي خطابه تصفيقا حارا من النواب الإسرائيليين وكذلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تم إخراج نواب القائمة العربية المشتركة بالقوة، قبل لحظات من بدء خطابه، بعد احتجاجهم ورفع بعضهم لافتات تقول: “القدس عاصمة فلسطين”، كما وصفت صحيفة “إسرائيل هايوم” خطابه بالكنيست بـ”التاريخي والأكثر ودية تجاه إسرائيل” من بين كافة الخطب التي ألقيت في مقر الكنيست، والذي شهد كذلك العديد من الإشارات الدينية الصهيونية، فيما شهدت زيارة ” بنس ” لنصب ضحايا محرقة اليهود في الحرب العالمية الثانية، ثم لساحة البراق، تحية واسعة داخل الكيان الصهيوني، ووصفه نتنياهو “الاثنين” في استقباله بـ”الصديق العزيز”.
وبحسب ما نشرته صحيفة “هآرتس” للكاتب “حيمي شليف” أمس، فإن نائب الرئيس الأمريكي ألقى أحد الخطابات الصهيونية جدا، التي ألقيت في يومٍ ما في الكنيست، من قبل سياسي أجنبي، وبالنسبة لأغلبية الإسرائيليين الخطاب تبنى الرواية الصهيونية دون زيادة أو نقصان، وطرح دعمًا أمريكيًّا غير مشروط لكل القرارات التي اتخذتها إسرائيل، وبالنسبة ليهود ومسيحيين مثل “بنس” نفسه، فإن الخطاب كان -حسب رأيه- حلما تحقق، مسَرِّعا لقدوم المسيح ويوم القيامة، وبالنسبة للفلسطينيين، كان هذا غير مفاجئ، الأمر يتعلق بصفعة أخرى، ذنب التجاهل أضيف إلى جريمة الاعتراف بالقدس.. باختصار كان هذا يوم عيد لنتنياهو، الذي تجول كعريس في هودجه متفاخرا بعروسه الجميلة ومهرها السخي، بعد سنوات من المعاناة، في ظل رؤساء ديمقراطيين لم يتفقوا معه، وحتى لم يتحملوه، فإن نتنياهو حظي أخيرا بالراحة والإرث لدى إدارة عدوانية ومحافظة، رأيها بالمسلمين اسوأ منه”.
“صفقة القرن”
هذا الاحتفاء الصهيوني، يمكن قراءته في ظل القبول الصهيوني العارم لما يعرف بـ”صفقة القرن”، وحماستهم لإنجاز الصفقة سريعًا لاستغلال حالة الركود العربي، وهو ما يرصده المراقبون والقوي الوطنية الفلسطينية والعربية، وهو ما كشفته القناة الثانية العبرية، الأحد الماضي، حيث أكدت أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مُتحمس للخطة الأمريكية للتسوية، وهو ما حذر منه إسماعيل رضوان، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، خلال مؤتمر عقدته فصائل وقوى وطنية وإسلامية بمدينة غزة بالتزامن مع الحدث، مؤكدا أن ” الإدارة الأمريكية وضعت نفسها في خندقٍ معادٍ للشعب الفلسطيني”، محذرا المسؤولين الفلسطينيين من “أي لقاء قد يجمعهم مع “بنس” خلال الفترة القادمة”، قائلا بوضوح قاطع للشك: ” أي لقاء لمسؤول فلسطيني مع “بنس”، يمثّل تمريراً لصفقة القرن، وخيانة للقضية الفلسطينية”.
الخطة إذن واضحة، وكانت السبب الرئيسي في فشل زيارة “بنس”، ودفعت أمريكا -بحسب مراقبين- إلى مغازلة مصر والأردن كلٍّ على حدة، لجعلهما قوة إقناع ومحورًا عربيًّا لتدعيم قرارات الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعدما تمكنت واشنطن من قطع شوط طويل في خطتها الخاصة بتطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وأصبحت السعودية والإمارات أقرب الحلفاء العرب للاحتلال الصهيوني.
هذا الاتجاه أكده الكاتب توماس جورجيسيان، في تقرير نشرته جريدة الأهرام القاهرية الرسمية تعليقا علي زيارة “بنس”، حيث شدد على أن “كل ما أثير ويثار من أجل التوصل إلى تسوية سلمية ـ صفقة القرن، التى تديرها وتتبناها إدارة “ترامب”، وفريق السلام بقيادة صهره جاريد كوشنر، يتكشف مما صنعته واشنطن خلال الأسابيع الماضية ـ بعد المواجهة الحادة التى شهدها العالم بين أمريكا والأمم المتحدة، حيث حرصت على التأكيد على تمسكها بقرارها، وعدم التراجع عنه مهما كانت الأسباب والمبررات.. وأيضا على الحديث المعتاد بأن الغضب الفلسطينى أو العربى مهما كان فى الوقت الحالى فسوف يتلاشى مع الأيام.. وأن الدول العربية فى الوقت الحالي تتخوف وترهب الخطر الإيراني وتريد مواجهته أكثر من الخطر الإسرائيلي” .
انقلاب أمريكي
الانقلاب علي التوجه الأمريكي الإستراتيجي في المنطقة، كان سببا ثالثا لفشل زيارة “بنس”، ووفقا لصحيفة «الأوبزيرفر»، فإن “بنس” «ليس محل ترحيب في مهد المسيح، بعدما دمر الرئيس دونالد ترامب كل فرصه في زيارة الضفة الغربية، بسبب انقلابه على قرون من السياسات الأمريكية المتواصلة بإعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل»، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس، رفض استقباله في رام الله.
وفي ذات السياق، قالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، في تقرير لها: “زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى الشرق الأوسط «عديمة الجدوى»، وهي الأحدث في سلسلة من الخطوات التصعيدية، ومن المرجح أن تعود بآثار عكسية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكان يجب إلغاؤها بعد قرار الرئيس دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ«إسرائيل».
كما لفتت المجلة الأمريكية، في تحليل لـ«إيلان جولدنبرج»، مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إلى أن المسؤولين في البيت الأبيض اعترفوا بأن الفلسطينيين سيحتاجون إلى «فترة تهدئة» قبل أن يعودوا إلى طاولة المناقشات بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن مدينة القدس المحتلة، موضحين أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في الانتظار طويلًا، وبدلًا من ذلك تريد سكب البنزين على النار، خاصة في ظل رفض الأزهر الشريف والكنيسة الأرثوذكسية استقبال “بنس” وهو ما يعد سابقة من نوعها، علاوة على ما تضمنته من إحراج لجهود “بنس” في التعامل مع المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط.
يميني متطرف
البعد الشخصي للمسؤول الأمريكي وقف حجر عثرة في جدول الزيارة، فهو “يميني إنجيلي متشدد” بحسب ما نشرته صحيفة “دي ديتشويه” الألمانية، ومعروف بمواقفه المناهضة للفلسطينيين، إذ كان يقف إلى جانب “ترامب” عندما أعلن قرار القدس، ووجّه اللوم للرئيس السابق باراك أوباما عام 2010، لعدم مساندة إسرائيل، وشارك في حملة دعم وحشد للأصوات في الكونجرس قبل سنوات لتقليص المعونة الأمريكية للفلسطينيين، وهو عامل محفز للغضب الفلسطيني ضد الوسيط الأمريكي بحسب وصف صحيفة «الأوبزيرفر»، لذا كان وفقا لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، على “بنس” أن يبقى في الولايات المتحدة وألا يخرج في هذه الزيارة.
ومن المعروف عن “بنس” أيضاً، أنه كان من الداعمين لغزو العراق، ومن مناصري بوش، وهو معارض قوي للاتفاق النووي مع إيران، ويراه ضد مصلحة الولايات المتحدة.
أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، من جانبه أكد في بيان أن “خطاب “بنس” التبشيري، هو هدية للمتطرفين، ويثبت أن الإدارة الأمريكية جزء من المشكلة بدلا من الحل”، مضيفا أن رسالة نائب الرئيس الأمريكي واضحة: “قوموا بخرق القانون والقرارات الدولية، وستقوم الولايات المتحدة بمكافأتكم”.
أزمتا “الأونروا” والبراق
أزمة كبرى، صنعها قرار وزارة الخارجية الأمريكية الثلاثاء الماضي، بتجميد واشنطن مبلغ 65 مليون دولار من مساعداتها لوكالة “أونروا”، بجانب إعلان “بنس” عن زيارته ساحة البراق، وهو ما كان بمثابة المسمار الأخير في نعش الزيارة الأمريكية، ودفع القيادي بحركة حماس إسماعيل راضون، إلى تجديد رفض الفصائل الفلسطينية للقرار الأمريكي القاضي بتقليص دعمها لوكالة “غوث” وتشغيل اللاجئين “أونروا”، وطالب الدول العربية والإسلامية بـ”توفير الموازنات المالية المطلوبة للأونروا”.
كما أعلن خلال مؤتمر عقدته فصائل وقوى وطنية وإسلامية بمدينة غزة بالتزامن مع الحدث، أن “زيارة “بنس” عدوان على شعبنا، وإمعان في الغطرسة الأمريكية، فأمريكا تأبى إلا أن تواصل عداءها لأمتنا”، مضيفا: “زيارته لحائط البراق استفزاز لمشاعر المسلمين في ظل تصريحاته المنحازة للاحتلال”، فيما دعا الشعب الفلسطيني إلى “مواصلة الحراك الوطني والشعبي وتصعيد المقاومة خاصة في الضفة الغربية ومدينة القدس”، وهو ما استجابت له القوى الوطنية والإسلامية بالإعلان عن إضراب شامل لجميع مناحي الحياة عدا قطاعي الصحة والتعليم، الثلاثاء، والانطلاق يوم الجمعة المقبلة 26 يناير، بمسيرات حاشدة في الميادين العامة في القدس، بعد أداء صلاة الجمعة، للتعبير عن الغضب لكل المؤامرات التي تحاك ضد القدس، وهو حراك يبدو أنه سيتواصل كثيرا في ظل انحسار الربيع العربي الداعم للقدس، وسيطرة أنظمة حليفة للكيان الصهيوني علي قرارات المشهد العربي، وفي مقدمتهم مصر والسعودية والإمارات، التي تعتبر “بنس” صديقا عزيزا، كما وصفه رئيس وزراء الكيان الصهيوني.
اضف تعليقا