وكان رحمه الله كلما سأله أحدهم عن عيوبه قال “عيبي إني طيب أوي ” ، فينفجر الحضور بالضحكات لإنهم يعرفون إجابة العرّيف المحفوظة ، ويقولون هذا ليس عيبًا يا شيخنا

لكنه غدا العيب بعينه يا صديقي ، و العيب أننا أوتينا من الشجاعة و المروءة و الأمل والنبل أكثر مما أوتينا من المنطق والحنكة والحكمة

وأننا لا نجيد لعبة السياسة ولا نفهم دهاليزها ولم نؤت من براح الضمير ما منحنا فرص التفاوض على ما لا نملك مثلهم ، و مع هذا أقحمنا نفسنا في اللُعبة .. لأسباب سنعرف بعد ذلك انها لم تكن لتتسق مع كرسي الحاكم

كنا نظن أننا قادرون على قلب المعادلة ، و سرت نشوة السُلطان فينا

لكننا لم نعرف ساعتها أننا منزوعون من كل شيء إلا من الحنين ، نعرفه و يعرفنا جيدًا وسيحدث أن يلازمنا سبعٌ عجاف نشتاق فيها إلى حيث كنّا و كانوا

سيحدث أيضًا اننا سنتذوق مرارة الهزائم كلها مجتمعة في كل موطن و سنندم على بصيص الأمل الذي توهج فجأة و التحم بين صدورنا ليرسم لوحة النصر الكبرى ،، سنجلد أنفسنا أننا امتطينا الحلم و هذا مربط الألم

عزيزي الثائر الولهان ،، صحيح أنك مقتول بالهوى و الأمنيات ربما توقفت بك بعد الأيام الثمانية عشرة

لكن ،، ما ذنبك انت في المرثية !!

كل ما في الأمر انهم أيقنوا وعرفوا أن الثورة انتصارك الأكبر والوحيد

عرفوا أنك وجدت ذاتك فيها فأرادوا كسر تلك الذات و قطف أزهار حلمك المنتظر

ما ذنبك انت في أنهم حصّنوا مواقعهم بدهس ذكرياتك على الطرقات

وان كل الأبطال كانوا من ورق و أن الرموز تساقطت و أنك لم تبلغ النهايات

سجلت بغيابك القهري خواءً لقلب ميدان كان ينبض يومًا بهتافك الأنقى

لقد ثرت وقتما أتيحت لك فرصة الخلاص

لم تهدأ ، و لم تهرب ، و لم تُخرسك أزيز الطائرات ولا قنبلات الغاز و لا القناصة

فتحت صدرك للنيران عن طيب خاطر في لحظة لم تكن تحتمل بطولة زائفة

ما ذنبك و انت الثائر في وجه الظلام الحالك الممتد عقودا لتخلف بخروجك سيلًا بشريًا تحرك في وجه السلطان لأول مرة بعدما قُدّر له ألا يثور

انت من بسطت بجناحيك في الشوارع الأمان أعزلًا و حميت الديار والطرقات حين خنع أصحاب السلطة والسلاح و كتبت “الحتة الحلوة” في التاريخ يا صديقي

حاولت ، و كسبت شرف المحاولة وانتشلت جيلاً قادمًا من صب لعنات الانتكاس عليك ، مثلما فعلت انت مع أبناء النكسة

عشت خيبات متتالية ، لكنك عرفت مواطن النبل والإلهام فلم تخضع ولم ترفع الراية البيضاء بعد كل محاولات الإسكات والتنكيل

فكان عادلًا بمقياس عدلهم الأعوج أن تتلقى رد فعل الكرامة في ثورتك وحاضرك و مستقبلك لتسكت أبد الآبدين ويسكت من آمنوا معك

لا ترثي الحكاية فأنت ذكراها ولا تستسلم لانهزاميتهم التي تنعت أحلامك وتُحملها وقع ما جرى ..

سيحدث أن ينفض الجمع من حولك وستبقى وحدك بما يطعن في ثوابتك ،لا ضير لإنك الحقيقة ، والحقيقة لا يُلقاها إلا الثائرون

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر ” العدسة “