العدسة – معتز أشرف  

زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي بول رايان لمجلس الشورى السعودي، فتحت الحديث مجددا عن جدوى المجلس ودوره وتأثيره في المشهد السعودي صاحب الصوت الواحد، وهل يستحق وصفه في ظل الانتقادات الكثيرة الموجهة له، والتي وصلت إلى منابر النظام الرسمية، وعلى لسان أعضائه، ما رسخت صورة “خيال المآتة” حوله -بحسب مايرى البعض- فضلا عن قرارته التي باتت حبرا علي ورق، بعد أن اكتفى في جلسات سرية محظور بثها على الجمهور، بمناقشة توصيات أعضائه، أو بمراجعة ودراسة ما يرد إليه من تقارير أو ملفات من “المقام السامي”، أو من “مجلس الوزراء الموق”؛ وفقا لنظامه الذي ينص على (مناقشة ما يُحال إليه)!.

تأسيس متأخر ورمزي

تجربة المجلس متأخرة، يبلغ عمرها  26 عامًا، شهدت خلالها 7 دورات، بما فيها الدورة الحالية، مدة كل منها 4 سنوات، انطلقت في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، حيث صدرت الأوامر الملكية بإعلانه تشكيل المجلس في العام 1927، الذي قيل وقتها إنه يماثل البرلمان في الدول الأخرى، إلا أن التعليمات الأساسية له نصت على تشكليه من أعضاء متفرغين، برئاسة النائب العام للملك وثمانية أعضاء آخرين، على أن يتم استخدام مبدأ الشورى أسلوباً للنصح لولي الأمر، وليس للمجلس أي سلطات فعلية، بل كل ما يقدمه عبارة عن توصيات في انتظار اعتمادها من مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك.

وجاء في افتتاح الملك عبد العزيز مجلس الشورى، ما يكفي لتجسيد الصورة الحقيقة للمجلس الحالي غير المتصل بشئون البرلمانات المعتادة، حين قال الملك: “«ولو لم يكن من مصالح الشورى إلا إقامة السنة وإزالة البدعة لكفت»، إلا أنه في عام  1930، أعيد تكوين مجلس الشورى لمدة عام، ثم صدر قرار بتكوين مجلس الشورى الثاني، واستمر عمله حتى عام 1935، ثم شكل المجلس الثالث في عام 1936، واستمر العمل حتى أعيد تكوين مجلس الشورى في عام 1372هـ – 1953م، والذي يعد آخر مجلس للشورى في عهد الملك عبد العزيز، وقد خرج هذا المجلس بثوب جديد حيث ضم عشرين عضواً بدلا من ثلاثة عشر، واستمر العمل بمجلس الشورى كهيئة استشارية ذات مسؤولية مستقلة، حتى صدر نظام مجلس الوزراء السعودي الذي اضطلع ببعض من مسؤوليات مجلس الشورى، إلا أن الملك خالد بن عبد العزيز قرر في عام 1980 مراجعة نظام مجلس الشورى، ودراسة إصدار نظام أساسي للحكم، وهو ما حدث في عهد الملك فهد ولكن ظل التوصيف كما هو تقريبا، رغم ما قيل عن إجراء دراسات عميقة استمرت عدة سنوات، أسفرت عن النص على ” إبداء الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من الملك”!، ولم يحدث تغييرات جذرية في المجلس بعد ذلك، منها القرار الصادر في عام 2013، بتعديل نظام مجلس الشورى على أن يتكون من 150 عضواً، وأن يكون 20% منهم على الأقل من النساء.

انتقادات كثيرة

في استطلاع رأي أجرته جريدة القبس السعودية تحت عنوان ” ما رأيك بحضور جلسة في مجلس الشورى السعودي”، أكدت أن مجلس الشورى السعودي يواجه انتقادات بين فترة وأخرى، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرها من وسائل الإعلام، مرورًا بأعمدة المقالات وكافة الوسائط التقنية الأخرى”، موضحة أن هذه الانتقادات يتعلق بعضها بغموض آلية الوصول للمجلس، أو حضور الجلسات، أو اقتراح القضايا، أو تقديم مقترح ما، أو حتى الزيارة العادية، ويتعلق بعضها الآخر بجوانب مثل أهمية الموضوعات للمواطن التي يناقشها، وانعكاس ذلك على نسبة الرضا عن أدائه، أو حول حقيقة ما يصدره، أهو رأي أم قرارات.

والانتقادات الموجهة لمجلس الشورى في الفترة الأخيرة كثيرة، وتؤكد -بحسب المتابعين- أزمته المستمرة، ومنها: تمرير مجلس الشورى لتعديلات نظام العمل، رغم احتوائها على مواد جدلية؛ أسوأها المادة 77، التي أجازت للمرة الأولى فصل موظفي القطاع الخاص بدون سبب مشروع؛ وبتعويض هزيل، وتأخّره حتى الآن في تعديل المواد الخطيرة التي أقرّها في نظام العمل، رغم كل ما ترتّب عليها من أضرار جسيمة، طالت مئات آلاف السعوديين الذين فقدوا أعمالهم بسببها؛ منذ إقرار النظام، وإسقاطه لمشروع نظام حماية الوحدة الوطنية، الذي كان يعول عليه كثيرا في التصدي للممارسات العنصرية، وتجريم الطائفية، ووضع حد للتحريض على الكراهية وإذكاء العنف في المجتمع، فضلا عن توصيته بعدم ملاءمة دراسة إضافة مادة لأنظمة التقاعد، تسمح بصرف علاوة سنوية للمتقاعدين تنتشلهم من معاناة ارتفاع التضخم، وتعينهم على مواجهة غلاء الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة، و تأخيره النظر في تعديل نظام الجنسية الذي مضى عليه نحو 50 عامًا، ما حرم غالبية أبناء المواطنات المتزوجات بغير سعوديين من جنسية والدتهم؛ بسبب الشروط المستحيل تحقيقها، وإجهاضه لإصدار نظام مواجهة التحرُّش، حيث قام المجلس بدمجه قبل 4 سنوات بنظام الحماية من الإيذاء؛ وهو قانون تم تشريعه لغرض مختلف؛ فضلا عن خلوه من أي دور لوزارة الداخلية، وعدم حسمه للتعديلات المطلوب اتخاذها على أنظمة التقاعد المدني والعسكري ونظام التأمينات الاجتماعية؛ لتفادي عجزها المتوقع، ومنعًا لقيامها قريباً بتسييل بعض أصولها للوفاء بالتزاماتها، وتجاهله لضرورة وضع حد أدنى للأجور يتماشى مع تكاليف المعيشة؛ حفزاً للتوطين.

ومن الانتقادات الموجهة للمجلس كذلك، وقوفه موقف المتفرج من الوضع المتردّي للتعليم، وعدم مبادرته لإلزام الوزارة بتوضيح إستراتيجيتها التعليمية، أو لقيامها بتحرّك جاد للتوسّع في التعليم الفني والمهني الضروري للبلاد، وعدم تفاعله مع جمود معظم مشاريع النقل العام في مدن المملكة، ومشاريع تصريف مياه الأمطار ومشاريع الصرف الصحي، وضعف موقفه حول أداء وزارة الإسكان، التي تركت المواطنين الراغبين في التمويل تحت وصاية البنوك التجارية، مع دفعها فوائد تمويل تلك القروض للبنوك؛ بدلاً عن دفعها للمواطنين مباشرة!.

احتقار وسخرية

أعضاء مجلس الشورى أنفسهم، وجهوا انتقادات حادة وساخرة  لأسلوب إدارة جلسات المجلس واختيار القضايا وأولويات تمريرها، ومنهم: العضوة لطيفة الشعلان، التي وصفته بأنه «متخلف بسنوات ضوئية عن الحكومة»، وقالت “الشعلان” في مداخلتها خلال جلسة عقب صدور قرار حكومي بقيادة المرأة في السعودية للسيارة: “المجلس يجب أن يوسع اهتمامه من التوصيات الخاصة بسوسة النخيل، والمدن الصناعية، وصوامع الغلال، إلى التوصيات التي تقارب مواضيع الشأن الثقافي والاجتماعي والحقوقي.. والمجلس يعمل حالياً بنمط عمله قبل 10 سنوات، وأمامكم “جوجل” لتبحثوا وتتأكدوا، ولا أحد بعد اليوم يقمع مبادراتنا، سواء في اللجان أم تحت القبة، بدعوى عدم مناسبة الوقت والحجج المعروفة، مثل جبهة الحد الجنوبي، والبطالة، وغير ذلك”.

في الاتجاه ذاته، نقلت صحيفة الحياة السعودية عن مطالبة عضوين سابقين في مجلس الشورى، بوجود انتخابات برلمانية في السعودية، وذلك عقب ما أثير من انتقاد للمجلس وأعضائه من المواطنين، متهمين رئيس المجلس ونظامه بأنهما السبب في «احتقار الناس لهم»، وذكر محمد رضا نصر الله، والدكتور عبد الله الفيفي، العضوان اللذان قضيا في المجلس 12 عاماً، أنه لا بد من اختيار أعضاء المجلس في الدورة المقبلة بالانتخاب.

كما تعرض مجلس الشورى السعودي لأزمات محرجة بسبب أدائه، ومنها في أواخر العام الماضي، عندما ربطت إحدى لجانه بين الفساد وعهد الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، حيث اعترضت لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية بمجلس الشورى، على انتقادات عيسى الغيث، عضو المجلس، الموجهة إلى وزارة العدل، والتي تضمنت 80 ملاحظة، مؤكدة أن “الفساد لا حدود له، وقد حدث في عهد الرسول في قصص مشهورة متواترة.. وندرة القضايا في وزارة العدل دليل على حرصها في أعمالها”!، مضيفة في تهديد مبطن للنائب: ” تتلقي السعودية هجمات تدار من خارج البلاد، وتستهدف قطاعات الدولة، وتحاول الإساءة إليها وتشويه صورتها، فضلا عن محاولة بث روح الهزيمة والضجر بين أفراد المجتمع، وهو ما يجب التنبه إليه”!.

وشهد شاهد!

الشهادات كثيرة من ذوي الرأي في الرياض، ومنها شهادة الكاتب الصحفي السعودي غسان بادكوك، الذي أكد أن المجلس متأخر كثيرا في اتخاذ مواقف وقرارات مفصلية منتظرة، أو تردّده في إصدار أنظمة «ضرورية» جديدة، أو تشاغله عن تحديث أنظمة قديمة لم تعد «صالحة للاستهلاك الوطني»، بعد أن مضى على صدور بعضها عقود بدون أن تطالها يد التحديث، رغم ارتباطها الوثيق بمصالح ومعيشة المواطنين، وضرورتها لإصلاح اختلالات تُعيق تقدُّم البلاد، وأهميتها لضبط سلوكيات المجتمع، مشيرا إلى أن المجلس له صورة ذهنية سلبية تكوّنت لدى الرأي العام خلال السنوات الماضية؛ بعضها صحيح، في حين أن بعضها الآخر يعود لعدم إلمام الكثيرين بنظام المجلس وطبيعة اختصاصاته أوآلية عمله الداخلية، إضافة لنقل بعض وسائل الإعلام (أحيانًا)؛ صورة غير واقعية لما يدور تحت قبّة المجلس، وهو ما يستوجب أن يبدأ مجلس الشورى بمعالجة وضعه الداخلي، بزيادة درجة تفاعله مع تطلعات المواطنين.

الكاتب الصحفي السعودي حسين شبكشي كذلك، شدد على أن قيادة مجلس الشورى السعودي بعيدة تماما عن أرض الواقع، وأن مجلس الشورى «معزول» تماما عن الواقع السعودي، فالقرارات التي تم تعطيلها وقتلها بشكل غريب، ودون أن تلقى التأييد ولا المتابعة، لا تفسير لها سوى أن قيادة المجلس في وادٍ، والمجتمع وحراكه ومتطلباته في واد آخر، متسائلا باستنكار: “وإلا كيف من الممكن منطقيا تفسير «قتل» مشاريع قرارات تمنع التحرش وتجرمه، وأخرى تجرم الطائفية والعنصرية، وأخرى تحث على السماح للمرأة بقيادة السيارة”، فيما دعا إلى إعادة هندسة لقيادة مجلس الشورى بشكل أكثر واقعية، وأن يكون الاختيار مبنيا على أهل الكفاءة وليس أهل الثقة.