العدسة – جلال إدريس
تعد “دولة الجزائر” واحدة من أكثر الدول العربية اختلافا في مواقفها السياسية والإقليمية عن باقي مواقف الدول الخليجية، حيث سعت دولة الإمارات على سنوات طويلة أن تجتذب “السياسية الخارجية الجزائرية” للاتجاه الإماراتي، غير أن الجزائر غالبا ماترفض ذلك، وتصر على اتخاذ سياسيات مستقلة بحسب ماترى فيه مصالحها السياسية والإقتصادية.
وخلال السنوات الأخيرة، فجرت عدد من القضايا الإقليمية الخلافات بين “الجزائر والإمارات”، ووسعت الهوة بينهما، غير أن الدولتين حافظا على الشكل الدبلوماسي في العلاقات، رغم التباعد الكبير بين سياسيات كل منهما.
العدسة، ومن خلال التقرير التالي، يقف على أطراف القضايا الخلافية بين الإمارات والجزائر، ويرصد المواقف المختلفة التي حاولت فيها الإمارات أن تخضع الجزائر لمواقفها، على غرار ما فعلت مع بلدان عربية أخرى، غير أن بلد المليون شهيد كانت دائما وأبدا عصية على الانصياع لـ”أبو ظبي”.
الموقف من حصار قطر
وفقا لموقع “ساسة بوست”، فإن أزمة “حصار قطر” الذي أشرفت عليه الإمارات والسعودية، وشاركت فيه مصر والبحرين، ودول عربية أخرى سرعان ما تراجعت، كانت أحدث الأزمات التي أحدثت شرخا في شكل العلاقة بين “الإمارات والجزائر”.
وتطلعت أنظار الإمارات مع بداية الأزمة الخليجية، نحو موقف الجزائر من هذه الأزمة، وخياراتها تجاه دعم أيٍّ من الجانبين، قبل أن تصدر الجزائر بيانًا رسميًّا تدعو فيه الدول إلى الحوار، بوصفه «وسيلة وحيدة» لتسوية الخلافات بينها، وضرورة لاحترام السيادة الوطنية للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ولأن “الجزائر” مالت بعض الشيء حيال الموقف القطري، حين قررت دعم “الحوار”، وعدم التماهي في المواقف السياسية للرباعي العربي، فإن هذا الأمر أزعج “حكام أبو ظبي” وحاولوا ممارسة ضعوطا على الجزائر للانحياز إلى جانبهم.
واتخذت الجزائر موقفا محايدا من طرفي الأزمة الخليجية، وأصدرت وزارة خارجيتها بيانا، عند إعلان السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر، دعت فيه إلى “ضرورة التزام مبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها الوطنية في جميع الظروف”، مشيرة إلى أنها “واثقة بأن الصعوبات الحالية ظرفية، وأن الحكمة والتحفظ سيسودان في النهاية”.
وفي أشد أوقات الحصار السعودي الإماراتي على “قطر”، وتحديدا في يونيو 2017، قام وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، سلطان بن سعد سلطان المريخي، بزيارة الجزائر، كنوع من كسر الحصار، والتقى بوزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، وبحثا في مستجدات الأزمة الخليجية، وزيادة توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقتها خرجت “الدوحة” بتصريحات تؤكد ارتياحها وترحيبها بشكل كبير بالموقف الجزائري، حيث أشاد وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، بموقف الجزائر الذي وصفه بـ”المشرف” إزاء أزمة قطع العلاقات مع قطر، مشيرًا إلى أنها أول بلد دعا إلى الحوار.
كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن “المريخي” قوله إن الجزائر باعتبارها “بلدا كبيرا في العالم الإسلامي، ونظرا لتأثيرها في المنطقة، يمكنها أن تلعب دورا في العلاقات العربية العربية”، مضيفا أن بلاده تتفق مع الجزائر في الدعوة للحوار كحل للأزمة.
الموقف من إيران وحزب الله واليمن
يرى مراقبون أيضا، أن أحد أبعاد التوتر القائم بين الجانبين تمثل في العلاقة «المتينة» بين الجزائر وإيران، خصوصًا بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، العاصمة الجزائرية، في نهاية 2017، ولقائه وزير الشؤون الإفريقية والعربية عبد القادر مساهل، وتأكيده أن البلدين يتفقان على مبدأ «احترام أراضي الدول وسيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والسعي إلى الحوار، والتوصل إلى الحلول السلمية للنزاعات والخلافات».
ولا تنفصل العلاقات القوية بين الجزائر وإيران، خصوصًا في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي، من خلال عرض التعاون المصرفي والاقتصادي، والطرق الكفيلة بتفعيله ودفعه نحو الأمام، عن العلاقات المتقاربة بين قطر وإيران، على خلاف الخلاف السياسي بين الإمارات والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، وهي المسألة التي ترسم صورة كاملة عن أحد محددات الخلاف بين الإمارات والجزائر.
أيضًا، فإن الجزائر تختلف مع الإمارات بشأن الموقف من “حزب الله” اللبناني، حيث تراه الإمارات وتصنفه على أنه تنظيم إرهابي، في حين لا ترى الجزائر ذلك، وهو الأمر الذي يزيد الهوة والخلاف بين البلدين.
أيضًا، فإن عدم انخراط الجزائر في التحالف العسكري في اليمن الذي تقوده السعودية، وعدم اشتراكها بشكل فعال في الضربات التي توجهها الإمارات والسعودية ضد الحوثيين في اليمن، أحدث شرخا كبيرا في العلاقات بين البلدين.
الموقف من حماس
وعلى خلاف الموقف الإماراتي من “حماس”، والذي تعادي فيه “أبو ظبي” حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بشكل كبير، فإن دولة الجزائر بدأت مؤخرا في احتضان الحركة، فضلا عن أحاديث مختلفة تؤكد أن “حماس” قد تفتح مكتبا لها في الجزائر في وقت قريب.
ومع اشتداد الحصار على “قطر”، بدأت حركة “حماس” في البحث عن مكان إقامة بديل عن قطر، لعدة أسباب، لعل أبرزها: تفادي وقوع دولة قطر في الحرج، في ظل الضغط العربي الكبير الذي يمارس عليها وتسبب بحصارها، والذي يضع “طرد قادة حماس من أراضيها” شرطًا من شروط رفع الحصار عنها، والعلاقة القوية التي تربطها على المستويين الشعبي والسياسي مع الجزائر.
ووفقا لحركة “حماس”، فإنها تربطها علاقات “قوية” مع الجزائر، وظهر ذلك حين هبت أحزاب جزائرية في الحكومة بالدفاع عن الحركة بعد أن هاجمها سفير سعودي ووصفها بأنها “إرهابية”، إضافة لتصريحات الناطق باسم حركة “حماس” سامي أبو زهري، التي أكد عمق العلاقة بين حماس والجزائر، وأن حركته طلبت من السلطات الجزائرية، الإقامة في الجزائر حتى قبل أزمة الخليج.
وفي وقت سابق من العام الماضي، تحدثت مصادر بـ”حماس” أن السلطات الجزائرية حتى اللحظة لم ترفض طلب حركة “حماس” للإقامة في الجزائر، وهذا مؤشر اعتبره مراقبون فلسطينيون أنه إيجابي للغاية، ودليل على الموافقة الجزائرية على إقامة أعضاء “حماس” داخل التراب الجزائري.
كل هذا الاحتضان من قبل الجزائر لحركة “حماس” والحفاواة الكبيرة بأعضائها، أزعج بشكل كبير السلطات الإماراتية، والتي على مايبدو أنها تواصلت مع الجزائر كثيرا لتقليل الدعم المقدم للحركة، غير أن الجزائر ترفض التبعية للأمارات.
الموقف من ليبيا وحفتر
كان الجمود الرسمي من جانب الجزائر تجاه خطط «خليفة حفتر»، أبرز الفاعلين، الذي تعول عليهم الإمارات في الأزمة الليبية، أحد مُحددات توسع الهوة بين البلدين، وحدث أشبه ما يكون بالشقاق السياسي في ظل الحضور والنفوذ الجزائري القوي في الأزمة الليبية كون الجزائر تتعامل مع الأزمة الليبية بمنظور أنها امتداد للأمن القومي الجزائري، وذلك للتقارب الجغرافي مع ليبيا.
ولم تدعم الجزائر “حفتر” في ليبيا، إذ رفضت عدة مرات دعم مشروعه وقراراته، للحد الذي دفع “حفتر” إلى وصف الجزائر «بالدولة غير الشقيقة والعدوة»، واتهامها بالانحياز للحكومة التي كانت تتخذ طرابلس مقرًّا لها، بغض الطرف عن الإرهابيين الذين يدخلون ليبيا.
وفي نهاية عام 2017، تجدد الرفض الجزائري لخيارات “حفتر” في الأزمة الليبية؛ حين أعلنت رفضها وقف العمل بالاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة، وهو الاتفاق المُعروف بالصخيرات بالمغرب، برعاية الأمم المتحدة والدول المجاورة.
في المقابل، ترى الجزائر أن الحل في الأزمة الليبية يتمثل في الرهان على «فايز السراج»، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وتفعيل اتفاق الصخيرات، الذي يُمثل “السراج” فيها أحد الفاعلين، كإطار وحيد من أجل البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية، خصوصًا أنه يجد دعمًا من جانب الأمم المتحدة، لا يقف الدعم الجزائري لـ”سراج”، خصم حفتر، وحكومة الوفاق الوطنية الليبية، على المستوى السياسي فقط، إذ تساعده الجزائر كذلك في إدارة البلديات، وتنظيم الانتخابات، وتدريب مزيد من فرق الشرطة، ودعم تركيز منظومة السجون في ليبيا.
كل تلك الأحداث زادت من الهوة بين الجزائر والإمارات، وشعرت الأخيرة أن “الجزائر” لن تكون حليفة لها في الملف الليبي على الإطلاق، بخلاف الموقف المصري مثلا، الذي يسير خطوة بخطوة على غرار الموقف الإماراتي.
الموقف من تونس
تُشكل الأزمة التونسية أحد مُحددات الخلاف بين الإمارات والجزائر؛ فالأخيرة تتعامل مع القضايا الداخلية لتونس بوصفها امتدادًا لأمنها القومي، وأدت التدخلات الإماراتية في الشأن التونسي إلى توسع الهوة بين الجزائر والإمارات.
وتمثلت التدخلات الإماراتية في تجميد عدد من مشاريعها الاقتصادية في تونس، إضافة إلى وضع عقبات في وجه العمال التونسيين، والتدخل في الحياة السياسيّة المحليّة، فضلاً عن بعض القرارات الأخيرة بمنع ركوب التونسيات الطائرات المتجهة إلى الإمارات.
وحسب إحدى الوثائق المُسربة، تمثلت إستراتيجيّة الإمارات للاستفادة من الأوضاع القائمة وتحقيق تطلعاتها في الساحة التونسيّة، من خلال كسر النفوذ الجزائريّ والقطريّ وأدوات تحقيق ذلك، فهي ترى في الجزائر، وبالذات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والقيادات العسكريّة النافذة، حليفًا لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي ساهم في تقوية علاقاتها بالإسلاميين الجزائريين والليبيين، وكذلك الأمر مع قطر، التي تحظى أيضًا بحضور إعلامي وثقافي محلي قوي.
ولا تنفصل هذه الإستراتيجية عن التسريبات حول توصيات مسؤولين جزائريين لنظرائهم التونسيين عن خطة إماراتيّة للتدخل في تونس، فضلاً عن وجوب التنسيق والتعاون الدائم لمواجهة أي مساع إماراتية لحلحلة الاستقرار القائم في تونس.
تحية تقدير للدبلوماسية الجزائرية التي تعامل كل دول العالم بنفس المسافة وبدون أي مصلحة