العدسة – منصور عطية

من جديد طفت الحملة التي تشنها السلطات السعودية تحت شعار مكافحة الفساد على سطح الأحداث في المملكة، بمعلومات عن تسويات مالية جديدة مع معتقلي الريتز، أبطالها أمراء ومسؤولون سابقون ورجال أعمال، نالوا بموجبها حريتهم.

وكالة “رويترز” للأنباء نقلت، الجمعة 26 يناير 2018، عن مصدر (لم تسمه) أن من بين هؤلاء كل من: رجل الأعمال “وليد الإبراهيم”، مالك شبكة “إم.بي.سي” التلفزيونية، و”فواز الحكير” أحد كبار المساهمين في شركة فواز عبد العزيز الحكير، و”خالد التويجري” الرئيس السابق للديوان الملكي، والأمير “تركي بن ناصر” الرئيس السابق لهيئة الأرصاد وحماية البيئة.

هذه التسويات وما سبقها يفترض أن تنعش خزينة المملكة المثقلة بالأعباء، فأين ذهبت تلك المليارات؟.

بِلُغة الأرقام

أعلنت سلطات السعودية قبل أيام اقترابها من إغلاق ملف التسويات المتصلة بقضايا الفساد، على أن تتم إحالة بقية المتهمين في هذه الحملة إلى النيابة العامة في غضون أيام قليلة.

وفي حملتها على الفساد التي بدأت منذ أكثر من 80 يومًا، استدعت اللجنة العليا لمكافحة الفساد 350 شخصًا، بينهم “متهمون” بقضايا فساد مختلفة، و”شهود” في بعض القضايا، و”أشخاص للإدلاء بمعلومات” يمتلكونها تتصل بهذه القضايا.

أما في نتائج التحقيق، فقد وافق معظم الموقوفين على إبرام تسويات، قيل إن من بينهم الأمراء متعب ومشعل وتركي أبناء العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بينما أُسقطت التهم عن 90 موقوفًا وأطلق سراحهم، بينهم مسؤولون حاليون مثل إبراهيم العساف، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ووزير المالية السابق، ولا يزال 95 شخصًا موقوفين حتى الآن، لعل أبرزهم الأمير الوليد بن طلال.

والشهر الماضي، أكد النائب العام السعودي سعود المعجب، أن “معظم الموقوفين وافقوا على إجراء تسويات لتفادي توجيه النيابة العامة اتهامات إليهم، وأن الباقين منهم سيظلون محتجزين لعدة شهور أخرى”، مضيفا: “الذين أثبتت التحقيقات تلبسهم في قضايا الفساد سيخضعون لمحاكمة عادلة”.

وبموجب الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبدالعزيز بتشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسة ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تحتجز السلطات في فندق “الريتزكارلتون” وبعض السجون بالعاصمة الرياض، المئات من الأمراء والوزراء والمسؤولين السابقين والحاليين ورجال الأعمال.

أين المليارات؟.. رواية الحكومة

لعل التساؤل الأبرز، رغم غياب أية معلومة رسمية أو غير رسمية بشأن القيمة الإجمالية لتسويات الفساد، هو أين تذهب المليارات المحصلة من المتهمين؟.

وزير المالية السعودي محمد الجدعان، كشف عن أن الدولة “تسلمت بعض الأصول والمبالغ النقدية من الأشخاص الموقوفين على ذمة قضايا الفساد، وأودعتها لدى الجهات المسؤولة في المملكة”.

وأفاد في تصريحات صحفية، الجمعة، بأن “أغلب التسويات لم تكن على صورة مبالغ نقدية؛ بل جاءت في صورة أصول غير نقدية (عقارات أو ممتلكات أخرى)، وستحتاج الحكومة لمدة زمنية قبل أن تعمل على تسييلها وتحويلها لأموال”.

وفي تصريحات أخرى، كشف الجدعان أن تسويات قضايا الفساد ستساهم في تمويل الأوامر الملكية الأخيرة لدعم المواطنين، لمواجهة تكاليف غلاء المعيشة.

وأضاف على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أنه: “تقدر تكلفة الأوامر الملكية بنحو 50 مليار ريال، ولن تصرف دفعة واحدة، وستمول من خلال الوفر في الميزانية وما حصل من حملات مكافحة الفساد”.

ولعل الجزم بما تأمل الحكومة السعودية أن تحصله من الحملة، لا يمكن استنتاجه من هذا التصريح، لكن الرقم تبدو له دلالة، اتساقًا مع تقرير سابق لشبكة “بلومبيرج” الأمريكية، قال إن السعودية “تأمل في استرداد ما بين 50 و100 مليار دولار من اتفاقات التسوية مع المشتبه بهم المحتجزين في حملة مكافحة الفساد”.

التقرير قال: إن “الأموال المستردة من محادثات التسوية قد توفر دعما كبيرا لاحتياطيات البنك المركزي (مؤسسة النقد) من العملات الأجنبية التي انخفضت بنحو 260 مليار دولار عن ذروتها في عام 2014”.

دهاليز “بن سلمان”!

في المقابل فإن ثمة أوجه إنفاق أخرى لتلك المليارات المستردة، تحدث عنها ناشطون سعوديون وتقارير إعلامية، تقود إلى حقيقة واحدة وهي أن ولي العهد محمد بن سلمان يستولي على الغالبية العظمى من هذه الأموال لحسابه الشخصي.

المغرد الشهير “العهد الجديد” قال في تغريدة له: إن “جميع الأموال التي تم تحصيلها من الحملة المزعومة (محاربة الفساد) قسمت إلى نصفين: الأول ذهب إلى ميزانية الدولة، والثاني ذهب إلى مخبات ابن سلمان”.

وأضاف المغرد الموصوف بقربه من دوائر الحكم في البلاد: “لكن المضحك في تطبيل الذين حول ابن سلمان اللي جالسين يقولون له أن هذه الأموال هي عمولة عادية لقاء جهده وسعيه في تحصيل تلك الديون والسرقات”.

وعلى علاقة وثيقة بتلك الأموال، كشف “العهد الجديد” أن “بن سلمان” لم يدفع فاتورة استخدام فندق “الريتزكارلتون”، الذي تم إخلاؤه، أواخر أكتوبر الماضي إلى الآن، وأن من أسماه الوكيل (ع أ) متضايق ومتذمر لكن “ليس في يده حيلة”.

المغرد الآخر “مجتهد”، أدلى بدلوه حين قال إن ابن سلمان “يصادر (لنفسه) جميع أملاك عبدالعزيز بن فهد داخل المملكة ما عدا قصر في الرياض وقصر في جدة، وتعرض عبدالعزيز لضغط شديد، للتنازل عن جزء كبير من أملاكه في الخارج فرفض، ولا يزال يتعرض للضغط، وكان عبدالعزيز في البداية يعامل بشكل مستقل عن الأمراء ثم وضع معهم في “الريتز” ثم (سجن) الحاير”.

وفي نوفمبر الماضي، كشف “مجتهد” أن التحويلات التي تجري من حساب الأمراء والمسؤولين السعوديين السابقين والحاليين ورجال الأعمال المعتقلين، تتم لحساب تابع للديوان الملكي يخص “بن سلمان”، وليس لحساب الخزينة في وزارة المالية، وأنها بالمليارات.

وأضاف: “بعض المعتقلين يأتونهم بالمسؤولين عن حساباتهم لأخذ تفويض بتحويل الأموال لأي جهة يحددها ابن سلمان”، متابعا: “مصادرنا في البنوك تتحدث عن تناقص سريع في رصيد بعض المعتقلين”.

وفي وقت سابق قال إن عدد الحسابات البنكية المجمدة للأمراء السعوديين والوزراء ورجال الأعمال، وصلت إلى 9 آلاف حساب، وسبق أن كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن أن السلطات السعودية تسعى لمصادرة أرصدة وأموال تابعة للمحتجزين بتهم ​الفساد قد تصل قيمتها إلى ما يقارب 800 مليار دولار.