العدسة – جلال إدريس
بعد معركة طويلة، أشبه بمعركة “عض الأصابع” بين محمد بن سلمان، وابن عمه “الوليد بن طلال” اضطرت السلطات السعودية للإفراج عن الأمير السعودي والملياردير الشهير “الوليد بن طلال” ليخرج في صورة المنتصر، وإن كانت السلطات السعودية تحاول الترويج لعكس ذلك.
وبينما تؤكد مصادر سعودية أن الإفراج عن “بن طلال” جاء بعد تسوية مالية معه أقرها النائب العام السعودي، يؤكد مراقبون أن الإفراج عنه لم يكن بالتسوية التي خطط ورسم لها “بن سلمان” إلا أنه في نهاية الأمر رضخ لضغوط رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب الذين تربطهم علاقات وثيقة مع الأمير “الوليد”، لتنتصر الثروة في نهاية المطاف على السلطة.
الإفراج عن “الوليد” جاء بعد نحو شهرين من احتجازه بفندق “ريتز كارلتون بالرياض” هو ومجموعة أخرى من رجال الأعمال والأمراء السعوديين، اتهمتهم السلطات السعودية بالتورط في قضايا فساد.
وخلال تلك الفترة ساوامتهم الحكومة السعودية، على حريتهم مقابل تسويات مالية ضخمة، حيث كانت تأمل الحكومة أن تحصل على تسويات تصل لـ 100 مليار دولار من نحو 200 رجل أعمال ومسئول وأمير اعتقلتهم على مراحل مختلفة.
ورغم أن الأسماء التي كانت محتجزة بفندق “الريتز” جميعها ثقيلة ولها شأنها على المستوى الاقتصادي والاستثماري، فإن الوليد الذي يوصف بأنه إمبراطور الإعلام كان أكثرهم إثارةً للرأي العام العالمي، ولا يزال، وكان أبرز الرافضين لابتزاز ابن عمه “محمد بن سلمان”.
الوليد العنيد وصفقة الـ 6 مليارات
ووفقا لمصادر سعودية، فلم تتوقف التسويات المالية مع نزلاء “الريتز” خلال فترة احتجازهم، وبالتالي لم تتوقف الإفراجات عنهم تباعا، حيث كان آخرهم الإفراج عن الأمير الوليد بن طلال ومن قبله عن 4 من كبار رجال الأعمال بينهم مالك مجموعة “MBC“الإعلامية، الشيخ “وليد آل إبراهيم”.
وأكدت تقارير صحفية سابقة، فإن الأمير بن طلال رفض مرارًا التنازل عن ثروته مقابل الحصول على حريته، طالباً اللجوء إلى القضاء لتسوية الخلافات مع السلطات.
وأكدت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن بن طلال خلال فترة توقيفه، كان رافضاً للدخول في أي تسوية مقابل إطلاق سراحه، حيث كان يعتقد أن قبوله بدفع الأموال مقابل الإفراج عنه، سيُعد “اعترافاً منه بالذنب”.
كما أن قبوله بالتسوية كان سيتطلب منه “تفكيك إمبراطوريته المالية التي بناها عبر 25 عاماً”، بحسب ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في وقت سابق.
وتُقدر ثروة الوليد بن طلال وفق إحصائيات “فوربس” بـ”18.7″ مليار دولار، ما يجعله الرجل الأغنى في الشرق الأوسط، وبحسب ما قاله شخص قريب من بن طلال، فإن معركته الرئيسية خلال فترة توقيفه كانت تنصب على “بقاء الإمبراطورية المالية تحت تحت سيطرة الأمير”.
ووفقا لـ”هافينغتون بوست” فقد أكدت مصادر مطلعة على تفاصيل المباحثات بين بن طلال والسلطات السعودية، أن “الأمير الوليد تحدث مع الحكومة لتقديم جزءٍ من شركته “المملكة القابضة” بدلاً من دفع الأموال المطلوبة نقداً”، حيث طالبته السلطات بدفع 6 مليارات دولار للإفراج عنه.
لا اتهامات واضحة للمحتجزين
وقبيل الإفراج عن “الوليد بن طلال” أكد صالح الحجيلان وهو محام للوليد ولا يزال على اتصال بعائلته، أنه لا توجد اتهامات رسمية ضد الأمير حتى الآن، وأن المدعي العام سيفتح قضية ضده فقط في حال عدم الوصول إلى تفاهمات.
وتابع الحجيلان أن الحكومة ترغب بالوصول إلى تسويات بشكل ودي مع رجال الأعمال المعتقلين، مضيفا أنه لم يوكل حاليا من قبل الأمير ابن طلال للدفاع عنه.
وقال الأمير الوليد لمقربين منه، إنه مستعد لإثبات براءته وأنه سيكافح الاتهامات الموجهة له بالفساد أمام المحكمة إذا استدعى الأمر لذلك.
وقال شخص مقرب من الأمير ابن طلال للصحيفة، “إنه يريد تحقيقا سليما وحقيقيا، ويتوقع إذا حصل هذا التحقيق أن يجعله الوليد تجربة قاسية لـ مبس”، مشيرا إلى ولي العهد بالاسم المختصر كما يفعل الكثيرون.
ضغوط رجال الأعمال الأجانب
وكانت حملة “بن سلمان” المذعورة على رجال الأعمال السعوديين، قد أثارت مخاوف واسعة لدى رجال المستثمرين الأجانب والعرب في المملكة، كما تأثرت بيئة الاستثمار في السعودية بشكل خاص بعد اعتقال الملياردير”الوليد بن طلال”.
ورغم أن ردة فعل رجال الأعمال والمستثمرين من أصدقاء “الوليد” لم تكن بالشكل المتوقع، إلا أنها أثرت بصورة أو بأخرى في الضغط على “بن سلمان” واتخاذ قرار سريع بالإفراج عنه وإطلاق سراحة، حتى ولو لم تحقق التسوية معه الشكل المطلوب.
وبحسب وكالات وصحف عالمية، فإن العديد من معارف الوليد في الولايات المتحدة وأوروبا أرسلوا خطابات للسفارات السعودية، أكدوا فيها أنهم لا يعتقدون أنه مذنب، كما يظنون أن عدم وجود تفسير لحملة الأمير محمد ضد الفساد قد تؤدي إلى هروب رأس المال الأجنبي الذي يأمل في جذبه”.
أيضا فقد أثارت الأخبار عن تدهور صحة “الوليد” داخل مقر احتجازه، موجة من التساؤلات والغضب بين رجال الأعمال الذين أبدوا استغرابهم أن يحدث ذلك لواحد من أغني الأشخاص في المملكة، فكيف إذا اختلفت الدولة مع مستثمر صغير.
وبالإضافة لذلك فقد كانت للتصريحات التي نقلتها “بي بي سي” عن رجل الأعمال الكندي ألن بندر الذي قال إنه تحدث مع بن طلال قبل إطلاق سراحه مباشرة وقال إن الأمير الوليد معتقل في غرفة تشبه الزنزانة، صدى واسعا وضغطا كبيرا في اتجاه الإفراج عن الوليد.
وكان “رجل الأعمال الكندي” قد أكد أنه لم يسمح له بمقابلة الوليد وجها لوجه، وأخذه مسؤولون سعوديون إلى مكان بجوار فندق “ريتز-كارلتون” بالعاصمة الرياض، وتواصل مع الأمير صوتا وصورة عبر هاتف أو ما يعرف باسم “الفيديو كونفرانس” ليقرأ عليه مجموعة من الاتهامات في خطاب أعدته السلطات السعودية، كما أكد أن “الوليد” كان يظهر عليه الإعياء وكانت يرتعش خلال المحادثة.
ألغاز مثيرة للجدل
وتعددت الشكوك والتخمينات حول السبب الحقيقي للقبض على الوليد، منها عداؤه للأمير محمد واعتراضه على توليه ولاية العهد، لكن تغريدة الوليد التي أعلن فيها مبايعته لابن سلمان، تنفي ذلك.
كما تخللت فترة الاحتجاز إثارة ألغاز غامضة، مثل ما تناولته عدد من وسائل الإعلام بشأن بيعه حصّته في شركة “فوكس” التي ظل مساهما فيها نحو 20 عاما، ليتركها تحت هيمنة قطب الإعلام روبرت مردوخ، في صفقة غير معلنة، وقبل الاحتجاز.
اللغز الآخر، الذي أثاره أحد المقربين من الأمير، هو: “إذا كان الأمير متهمًا بالفساد، فكيف منحته الحكومة الإذن بتوقيع اتفاقية مع بنك كريدي أجريكول كوربوريت آند انفستمنت لشراء 16.2 % من الأسهم التي يملكها في البنك السعودي الفرنسي بسعر 29.5 ريال للسهم بقيمة إجمالية للصفقة 5.760 مليار ريال نحو 1.5 مليار دولار، فقد كانت الصفقة (التي أبرمت في 12 أكتوبر) تتطلب موافقة الهيئات الرقابية التي كان من المؤكد أنها كانت على علمٍ بما سيقع، فضلًا عن أن ولي العهد أكد في حواره للسيد فريدمان أن الحكومة كانت تعمل على قضايا الفساد منذ عامين”.
أما اللغز الأخير في فترة احتجاز الأمير “الوليد بن طلال” هو مقطع “الفيديو” الذي ظهر قبيل ساعات من الإفراج عنه، حيث ظهر في مقابلة مصورة مع “رويترز” من فندق ريتز كارلتون المُحتجز به مع عدد من الأمراء ورجال الأعمال.
وكان بن طلال يتحدث في الفيديو إلى صحفية باللغة الإنجليزية من وكالة رويترز، وكان يشرح لها عن الغرف التي يعيش فيها بالفندق الفخم الموجود في العاصمة الرياض.
وقال بن طلال في الفيديو إنه “لا توجد اتهامات. هناك بعض المناقشات بيني وبين الحكومة.. أعتقد أننا على وشك إنهاء كل شيء خلال أيام”.
وأشار الملياردير السعودي إلى أنه لا يزال يُصرّ على براءته من أي فساد خلال المحادثات مع السلطات. وقال إنه يتوقع الإبقاء على سيطرته الكاملة على شركته “المملكة القابضة” دون مطالبته بالتنازل عن أي أصول للحكومة، وفقاً لرويترز.
وبدا الشيب أكثر على الأمير الوليد وظهر أكثر نحافة مقارنة بآخر ظهور علني له خلال مقابلة تلفزيونية في أكتوبر وقد نمت لحيته أثناء احتجازه، الأمر الذي يزيد من حالة الغموض والحيرة بشأن احتجازة.
اضف تعليقا