لماذا تحرص الحكومة بشدة على زيارة ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان إلى بريطانيا؟ أو يمكننا صياغة السؤال بعبارة أخرى كما صاغتها المحاورة ميرتون في حوارها مع ريشي سوناك “إذن، ما الذي جذبك إلى الزعيم السعودي الثري للغاية؟”

من المتوقع أن يزور بن سلمان المملكة المتحدة هذا الخريف، لكن حتى الآن لا يوجد موعد محدد لهذه الزيارة، لتكون هذه أول زيارة لولي العهد منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، والذي خلص تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية رفعت عنه السرية إلى أنه أصدر أوامر مباشرة بالقتل.

جريمة اغتيال خاشقجي تسببت في موجة غضب عالمية ضد النظام السعودي، على رأسها بريطانيا التي انتقدت العملية بشدة وبشكل أو بآخر تأثرت العلاقة بين البلدين، لكن بعد خمس سنوات فقط ها هي حكومة المملكة المتحدة تفرد السجادة الحمراء لمحمد بن سلمان وتجهز لاستقباله على أعلى مستوى… لماذا تفعل ذلك يا ريشي؟

هناك الكثير من المبررات السياسية الواقعية التي تجعل بريطانيا تتنازل عن مبادئها وتتعامل مع السعوديين في لندن، أبرز هذه العوامل كون المملكة الصحراوية سوق حيوي للصادرات البريطانية، بالإضافة إلى سعي بريطانيا إلى عقد صفقة التجارة الحرة مع الكتلة الخليجية الأوسع، حيث يحمل السعوديون كلمة مؤثرة، وحسب المصادر فإن الصفقة قد تتسبب بدخول 1.6 مليار جنيه إسترليني إضافية للاقتصاد البريطاني، وهو أمر يصعب حدوثه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية بدون مساعدات.

هناك “مغريات” أخرى معروضة على الشركات البريطانية في قطاع الخدمات أيضًا حيث تسعى المملكة الصحراوية إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، مثل المجال الرياضي مثلا، وعليه من المنطقي جدًا أن تستضيف بريطانيا محمد بن سلمان بالنظر إلى أن السعوديين استثمروا مبالغ ضخمة في الرياضة هنا من خلال سيطرتهم على نيوكاسل يونايتد ورعايتهم للفورمولا 1.

كل ما سبق يجعل من تقارب العلاقات البريطانية والسعودية منطقيًا، لكنه لا يجعله التصرف الصحيح: هل المبادئ لا قيمة لها إلى هذا الحد؟ هل الحديث عن حقوق الإنسان والحريات وتحقيق العدالة كان مجرد شعارات!

من المؤكد أن الزيارة ستثير عاصفة من الاحتجاجات، سيطالب بعض النشطاء باعتقال محمد بن سلمان بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، نعلم جيدًا أن هذا لن يحدث بالطبع، لكن الاحتجاجات سيراها العالم أجمع.

سيتم استقبال محمد بن سلمان في قصر باكنغهام وسيلعب الملك تشارلز دورًا مركزيًا، لطالما كان للعائلة الملكية علاقات وثيقة مع العائلة المالكة السعودية: قام تشارلز بزيارات عديدة إلى المملكة العربية السعودية ولديه تقدير كبير للثقافة والتراث الإسلامي، ومع ذلك، فإن وجود محمد بن سلمان في القصر ستكون بمثابة أكبر انتصار لدعاية العلاقات العامة التي يشنها النظام السعودي منذ سنوات بعد مقتل خاشقجي.

البعض يتوقع أن يطلب ولي العهد زيارة سانت جيمس بارك لمشاهدة فريقه لكرة القدم يلعب، ولم لا يطلب ذلك، هل هناك حدود عندما يتعلق الأمر بتدشين السجادة الحمراء لمحمد بن سلمان؟ من المفهوم أن السعوديين حريصون على أن يُنظر إليهم على أنهم لاعبون كبار على المسرح الدولي لأن هذا يساعد على “تبييض” سجلهم في مجال حقوق الإنسان، لكن هل يجب أن تساعدهم الحكومة البريطانية في هذه المساعي؟

لا يمكن لأحد إنكار الإصلاحات التي أقدم عليها محمد بن سلمان منذ توليه السلطة، لكن رافق هذا ولا يزال العديد من انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الحريات، مع الجانب المضيء لحكمه، هناك جانب أكثر قتامة من أي وقت مضى لا يمكن التسامح معه.

لم تكن المملكة العربية السعودية مجتمعًا حرًا على الإطلاق، لكن محمد بن سلمان أسس مناخًا من الخوف غير مسبوق، من الخطر التعبير حتى عن أبسط الانتقادات له أو للنظام: أي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يواجه رفضًا رسميًا يعاقب عليه بالاعتقال ويتبعه حكم بالسجن لمدة طويلة.

تسلط دعوة محمد بن سلمان لزيارة لندن الضوء على فشل أوسع للسياسة والدبلوماسية الغربية، يبدو أن القادة من بايدن إلى ماكرون، والآن سناك، ليس لديهم مقياس حقيقي للمبادئ، وغير قادرين على تصنيف محمد بن سلمان، كل ما يريدونه حق الوصول إلى الثروة الضخمة التي تحت تصرفه.

يُظهر التاريخ أن التسامح مع قادة الأنظمة الوحشية غالبًا ما يؤدي إلى أرباح قصيرة الأجل، ولكنه دائمًا ما يكون ثمنه ضخمًا على المدى الطويل… يبدو أن ريشي سوناك مصمم على تعلم هذا الدرس بالطريقة الصعبة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا