الأمنيات علينا أيادٍ بيضاء، ومنّة عظيمة، حتى وإن لم تتحقق، فهي من صبّت خطانا في الطريق، وهي من أطلقتنا من: الآن، والحاضر، واليوم، و.. تلك الأشياء الظرفية بالغة الضيق، فحرّرتنا من سجن الراهن، وعبرت بنا فلم نغرق في اليوم المتلاطم باليأس والفشل، فغزونا المستقبل بالمطامح والتطلعات المحلّقة بغير أجنحة ولا سماء، مع أننا بعدُ لم نبرح حاضرنا.
“في الضيق تتبدى السّعة ، وفي الألم يتجلى الامل ، وفي الكرب يجد المرء مخرجاً وإن كان بعيدا في الرؤية الأولى و في الحزن يبعث الله للمحزون من يُسري عنه ولو كان خيالا من ماضً ، أو طيفا من ذكريات … لو خلق الله الضيق دون سعة والالم دون أمل والكرب دون فرج و الحزن دون سرور ما طاب العيش لمخلوق ، وما وجد المرء لحياة يمكن ان ينتظر قساوتها على أمل العبور إلى لينها و لو بعد حين”
-أيمن العتوم
إن الأمنياتُ –بمعنى ما- هي اختراقٌ للمغيب الآتي، وانتقال خلاّق عجائبي إلى الأمام متجاوزٌ لكل ما نعبّر عنها بأنه جغرافيا أو تاريخ مع أننا ثاوون في لحظتنا لا نتحرك، فبالأماني نبذرُ في أرضٍ لم تُخلق بعد، ثم نشبع من أكل الثمار قبل أن نقتطفها، وهنا المعجزة الفاتنة للأمنية، والتي تثبت أنها رسول من عند الفرج، والفرجُ من سكّان السماء، فبها -أي الأمنية- ستنامُ قريرَ العين في الظلال الوارفة بلا أي شجرة حقيقية محسوسة، مع أن ظهير الواقعُ تصهرُ كلَ القباب الرخامية القابعة في: اليوم، والآن والحاضر..التي دوما تطبقُ على أنفاسنا.
بالأمنية تصيرُ كنبي الله إبراهيم –عليه السلام- لا تضرك النار المتأججة حولك، مع أنك في قعرها ولا تبالي.. وهذا من خيرِ ما تقدمه لنا الأمنيات، أن تهب لنا أملاً نصمدُ به على مغالبة واقعنا الذي لا يواتينا على ما نريد دائماً.. أن ترصف لنا جسراً من حلم يحملُنا فلا نقع في الهوة السحيقة الفاصلة بين: اليوم الحقيقي، والغد الحالم الذي ربما لن يستيقظ أبداً، وربما لن يأتي مملؤ اليدين بما نحبُ ونشتهي دوماً..
“إعطاء جرعة أمل للآخرين.. لن تنتقص ذرة.. من مخزون الأمل لديك !”
لهذا فقد وصلنا .. لقد وصلنا، فأن تكونُ خطوةً على طريقٍ لا ندري إلى أين سينتهي بنا، خيرٌ لك من أن نكون حجراً حقيراً مُلقى عليه، لتمتص لعنّاتِ المتعثرين الواهمين فقط، وقد صدق من قال:
منى إن تكن حقاً تكن أطيب المنى ….. وإلا، فقد عشنا بها زمناً رغدا
ربما كانت الأمنيةُ وهماً عييّا، لكنها أكثرُ نفعاً وجدوى من كلِ الحقائق الفصيحة.!
الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“
اضف تعليقا