العدسة – معتز أشرف

حفل الشراكة بين دولة الإمارات وإثيوبيا في فندق راقٍ بمصر قبل أيام عزَّز الحديث المتكرر عن التوسع الإماراتي الطامع في إفريقيا، والذي وصل في بعض الأحيان إلى التواطؤ من أجل المصالح الخاصة بدعم إبادة مسلمي إفريقيا الوسطى، بحسب اتهامات المسلمين هناك، ولكن جاءت تظاهرات الأفارقة المحاصرة لسفارات الإمارات في أكثر من دولة، تنديدًا بالاستعباد الجديد لأبناء القارة السمراء على يد الإمارات، ليؤكد اتهامات تحاصر أبوظبي تحت لافتتي الاستعباد والأطماع، وسط مطالبات بتدخل أممي.

استعباد وخيانة!

الحملات الدولية لمقاطعة الإمارات تتواصل ويقودها الرافضون للاستعباد الإماراتي للأفارقة، والتي قامت بالتنسيق مع مؤسسة “أفريكان لايفز ماتر”، السبت، في وقفات احتجاجية رافضة لدور الإمارات في رعاية العبودية والاتجار بالأفارقة، وذلك أمام سفارات أبو ظبي في كل من لندن وباريس وواشنطن، بهدف تسليط الضوء على العبودية الحديثة في الإمارات حيث الاتجار بالبشر، خاصة بالأفارقة الذين يؤتى بهم من ليبيا، إضافة لدور الإمارات في تمويل جماعات مسلحة تابعة لقوات حفتر في ليبيا والمنخرطة بتجارة العبيد.

الوقفات دعمها مؤسسات غربية وإفريقية عديدة مثل الجالية السنغالية في فرنسا ومؤسسة “متحدون ضد العبودية” ومؤسسة “إفريقيا الدولية لحقوق الإنسان”، وبحسب الناطق باسم الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات هنري جرين فإنَّ سفارات الإمارات استنفرت خلال الأيام الأخيرة، وحاولت عرقلة الوقفات من خلال محاولات رشى لبعض المؤسسات، بالإضافة لضغط من صحيفة الناشينول الإماراتية التي هاتفت المنظمين وطالبتهم بتغيير مسار الحملة لمكان آخر غير سفارة أبو ظبي، لكن تشكل هذه الوقفات، بحسب المراقبين نقلة نوعية تصعيدية ضد الإمارات برعاية من الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات التي تنشط جاهدة لمحاصرة أبو ظبي عالميًا من خلال إبراز انتهاكاتها لحقوق الإنسان، والسبل المثلى لمواجهتها عبر قطع العلاقات ووقف الاستثمارات والمقاطعة.

الحملة أطلقت في أوروبا أسبوعًا تضامنيًا كذلك في نوفمبر 2017  لدعم المهاجرين الأفارقة الذين يقعون ضحايا للعبودية على أيدي مجموعات مسلحة في ليبيا أسستها وتمولها دولة الإمارات، والذي شهد تفاعلًا واضحًا من مختلف جاليات الدول الإفريقية في أوروبا وأمريكا، وهو ما اعتبره القس المسيحي فيم فان كيودي- وهو أحد المشاركين في الحملة- أنه تعبير عن خطوة جادة وحقيقية لوقف الممارسات الهمجية ضد المهاجرين الأفارقة العالقين في ليبيا، مؤكدًا أهمية تفعيل التظاهرات ضد تلك السلوكيات في أوروبا أمام سفارات الإمارات وليبيا، فيما وصف الناشط الإفريقي يوسف لادان العبودية التي تراعها الإمارات في ليبيا بأنها جريمة ضد الإنسانية تستلزم محاسبة كل المسؤولين عنها باعتبارها جرمًا لا يغتفر، وهو نفس الإطار الذي أعلنته حركة “حياة الأفارقة مهمة” التي أكّدت اهمية اتخاذ المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تمويل الإمارات للمجموعات المسلحة في ليبيا والتي تستعبد المهاجرين الأفارقة.

وبحسب تقارير متواترة فقد تورطت الإمارات كذلك في حرب الإبادة التي شنتها الميليشيات المسيحية ضد المسلمين في إفريقيا الوسطى والتي أسفرت عن مجازر بشعة في هذا البلد الإفريقي الواقع في شريط دول الساحل والصحراء المحاذي للدول العربية شمال القارة، وأشارت التقارير إلى اعتراف قادة الميليشيات بالحصول على دعم مادي من الإمارات في العمليات العسكرية ضد المسلمين في مالي بحجة أنهم إرهابيون، وبحسب التقارير فإنَّ الذى يدفع أبوظبي لدعم الحرب على المسلمين في إفريقيا، هو أيضًا أن الإسلاميين قضوا على تجارة المخدرات المنتشرة في هذه المناطق التي تعد معبرًا من إفريقيا الى موانئ شمال القارة لتهريبها إلى العالم الخارجي، وكشفت التقارير عن مفاجأة مدوية بأن عددًا من الشخصيات النافذة في أبو ظبي يعدون من أباطرة تجارة المخدرات وتهريبها على مستوى العالم حسبما قيل.

أطماع مكشوفة

ورغم ما يحدث، فإن الإمارات زعمت خلال حفل الشراكة الإثيوبي، السبت الماضي، أنها تريد تعزيز العلاقات مع البلدان الإفريقية ليس فقط في القطاعين السياسي والاقتصادي، بل أيضا في مجالات التعليم والثقافة، وأن لديها تاريخ طويل من العلاقات مع إفريقيا بدأت منذ عهد زايد بن سلطان آل نهيان، ولكن للقصة روايات أخرى تكشف الأطماع.

الإمارات أدركت قبل فترة طويلة مدى أهمية الموانئ البحرية في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، ما جعل لها امتدادًا جيوستراتيجيًا توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي ومصر على استحياء، بعيدا عن حليفتها السعودية لتخلق لنفسها دورًا خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بمناكفاتها ومحاولات السيطرة والتدخل في شئون الجيران، ووفقًا لتقرير مجلة نيوزويك الشرق الأوسط الأمريكية باللغة العربية، فإنّ التوسع الإماراتي في إفريقيا يعكس الحاجة الماسة لدى عواصم الدول العربية في الخليج لحماية أمنها الذاتي ومصالحها، خاصةً في ظل تدهور الوضع الأمني في المنطقة التي انقسمت بشكلٍ مأساويٍّ حتى قبل اندلاع ثورات الربيع العربي العام 2011، وهو ما دفع الإمارات إلى تأمين قاعدة عسكرية خارج حدودها على بعد 278 كم جنوب مضيق باب المندب، في إقليم أرض الصومال أو صوماليلاند، الذي يتمتع بالحكم الذاتي شمال الصومال، وذلك بعد أقل من عامين من مفاوضات حثيثة أدت لإنشاء أول قاعدة عسكرية أجنبية للإمارات في العام 2015 في ميناء عصب بإريتريا، على بعد 106 كيلومترات شمال باب المندب لتكون الإمارات العضو الحادي عشر في مجموعة حصرية من الدول التي تحتفظ بقوات عسكرية  تتمركز بشكلٍ دائمٍ خارج حدودها، مما يمنحها سيطرةً على مضيق باب المندب، أحد أهم الطرق البحرية الاستراتيجية في العالم بالتزامن مع الصراع السعودي- الإيراني الحالي، الذي وصل ذروته من خلال الحرب بالوكالة الدائرة في اليمن، وهو سببٌ آخر يفسر لنا حرص الرياض (عاصمة السعودية، حليفة الإمارات)  الشديد على عدم سيطرة طهران على مضيق باب المندب.

موقع ذي هيرالد الإثيوبي تساءل عن سر الشره الإماراتي لإحكام قبضته على إفريقيا قائلًا: “من الغريب أن تسمح الحكومة في أرض الصومال للإمارات لإقامة قاعدة عسكرية في ميناء بربرة! ورغم أن الصفقة تمت بشكل مثير للجدل بين أرض الصومال في منطقة القرن الإفريقي، إلَّا أن السؤال المثير للجدل: لماذا تسعى الإمارات لتأجير قاعدة في الصومال، رغم أنها تملك بالفعل منشأة عسكرية في ميناء عصب الإريتري لاستخدامها في حملة ضد المتمردين اليمنيين؟! والإجابة الأكثر إقناعًا أن القرن الإفريقي منطقة استراتيجية مهمة للأطماع الإماراتية .

أسباب متنوعة

ماثيو هيدجز، المحلل الاستراتيجي في معهد «تحليلات دول الخليج» المختص باستشارات المخاطر الجيوسياسية، ومقره في واشنطن يري أن استراتيجية الإمارات في شرق إفريقيا تعتمد على  أربعة ركائز، هي: تنويع الاستثمار، وتأمين الموارد الإستراتيجية، وبناء تحالفات أمنية، وتعزيز القوة الناعمة، فيما أكد أن أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال في العام 2000 وما بعده، قد أثرت بشكلٍ خطيرٍ على اقتصاد دولة الإمارات وتجارتها.

ووفقًا لمصدر حكومي في الإمارات، فإنه يُنظر إلى تواجد ابوظبي في إفريقيا على أنها مسألة تتعلق بالأمن القومي. وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «إن قطاعًا هائلًا من الموارد الطبيعية التي تحتاجها دولة الإمارات تأتي من إفريقيا، ونحن بحاجةٍ إلى ضمان وصولها إلى موانئنا.» وأضاف المصدر: «تتمثل الموارد الرئيسية التي ترد إلينا من إفريقيا في الألومنيوم والصلب، وهي تمثل أكثر من 60% من وارداتنا من إفريقيا حتى العام 2021.»

وبحسب الدكتور كارلوس لوبيز، عضو اللجنة الاقتصادية لإفريقيا، فإن الإمارات العربية المتحدة أصبحت أكثر اعتمادًا على السوق الإفريقية؛ وقد ارتفع حجم التبادل التجاري ثلاثة أضعاف من 5.5 مليار دولار إلى 17.5 مليار دولار ما بين عامي 2005 و2014.

وفي لقاء مع” DW عربية” الالمانية المعروفة أكد الدكتور إبراهيم محمد الخبير الاقتصادي أن هذا التوجه الإماراتي يهدف من خلال النفوذ الاقتصادي التأثير على دول الجوار وعبر العالم أيضاً من خلال المال وكذلك بالدخول في شركات إعلام واقتصاد عالمية وأن تتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكف عن ملاحقة المعارضين والسماح بنوع من التعددية السياسية والسماح بتأسيس احزاب ونقابات وما شابه ذلك، ومن خلال هذه المشروعات الاقتصادية تستطيع الإمارات أن تحمي نفسها وأن تتمتع بالحصانة .

وفي دراسة مهمة لمعهد واشنطن في أواخر عام 2016، أكدت أن الإمارات تنافس السعودية في منطقة القرن الإفريقي، ولا تريدها ساحة خالية لها في ظل حاجاتها الاستراتيجية، وتتبنى نهجاً يقوم على قاعدةٍ أوسع في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا عن طريق التدفق المالي المستمر خاصة أن منطقة شرق إفريقيا محطّ اهتمام «الإمارات»، لا سيما في مجالات الغاز الطبيعي والموانئ والأمن الغذائي، وهو مايقف وراء الانخراط في علاقات تعاونٍ أمني مع مجموعة من دول القرن الإفريقي والحدّ من عدم الاستقرار ونمو الحركات الإسلامية المسلحة في المنطقة.

وأشارت الدراسة إلى الإمارات تبذل جهوداً حثيثةً لكي تصبح لاعباً مهماً على طول الساحل الشرقي لإفريقيا، من خلال انتهاجها سياسة تقوم على مزيجٍ من القوة العسكرية الحاسمة ومقاربات القوة الناعمة ،وهو ما يكشف بحسب مراقبون زيف التصريحات الإماراتية التي ترفع رايات المعرفة والثقافة والاقتصاد علي دبابات الطمع والسيطرة المطلقة علي إفريقيا ولو بالاستعباد وصناديق الرشاوي.