الثلاثاء الماضي صادف مرور 1000 يوم على اعتقال البريطاني جيمي لاي – المدافع عن الديمقراطية، وناشر صحيفة أبل ديلي المغلقة الآن في هونغ كونغ – بتهمة انتهاك قانون الأمن القومي الصارم الذي تفرضه الحكومة الصينية كجزء من حملة قمع أوسع نطاقًا ضد المعارضة في الصين… وفي الأسابيع والأشهر والسنوات الفاصلة، قامت عائلة لاي ومحاموه بحملة من أجل إطلاق سراح الرجل البالغ من العمر 75 عامًا، وبالرغم من تضامن عدد من الجهات الرسمية مثل الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة مع لاي، تظل الحكومة البريطانية صامتة بشأن إطلاق سراحه.
قضية لاي ليست الوحيدة من نوعها، إذ يقبع عشرات المواطنين البريطانيين في سجون أجنبية حول العالم على خلفية “تهم ملفقة” حسب تقارير جماعات حقوقية بارزة، ربما يسمع الجميع عن لاي وعدد آخر قليل من هؤلاء المعتقلين، لكن الكثير منهم غير معروف ولا يوجد من يتابع قضيتهم، خاصة وأن مكتب الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، الذي تقع تحت ولايته القضائية قضايا البريطانيين المحتجزين تعسفيًا، لم يفصح عن العدد الحقيقي لهؤلاء المعتقلين.
من بين هؤلاء البريطانيون المحتجزون في الخارج، الناشط المصري البريطاني المدافع عن الديموقراطية علاء عبد الفتاح (الذي قضى معظم العقد الماضي خلف القضبان في مصر بتهمة “نشر أخبار كاذبة تقوض الأمن القومي” لمشاركته منشورًا عن التعذيب داخل مقار الاحتجاز).
معظم هؤلاء المحتجزين تعرضوا للانتهاكات، صدرت ضدهم أحكام بالسجن دون محاكمة عادلة، وبعضهم مثل جاغتار سينغ جوهال (وهو بريطاني تم القبض عليه وتعرض للتعذيب على يد السلطات الهندية بتهم تتعلق بالإرهاب، وبعضها يحمل عقوبة الإعدام)، لم تصدر الحكومة البريطانية أي بيان للمطالبة بإطلاق سراحهم علانية.
يقول سيباستيان لاي -نجل جيمي لاي- عن الحكومة البريطانية: “لم يتحدثوا عن قضية والدي إلا قبل عام تقريبا… حتى الآن، لا يستخدمون اللغة المناسبة للمطالبة بالإفراج عنه، وهو ما أعتقد، كمواطن بريطاني، أنه أمر مخزي”.
من جانبها تقول الحكومة البريطانية إنها أثارت قضية لاي مع بكين وضغطت من أجل تمكينه من التواصل مع القنصلية، وهو ما نفته بكين قائلة إنه مواطن صيني ولا يعترفون بجنسيته البريطانية.
يُذكر أن لاي الأب وُلد في البر الرئيسي للصين، ثم هرب إلى ما كان يُعرف آنذاك بالمستعمرة البريطانية في هونغ كونغ عندما كان عمره 12 عامًا وأصبح في النهاية مواطنًا بريطانيًا كامل الأهلية.
لطالما تجاهلت الحكومة البريطانية المطالبات بضرورة تغيير الطريقة الحالية في التعامل مع حالات احتجاز مواطنيها بشكل تعسفي في الخارج – وهو النهج الذي سخر منه المشرعون البريطانيون باعتباره غير متسق وأخرق، خاصة وأنه حسب تصريحات عائلات المعتقلين لمجلة تايم فإن تقاعس الحكومة قد وضع ضغوطًا لا مبرر لها عليهم، ويصف الكثيرون خوض معركة على جبهتين: واحدة ضد الحكومة الأجنبية التي تحتجز أفراد عائلاتهم، والأخرى ضد حكوماتهم.
بالنسبة لكريس باجيت، فإن المعركة من أجل إعادة صهره رايان كورنيليوس، المسجون في الإمارات العربية المتحدة لأكثر من عقد من الزمن، بدأت في عام 2008، وفي ذلك العام، يقول باجيت إن كورنيليوس تم القبض عليه خارج مطار دبي وتم نقله إلى مقر الشرطة، حيث زُعم أنه تم استجوابه بشكل عدواني وإجباره على التوقيع على وثائق باللغة العربية (وهي لغة لا يتحدثها أو يقرأها) قبل أن يتم سجنه دون السماح له بالاتصال بمحام.
وبعد ذلك بعامين، اتُهم كورنيليوس بالاحتيال بشأن الديون غير المسددة لبنك دبي الإسلامي، وهي القروض التي استخدمها هو ورجل أعمال بريطاني آخر لتمويل برامج استثمارية في الخليج، والجدير بالذكر أنه قبل شهرين فقط من الموعد المقرر لإتمام كورنيليوس عقوبته البالغة 10 سنوات، تم تمديد فترة سجنه لمدة 20 عامًا أخرى، وقد حرم من حق الاستئناف.
ما تعرض له كورنيليوس (الذي أصيب بمرض السل خلال فترة سجنه) كان مقنعاً بما يكفي لفريق العمل التابع للأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، وهو لجنة مكونة من خمسة خبراء في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي، ليعلن أن محاكمته كانت ” غير عادلة” واعتقاله كان “تعسفيًا”، لكن رغم ذلك لم تطالب الحكومة البريطانية بعد بالإفراج عن كورنيليوس أو تدعم طلب الأسرة للحصول على عفو.
وقال باجيت لمجلة تايم: “كان علينا أن نفي بمعايير معينة، وهي أن يخرج محامٍ إماراتي علناً ويقول إن هناك خطأً في تطبيق العدالة”، قائلاً إن هذه كانت مهمة مستحيلة فعلياً في بلد ديكتاتورية مثل الإمارات العربية المتحدة، كما أن النظام القضائي في الإمارات يفتقر إلى الاستقلال، وفقًا لمنظمة فريدم هاوس لمراقبة الديمقراطية، التي تشير إلى أن أحكام المحاكم تخضع للمراجعة من قبل القيادة السياسية في البلاد، لذلك فكرة الحصول على محام إماراتي يشكك في “قانونية” الحكم أمر مستحيل الحدوث.
ظنت عائلة كورنيليوس أنها حققت انفراجة في فبراير/شباط، عندما قدمت وزارة الخارجية أخيرًا عرضًا لإرسال طلب من الأسرة للعفو عن كورنيليوس إلى نظرائهم في الإمارات العربية المتحدة، لكن العائلة قالت إنه لم يحدث شيء في النهاية.
يقول باجيت: “الشيء الوحيد الذي أوضحوه تمامًا هو أنهم لن يخاطروا أو يفعلوا أي شيء يعتقدون أنه قد يفسد العلاقة مع الإمارات”.
وباعتباره دبلوماسيًا سابقًا، فإنه يفهم صعوبة التوازن السياسي الذي تحاول لندن الحفاظ عليه، ولكن كأحد أفراد الأسرة، يشعر باليأس إزاء ما يعتبره عدم رغبة الحكومة البريطانية في استخدام نفوذها للدفاع عن أحد أفرادها.
يُذكر أن وزارة الخارجية البريطانية اعتذرت مؤخرًا لمعتقل آخر، وهو ماثيو هيدجز، بعد أن تبين أنها فشلت في حمايته عندما تم سجنه وتعذيبه من قبل الإمارات العربية المتحدة في عام 2018.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية في بيانها دون أن يذكر اسم كورنيليوس: “نحن ندعم رجلاً بريطانيًا محتجزًا في الإمارات العربية المتحدة… نثير قضيته باستمرار مع السلطات الإماراتية”.
أعربت عائلات أخرى عن إحباطات مماثلة – ليس فقط فيما يتعلق باستعداد الحكومة لدعم مواطنيها، ولكن أيضا مدى جديتها واهتمامها بالأمر.
يقول جوربريت سينغ جوهال لمجلة تايم إن الأمر استغرق سبعة أشهر حتى قامت الحكومة البريطانية بإثارة المزاعم بأن شقيقه تعرض للتعذيب أثناء احتجازه في الهند لدى السلطات الهندية. وعلى الرغم من حكم الأمم المتحدة بأن جاغتار قد تم احتجازه تعسفيًا، إلا أن الحكومة استبعدت علنًا الدعوة إلى إطلاق سراحه على أساس أن ذلك “ليس في مصلحته”.
وقال متحدث باسم حكومة المملكة المتحدة، الذي لم يعترض على ما قاله سينغ جوهال، لمجلة TIME في رسالة بالبريد الإلكتروني: “إن حكومة المملكة المتحدة ملتزمة بحل قضية جاغتار سينغ جوهال في أقرب وقت ممكن… نحن نواصل تقديم المساعدة القنصلية للسيد جوهال وعائلته، وقد أثرنا قضيته باستمرار بشكل مباشر مع حكومة الهند.”
يقول المشرعون وعائلات المعتقلين إنه على الرغم من أن الحكومة البريطانية قد تكون مترددة في القيام بأي شيء من شأنه أن يخاطر بإفساد علاقاتها مع البلدان التي يتم فيها احتجاز مواطنيها بصورة تعسفية – مثل الهند، التي تتفاوض معها المملكة المتحدة حاليًا على صفقة تجارية، أو الإمارات العربية المتحدة، فهي أكبر شريك تجاري للمملكة المتحدة في الشرق الأوسط، ولديها وسائل دبلوماسية كبيرة تحت تصرفها، بما في ذلك العقوبات.
العائلات التي تحدثت مع مجلة “تايم” لا تطالب بأي شيء متطرف مثل قطع العلاقات الدبلوماسية، يقول عمر روبرت هاميلتون، من أقارب علاء عبد الفتاح، إن عائلته تريد ببساطة من الحكومة البريطانية أن تغير نصائح السفر إلى مصر، والتي يعتقدون أنها “ستُستقبل بجدية” في القاهرة.
أما سينغ جوهال، فإنه يريد فقط من الحكومة البريطانية أن تدافع علنًا عن السماح لشقيقه جاغتار بالعودة إلى وطنه.
وأضاف سينغ جوهال: “لا ينبغي أن تضطر العائلات إلى الدعوة إلى إطلاق سراح أحبائها…السبب الوحيد الذي يجعل الناس يعرفون عن قضية أخي، أو قضية نازانين زغاري راتكليف، أو قضية علاء عبد الفتاح هو أن الأسر كانت تقوم بحملات توعية بوضعهم المؤسف”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا