العدسة _ باسم الشجاعي

“الشيطان يكمن في التفاصيل”، تعبير إصطلاحي يشير إلى وجود شيء “غامض” ما يتم عمله، يجب أن ينجز بشكل كامل، وأن التفاصيل مهمة لدرجة كبيرة، هذا هو ملخص ما يحدث في مدينة عدن اليمينة، والتي تشهد صراعا متكوما بين دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، التي تقود التحالف العربي في صنعاء.

ففي قرار مفاجئ، تمّ وقف إطلاق النار في عدن، أمس “الأربعاء” 31 يناير، بعد معارك دامت لأكثر من ثلاثة أيام، بزغم الاستجابة للتحالف العربي التي تقوده السعودية، منذ مارس 2015.

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” إن وفدا من قيادة التحالف وصل اليمن، أمس “الأربعاء”، وأكد خلال اجتماع مع جميع الأطراف المعنية في عدن على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار وعودة الحياة والهدوء للمدينة والتركيز على دعم جبهات القتال “لتخليص اليمن من الميليشيات الحوثية الإيرانية”.

ما السر؟

وعن سر الوقوف المفاجئ لإطلاق النار في جنوب اليمن بمدينة عدن، قال المغرد الشهير “مجتهد“، على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، إن “قادة ألوية الساحل الغربي، منحوا التحالف العربي بقيادة السعودية، 12 ساعة من أجل إيقاف القتال في عدن، سيتم إرسال الألوية للمدينة”.

ونشر “مجتهد”، وثيقة عليها توقيعات منسوبة لقادة ألوية الساحل الغربي، تنذر التحالف بقيادة السعودية 12 ساعة من أجل إيقاف القتال في عدن، مهددة بأنه إذا لم ينته القتال خلال المدة المحددة، فسيتم إرسال الألوية إلى عدن.

وتحمل الوثيقة تاريخ 29 يناير الماضي، أي قبل يوم واحد من توقف الاشتباكات في عدن، وتحمل توقيعات قادة: اللواء الأول عمالقة، واللواء الثاني عمالقة، واللواء الثالث عمالقة، واللواء الرابع عمالقة، واللواء الخامس عمالقة، ولواء باب المندب.

وفي تغريدات سابقة تعود ليوم 28 يناير الماضي، كشف “مجتهد” سر الانقلاب السعودي على الرئيس اليميني “هادي” وحكومته؛ حيث لم يجد الانقلاب، الذي نفذته قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعومة إماراتيا، مقاومة من المملكة، مبررا ذلك بأن الأمر جاء بمباركة “ابن سلمان”.

وقال إن “ابن سلمان” كان على علم ومعرفة بأن ولي عهد أبوظبي، “محمد بن زايد”، يريد فصل جنوب اليمن بخطة واضحة شرع في تنفيذها عبر تأسيس تشكيلات مسلحة مختلفة في الجنوب وتدريبهم وتسليحهم لتنفيذ هذه الخطة.

وأضاف “مجتهد” أن “ابن سلمان” كان يريد إبقاء اليمن موحدا في بداية الحرب حين كان يظن أن الحرب لن تستغرق سوى أسبوعين وينهار الحوثي، لكنه حيث فشل فشلا ذريعا غيّر موقفه، ولم يعد له تحفظ على فصل الجنوب، بل تمكن بن زايد من إقناعه بالتفرغ للشمال وترك الجنوب له.

انقلاب بدعم إماراتي

الحكومة اليمنية، اعتبرت ما قام به المتمردون بمدينة عدن محاولة انقلابية، بدعم إماراتي، وخروج عن هدف إنشاء التحالف العربي

وبيّنت الحكومة – في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (سبأ)، اليوم “الخميس” 1 فبراير- أن هذه التحركات تأتي في سياق المحاولات المستمرة والحثيثة لإعاقة عمل الحكومة الشرعية، وتعطيل مهامها، والقيام بإنشاء وتوجيه ميليشيات عسكرية خارج إطار القيادة العسكرية للقوات المسلحة اليمنية في انتهاك سافر لقرار مجلس الأمن رقم 2216، وتهديد لأمن المنطقة.

وتتخذ الحكومة الشرعية مدينة عدن الجنوبية عاصمة مؤقتة لها منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، ويقيم رئيس الحكومة في عدن، في حين يقيم الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” في العاصمة السعودية الرياض.

لماذا مدينة “عدن”؟

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق تهدئة بين الأطراف المتنازعة، إلا أن الانفصاليين الذين تدعمهم الإمارات في الخفاء في وضع قوي جدا داخل مدينة عدن.

دعم السعودية والإمارات للخصمين في اليمن يؤكد وجود خلاف حول إستراتيجية الصراع على أرض الواقع، فالرياض التي تدعم “الحكومة الشرعية” ترى أن استقرار اليمن وعدم انفصاله وإنهاء الخطر الحوثي يمثل أهم الأولويات بالنسبة لها.

لكن سلسلة تغريدات، الدكتور أحمد عبيد بن دغر، رئيس الوزراء اليمني، على موقع التدوينات المصغرة، “تويتر”، تؤكد وجود دور “خبيث” لـ”أبناء زايد”، في النزاع الحالي.

ومن الواضح، بحسب خبراء في الشأن اليمني، أن الإمارات تسعى لإعادة هيكلة للشرعية والأطراف المتحالفة مع الرئيس “هادي”.

وتقوم الإمارات بدعم قوات الحزام الأمني، التي تطالب بالانفصال، لتقوم بهذا الضغط على الأرض؛ حيث إن أبوظبي لا تطمئن إلى أي قوات أخرى وخصوصًا الجيش الوطني اليمني، وترى أنه مخترق من قِبل حزب “الإصلاح”، التابع لجماعة لإخوان المسلمين، التي تكن لها عداء كبير.

ومن المؤكد أن انفصال اليمن سيدفع بالحوثيين إلى الشمال ليتصاعد التهديد بشكل أكبر على الحدود السعودية، ويضعف دور حزب الإصلاح في التصدي لهم ليتركز وجوده في الجنوب، فيما سيتعاظم دور الإمارات في الجنوب لتسيطر كليًا على “عدن” المدينة الاستراتيجية ذات الميناء شديد الأهمية في الملاحة والتجارة الدولية، إضافة إلى تأمينها لمضيق باب المندب والذي تمر عبره 12% تقريبا من التجارة العالمية خاصة مع تعمق أبوظبي في التواجد بعدة دول إفريقية قريبة من المضيق الإستراتيجي.

ويبدو أن الإمارات تسعى من خلال الانقلاب على الشرعية في اليمن، واللعب مع كل الأطراف، بأن تقدم نفسها كقوة إقليمية، تتحكم بخيوط اللعبة في المنطقة، وخاصة أنها لا تستطيع أن تنافس إيران في سوريا، وبالتالي فهي تبحث عن فضاء آخر لتبرز فيه قوتها وأنيابها.

مأساة إنسانية جديدة

ولكن دائما يبقى الخاسر في حالة نشوب أي حرب جديدة هم اليمنيون أنفسهم؛ حيث إن المواجهات التي اندلعت منذ “الأحد” 28 يناير الماضي، أسفرت عن مقتل 87 شخصًا بينما أصيب 312 آخرون، فضلاً عن تضرر أكثر من 300 منزل ومعظم المرافق الحكومية هناك، مما سيؤثر سلبًا على استمرار العمليات الإنسانية في المحافظات الجنوبية.

وعلى مدى السنوات الثلاثة الماضية، وخاصة منذ مارس 2015، مع بدء التحالف العربي بقيادة السعودية ضرباته في اليمن، وتشهد الخدمات الأساسية انهيارا، فضلا عن وجود 22.2 مليون شخص بحاجة للمساعدة الإنسانية، بزيادة 3.4 مليون عن العام الماضي (2017).