العدسة – معتز اشرف

بينما يتحدث غربيون كثيرون عن علمنة السعودية والفكر العلماني الجديد الذي يدشنه ولي العهد محمد بن سلمان، يرصد المراقبون استخدام ديكتاتور السعودية الشاب للدين كورقة في يديه للسيطرة على الداخل بوجهة تظهر أنها شرعية بدعم من الأئمة والتيار الذي يصفه العلمانيون بالوهابية المتشددة، في ذات الوقت الذي يستخدمه في الخارج للتستر على أطماعه وتقنين إجراءاته ومهاجمة خصومه، وهو ما جعل الدين ورقة للعب في يد الشاب الطائش كما يصفوه خصومه يحركها كيفما يشاء.

دمى سلمان

داخليا، تحول علماء السعودية، إلى ما يشبه الدمي، بحسب وصف البعض في يد ولي العهد محمد بن سلمان، وباتت الفتاوى المنسوبة إلى الدين تحت أمر الأمير الشاب وتوجهاته بصورة فجة، وسقطت هيئة كبار العلماء بالمملكة في الفخ بعد عقود من الاستقلال بحسب البعض، وجاء تبريرها لعدة قرارات فجًّا وعلي غير السياق المعتاد منها، ومنها قرار حكومة محمد بن سلمان بزيادة الأسعار حيث بُرّر من علماء الأمير بأن “الله هو من يرفع الأسعار”، وبحسب مقطع فيديو مصور فقد زعم الداعية خالد الفليج بأن “الله هو الذي يرفع الأسعار وهو الذي ينزلها سبحانه وتعالى”، مضيفا: “نقول ذلك لأن الله من أسمائه المسعر، وهو الذي يسعر، وإن الله هو الذي يرفع هذه القيم وهو الذي يخفضها”، كما برر عضو هيئة كبار العلماء السعوديين، المستشارُ في الديوان الملكي، الشيخ عبد الله المطلق،الضرائب التي أقرتها الحكومة باعتبارها “جائزة”، داعياً الدعاة وأئمة وخطباء المساجد لتبيان ذلك للناس، زاعما أن “مثل هذه الأمور قد يتحدث فيها بعض الحاقدين لزرع البغضاء بين الدولة والمواطنين، أو بعض الجاهلين الذين لا يفرقون بين الضرائب هذه والمكوس التي ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

كما أيدت هيئة كبار العلماء في بيان لها، في نوفمبر الماضي، الاعتقالات التي طالت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين، وقالت إن محاربة الفساد لا تقل عن محاربة الإرهاب، وإن الحفاظ على الوطن يتطلب ذلك، ووصفته بـ”الإصلاح التاريخي” رغم المعلومات المتواترة عن أن الأمر برمته تصفية حسابات سياسية لا غير، وسرعان كذلك ما أيدت فرض الحصار علي قطر، رغم فتاويها الكثيرة بوحدة الأمة ونبذ الخلافات، حيث زعم مفتي عام المملكة، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بعد إعلان بلاده مقاطعة قطر وفرض حصار عليها، أن القرارات التي اتخذتها السعودية وعدد من الدول ضد قطر “أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم”، مضيفاً أن هذه القرارات “مبنية على الحكمة والبصيرة، وفيها فائدة للجميع” بالتزامن مع نشر بيان مما يطلق عليهم أحفاد مؤسس المذهب الوهابي يطعنون في أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وعائلته.

وفي المقابل، كان لسياسة بن سلمان الخاصة بالعصا والجزرة مع العلماء، وجه شرس ضد العلماء المستقلين الذين أظهروا ميلا للاستقلال ورفضا لاستخدام بن سلمان الدين في غير أغراضه خاصة في حصار قطر، وهو ما رفضه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي شن هجوما قويا ضده، مطالبا بإطلاق سراح جميع العلماء والدعاة الموقوفين في السعودية، الذين سجنوا ولا زالوا مسجونين دون أن يثبت عليهم أي جريمة اقترفوها، وإنما لمجرد رأي من واجب رسالتهم ومقتضى الإسلام “، فيما يبلغ عدد الدعاة المعتقلين ما يقرب من سبعين شخصا، على خلفية الحصار الذي فرضته السعودية وحليفاتها (الإمارات ومصر والبحرين) على دولة قطر في يونيو 2017 ومن أبرزهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري ومحمد موسى الشريف والإمام إدريس أبكر الذي يعد من أشهر قراء السعودية.

أهداف خارجية

ولم يتوقف بن سلمان على إحكام القبضة علي الداخل باستخدام ورقة الدين، ولكن خرج بهم لأجندته الخارجية، حيث أعلن مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء فتوى متسقة مع الموقف الرسمي السعودي بعدم جواز القتال ضد إسرائيل، وإمكانية التعاون مع جيشهم للقضاء على حزب الله، وذلك في إجابته عن سؤال لأحد المتصلين أثناء برنامج على إحدى القنوات المحلية السعودية بالإضافة إلى رفضه المظاهرات المتضامنة مع الفلسطينيين في سابقة غربية، معتبرا إياها مجرد غوغائيات، زاعما أن بذل المال والمساعدات هي التي تنفع، في إشارة منه إلى المساعدات التي أمر الملك السعودي بتقديمها لأهل غزة.

وفي السياق ذاته وفي تعاطف سعودي نادر مع الهولوكوست له علاقة بالتطبيع السعودي الذي يشرف عليه “بن سلمان ” مع الكيان الصهيوني، استخدم الأمير الشاب مستشار الديوان الملكي السابق وزير العدل السعودي السابق الشيخ محمد العيسى – أمين عام رابطة العالم الإسلامي للترويج لافكاره التطبيعية بورقة الدين كذلك، رغم أن رابطة العالم الإسلامي تأسست في الستينيات بتمويل الحكومة السعودية منذ ذلك الحين بهدف معلن هو توضيح الرسالة الحقيقية للإسلام، لكن فؤجئ المراقبون باستخدام “العيسى” للإسلام في الترويج للتطبيع، حيث أكد قبل أيام في رسالة إلى مدير متحف «الهولوكوست» التذكاري في واشنطن، أن” الهولوكوست تعد من بين أسوأ الفظائع الإنسانية التي ارتكبت على الإطلاق، ولا أحد ذا عقل سليم ينكر الحادث، والإسلام الحق ضد هذه الجرائم، ويعتبرها في أعلى درجات العقوبات التعسفية، وبين أسوأ الفظائع الإنسانية على الإطلاق ” رغم أن الدبلوماسيين السعوديين أدلوا في الماضي بتعليقات مماثلة تدين إنكار المحرقة في مواجهة الحكومة الإيرانية التي تنكر المحرقة بشكل روتيني.

من جانبها وثقت منظمات حقوقية استخدام بن سلمان لعلماء الدين كذلك في مواجهة إيران في الصراع الحاد بينهما، حيث أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السعودية سمحت لرجال الدين والعلماء الذين تُعيّنهم الحكومة بنعت المواطنين الشيعة بنعوت مهينة أو بشيطنتهم في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية، وللتحريض على الكراهية ضدهم مما يؤثر على صنع القرار في الحكومة خاصة في السنوات الأخيرة، فضلا عن استخدام بعض العلماء لغة تآمرية عند مناقشة موضوع شيعة السعودية، فينعتونهم بالطابور الخامس الداخلي التابع لإيران، وبأنهم خونة بطبيعتهم، وهو ما اعتبره مراقبون آخرون كالكاتب بروس ريدل في مقال علي موقع ” المونيتور” كاشفا للوضع الديني في السعودية؛ حيث أكد أن القادة السعوديين باتوا أكثر مذهبية، وهذا عنصر جيّد في حسابات السياسة الداخلية للعائلة المالكة، حيث ينتهج العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد بن سلمان، السياسة الأكثر حدّة في طابعها المذهبي ومناهضتها لإيران في التاريخ السعودي الحديث بينما المؤسسة الدينية الوهّابية شريكة متحمّسة في هذا المجال، مشيرا إلى أن الحرب في اليمن تلقي استحساناً في أوساط الأئمة السعوديين الذين لطالما سعوا إلى تعزيز المجموعات السنّية السلفية في اليمن، كما يواظب كبار الأئمة في مكة على الإشادة بالملك لمحاربته الزيديين بينما الأمير محمد هو واجهة الحرب بصفته وزير الدفاع، مؤكدا أن التدخل السعودي في لبنان له بعد آخر يحبه الأئمة في مواجهة إيران وحزب الله.

حسابات خاصة

إنها إذًا حسابات خاصة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان يستخدم فيها الدين الإسلامي كيفما شاء في أي اتجاه شاء دون اعتبارات أساسية خاصة بأهداف الدين بحسب مراقبين، ومنهم الكاتب السعودي جمال خاشقجي الذي غادر البلاد بسبب آرائه الذي أكد أن “محمد بن سلمان ” يحمي رجال الدين المتطرفين لأسباب سياسية، رغم توعده بتدمير المتطرفين بينما هو فعلياً يعاقب المعتدلين في المملكة، مضيفا في مقال نشر بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية مؤخرا : ” إنه من الصائب أن يُلاحِق الأمير محمد بن سلمان المُتطرِّفين، لكنه يُلاحق أناساً آخرين الآن. فقد أُلقِيَ القبضُ على العشرات من المُثقَّفين، ورجال الدين، والصحفيين، والمُؤثِّرين في الشبكات الاجتماعية من السعوديين، خلال الشهرين الماضيين، وأغلبهم في أسوأ الأحوال مُنتقدون مُعتدِلون للحكومة، بينما تحتفظ هيئة كبار العلماء في المملكة بأفكارٍ مُتطرِّفة. فقد قال الشيخ صالح الفوزان، الذي يُكِن له الأمير محمد بن سلمان احتراماً كبيراً، على شاشة التلفزيون السعودي إن الشيعة ليسوا مسلمين. وأفتى الشيخ صالح اللحيدان، الذي يحظى هو الآخر بتقديرٍ بالغٍ لدى ولي العهد، بأن الحاكم المسلم ليس مُلزَماً باستشارة الآخرين، وتحظى وجهات نظرهم الرجعية حول الديمقراطية، والتعدُّدية، بحمايةِ مرسومٍ ملكي من أي نقدٍ أو مجادلاتٍ قد تُطلَق ضدها”.