العدسة – جلال إدريس
“عفوا.. زيارتك غير مرحب بها في الوقت الحالي” بكلمات مماثلة تلقت الدبلوماسية السعودية ضربة قاصمة ومحرجة، تمثلت في إلغاء العاصمة البريطانية “لندن” للزيارة التي كانت من المزمع أن يقوم بها “محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لبريطانيا” خلال الشهر الجاري.
إلغاء الزيارة أعده “مراقبون” انتصارا حقيقا لمعارضي الأمير السعودي، خصوصا وأنه الإلغاء يأتي في وقت يعيش “بن سلمان” أقوى عصوره بعد حملات الاعتقالات والتنكيل التي قام بها ضد المئات من رجال الأعمال والأمراء والدعاة والعلماء السعوديين على حد سواء.
وكان “بن سلمان” الطامح في ملك أبيه، يسعى من خلال تلك الزيارة تقديم نفسه كبديل دولي عن الملك “سلمان” الطاعن في السن، حيث كان يستعد بن سلمان للقيام بجولة دولية يبدأها من بريطانيا غير أن أحلامه ذهبت في مهب الريح.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن تأجيل الزيارة إلى أجل غير مسمسى، أو إلغاءها من قبل الجانب البريطاني، جاء بعد حملة شعبية ومظاهرات طالبت رئيسة الوزراء البريطانية برفض استقبال ابن سلمان، بسبب دوره في عاصفة الحزم وما دعاه المتظاهرون “ارتكاب جرائم حرب” في اليمن، فيما نظمت مجموعة من المنظمات الحقوقية البريطانية وقفة لذات الغرض، وطالبت بإلغاء زيارة ابن سلمان للبلاد.
“العدسة” ومن خلال التقرير تلقي الضوء، على أبرز الأسباب التي دفعت “بريطانيا” للرفض استقبال “بن سلمان على أراضيها” ولو بشكل مؤقت، أو الأسباب التي دفعت “بن سلمان” نفسه لتقديم طلب بتأجيل الزيارة.

الاحتجاجات الشعبية الغاضبة

جانب من الاحتجاجات

جانب من الاحتجاجات

ربما تكون الاحتجاجات الغاضبة، التي باتت تشهدها بريطانيا ضد زيارة محمد بن سلمان ولي العهد السعودي للملكة، منذ اللحظة الأولى عن إعلان تلك الزيارة، هي أبرز الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية تأجيل تلك الزيارة لأجل غير مسمى.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين جابت شوارع لندن شاحنات تحمل إعلانات ضخمه رافضة لزيارة ولي العهد السعودي إلى بريطانيا، وكتب على الإعلانات «مجرم الحرب غير مرحب به في بريطانيا».
واستمرت تلك الحملة، في شوارع لندن لمدة أسبوعين في إطار احتجاجات نشطاء ومعارضين على زيارة “بن سلمان” للملكة المتحدة، وهو المتهم بارتكاب جرائم حرب بحق “اليمنيين” في عاصمة الحزم التي يقودها، وفي ضربات التحالف العربي المزعوم.
أيضا فإن احتجاجات واسعة شهدتها شوارع لندن، بسبب صمت المجتمع الدولي على انتهاكات “بن سلمان” بحق المعارضين السعوديين، وبحق العلماء والدعاة الذين يعتقلون ثم يخفيهم قسريا ولا أحد يعلم عنهم شيء.
حصار الشعب القطري، والتحريض عليه كان حاضرا في الاجتجاجات الشعبية ضد زيارة “بن سلمان” لبريطانيا، حيث أن كثيرا من المتظاهرين والمحتجين وجهوا اللوم للحكومة البريطانية، على استعدادها لاستقبال “حكام بدرجة قاتل”.
وإلى جانب تلك الحملات الشعبية، نظمت عدة مؤسسات بريطانية مظاهرة أمام مقر رئاسة الوزراء، سلمت خلالها رسالة لرئيسة الوزراء تدعوها فيها إلى إلغاء زيارة ولي العهد السعودي.

التوقيعات الرافضة للزيارة

رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي

رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي

أيضا من ضمن الفعاليات التي عززت فكرة تأجيل الزيارة لدى الحكومة البريطانية، هي التوقيعات التي تخطت أكثر من 2000 توقيع بريطاني، تم توثيقها على عريضة قدمت إلى مجلس العموم، لمناقشة إلغاء زيارة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» إلى بريطانيا، والتي تم إلغاءها بالفعل، هي أحدت الأسباب التي دفعت الحكومة البريطانية إلى تأجيل الزيارة لأجل غير مسمى.
وكان الموقعون على العريضة قد ذكروا أن «سجل النظام السعودي يعد واحدا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان على مستوى العالم»، مشيرين إلى أن «عمليات التعذيب والاعتقال التعسفي لا تزال تجري على نطاق واسع داخل المملكة العربية السعودية».
وذكرت العريضة أنه «خلال العام الماضي 2017 وحده تم إعدام أكثر من 100 شخص في السعودية»، مطالبة بإلغاء زيارة «بن سلمان»، وسحب رئيسة وزراء بريطانيا «تيريزا ماي» لدعوتها لاستقبال ولي العهد السعودي في بريطانيا.
ولفتت العريضة إلى «السجل الخطير للسعودية في مجال حقوق الإنسان، حيث إن «قمع حرية الرأي والتعبير مستمرّ، واعتقال الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان يتم بلا هوادة وخارج إطار القانون، إضافة إلى استمرار عقوبة الإعدام»، مشيرة إلى تنفيذ الرياض حكم الإعدام بحق 100 شخص خلال 2017.
وأضافت العريضة أن «للسعودية دورا في دعم حكومة البحرين التي تقمع وتعتقل وتقتل الناشطين والمعارضين، إضافة إلى قيام السعودية مع الإمارات والبحرين ومصر بفرض حصار على الشعب القطري، أدّى إلى انتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين في قطر ودول الخليج».

التحركات الحقوقية

المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا

المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا

أيضا فإن هناك 4 منظمات حقوقية بريطانية كانت قد وجهت رسالة مفتوحة إلى رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي»، تدعوها إلى إلغاء زيارة ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» للمملكة المتحدة، بسبب قمع المواطنين السعوديين والتدخل في شؤون الدول العربية.
وقالت المنظمات الحقوقية الأربع التي دشنت أيضا عريضة احتجاج، وبدأت بجمع التوقيعات ضد الزيارة، في الرسالة المفتوحة، إن «ولي العهد السعودي، الرجل الثاني في المملكة العربية السعودية، مسؤول عن الجرائم التي ترتكب في بلاده بحق الناشطين، من سجن واعتقال وتعذيب واختفاء قسري وإعدام».
وذكرت الرسالة أنه مسؤول أيضا عن «جرائم حرب خطيرة في اليمن راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء»،
والرسالة التي اعتبرت أن تدفق الأسلحة البريطانية إلى السعودية قد ساهم في استمرار الحرب على اليمن، وقعتها كل من: حملة «أوقفوا الحرب»، حملة «منع انتشار الأسلحة النووية»، حملة «وقف تصدير الأسلحة»، و«المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا».
ولفتت الرسالة المفتوحة إلى أن النظام السعودي «يتدخل في دول أخرى، مثل البحرين، من خلال مساعدة النظام هناك على قمع الناشطين، وفرض حصارا على دولة قطر واحتجز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في مسعى لفرض شروط على دول ذات سيادة».
واعتبرت المنظمات الحقوقية الموقعة على الرسالة أن «زيارة بن سلمان لبريطانيا تلحق بالبلاد العار، نظرا للجرائم الخطيرة التي ارتكبها في اليمن، وأن مصالح الشعب البريطاني وقيمه تتعارض مع هذه الزيارة».
ومن تلك المنظمات “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ومؤسسة الحملة ضد تجارة الأسلحة، وتحالف أوقفوا الحرب، والمعهد البحريني لحقوق الإنسان والديمقراطية في بريطانيا”

غضب الأحزاب السياسية

زعيم حزب العمل البريطاني

زعيم حزب العمل البريطاني

إلغاء زيارة “بن سلمان” لبريطانيا، جاء أيضا نتيجة وجود حالة عامة بين الأحزاب والقوى السياسية في بريطانيا ترفض تلك الزيارة، بسبب الجرائم التي ترتكبها السعودية بحق اليمن.
ويقود حزب “العمال” البريطاني حملة لمطالبة بريطانيا بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
وسبق أن طالب زعيم الحزب، جيريمي كوربن، الحكومة البريطانية بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
كما سبق وأن منع الحزب، سفير السعودية من حضور مؤتمره العام في برايتون، العام الماضي، وذلك بسبب تأكد الحزب، من أن السعودية ارتكبت جرائم حرب في حملتها الجوية في اليمن وغيرها من الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان.
وسبق أن طالب زعيم الحزب، جيريمي كوربن، الحكومة البريطانية بالتوقف عن بيع الأسلحة للسعودية بحجة استخدامها في الحرب الأهلية اليمنية.
وقال كوربن في تصريح لـ”بي بي سي”، “نبيع السلاح للسعودية، وفي ذات الوقت نقوم بإرسال المساعدات، يجب ألا نقوم بالأمرين معاً”، مشدداً على ضمان وجود “عملية سياسية للوصول إلى وقف لإطلاق النار في اليمن”.

فضيحة الرشاوى

فضيحة الرشاوى

فضيحة الرشاوى

وعلى ضوء هذه المواقف، أبرقت الجامعة العربية رسالة إلى نواب الحزب تقول فيها “إن مجلس السفراء العرب قرر إلغاء حفل الاستقبال والعشاء السنوي”، مضيفةً “قرر مجلسنا الامتناع عن حضور مؤتمر حزب العمال هذا العام لرفض طلب كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية السودان لحضور المؤتمر”.
ربما زاد من الرفض السيساسي لاستقبال “بن سلمان” في بريطانيا، هو ما كشف موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، نهاية الماضي، من أن نواب بريطانيين قد تلقوا رشى من السعودية، بلغت قيمتها 133 ألف دولار أمريكي، وذلك في إطار حشد الدعم لسياستها وحربها في اليمن.
“الرشاوى” وبحسب الموقع، تضمنت الإقامة في فنادق فاخرة ورحلات طيران على درجة رجال الأعمال، ومبالغ أخرى رصدت تحت بند الضيافة، كما شملت قائمة المصاريف أيضا ولائم فاخرة مع ولي العهد السعودي، وكبار المسؤولين.
هاجس الخوف من الاتهام بتلقي تلك الرشاوى دفع بعض النواب والسياسين إلى الضغط لإلغاء تلك الزيارة، وذلك لتجنب وقوع فضيحة سياسية كبرى كالفضيحة التي يحقق فيها للمدعي العام البريطاني، والتي تكشف تفاصيلها عن تحويل مبالغ بملايين الجنيهات الأسترلينية إلى حساب في سويسرا في إطار عقد بين السعودية ووزارة الدفاع البريطانية التي ألزمت العقد لإحدى الشركات التابعة لمجموعة اي ايه دي اس التى تنتج طائرات الايرباص لتحديث نظام الاتصالات للحرس الوطني السعودي واتصالات القصور الملكية في السعودية.

وفشل حلم بن سلمان

بن سلمان غاضب

بن سلمان غاضب

وبإلغاء الزيارة فإن مراقبون يؤكدون أن أحلام “بن سلمان” من تلك الزيارة فشلت حتى الآن، حيث كان يسعى الأمير الطامح من تلك الزيارة، إلى تهدئة الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي الغاضب ضد ممارسات التحالف العربي الذي تقوده المملكة هناك، منذ مارس 2015.
وتزايدت في الآونة الأخيرة حدة الانتقادات الأممية والدولية للسعودية، بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، وما أثير من تقارير تتهم التحالف باستهداف المدنيين.
انعكاسات تلك الأزمة كانت حاضرة في تقرير “الجارديان” سالفة الذكر، حيث قالت: “إن الحرب في اليمن، والتي باتت أسوأ أزمة إنسانية في العالم هي من بنات أفكار ولي العهد السعودي”، مضيفة أنه من المخجل أن يتم تقديم أسلحة بريطانية ودعم عسكري بريطاني لإطالة أمد الحرب وزيادة معاناة المدنيين في اليمن.