العدسة – معتز أشرف

“الأردن حرة حرة، والملقي يطلع برا”، كان هذا الهتاف الأبرز في جمعة “الخبز كرامة “، في مواجهة رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي، الذي ترجمه بعد مشاورات ملكية بالسفر إلى العلاج بالخارج، لكن الفعاليات تواصلت إجراءاتها ولم تنقطع بعد في مواجهة ما تركه “الملقي” من تركة مثقلة خلفه، تلاحقها هتافات الغاضبين تطالب بإسقاط حكومته ومجلس النواب معا: “هذا الأردن أردنا والفاسد يرحل عنا”، “ليش نسكت، نسكت ليش ومطالبنا لقمة عيش”، “لا تقلي أمن وأمان والشعب كله جوعان”، “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، و”تسقط حكومة الجباية، فهل من الممكن أن يفوز الرغيف على إجراءات الحكومة الأردنية ؟ أم أنها مجرد مظاهرات ستذهب مع الريح؟!.

 الغلاء مجددا

إنه الغلاء مجددا، الذي خرج له الآلاف من الأردنيين، الخميس والجمعة، في مظاهرات أمام مبنى رئاسة الوزراء والبرلمان في عمان والميادين، منددين بارتفاع الأسعار، وداعين لإسقاط الحكومة ومجلس النواب، بعد بدء العمل في الأردن بقرار رفع أسعار الخبز بزيادات متفاوتة وصلت إلى 100 %، وزيادات طالت مواد أساسية أخرى، فيما كانت الهتافات تهدر أمام مبنى رئاسة الوزراء الأردنية في عمان: “الشعب يريد إسقاط الحكومة وإسقاط الموازنة”، كانت الاستعدادات تتواصل لجمعة غاضبة عمت فيها المسيرات والوقفات الاحتجاجية كافة المدن والمحافظات، تنديدا بقرارات رفع الأسعار وزيادة الضرائب، وسط مطالبات للحكومة بالرحيل فوراً.

ومن أمام المساجد بعد صلاة الجمعة انطلقت “غضبة الرغيف” تتحدث عن إعادة النظر في قرارات رفع الأسعار التي طالت مواد غذائية أساسية، حيث رفع المحتجون في معان والمزار الجنوبي لافتات كتب عليها عبارات تطالب بالعودة عن قرارات رفع الأسعار وإسقاط الحكومة، وفي مادبا، انطلقت مسيرة شعبية من أمام مسجد الملك حسين وسط مادبا حتى دوار البلدية، دعت لها قوى حزبية وشعبية، رفضا للإجراءات الاقتصادية للحكومة، وفي الطفيلة طالب المشاركون بإقالة الحكومة والتراجع عن قرار رفع الدعم عن مادة الخبز، وهو ما حدث في الزرقاء والسلط اللتين رفع المشاركون فيهما شعارات ضد سياسات الحكومة في التعامل مع رفع الأسعار، نتيجة فرض ضرائب على معظم الموادـ كما شهدت الكرك فعاليات شعبية وحزبية ونقابية احتجاجا على قرارات الحكومة رفع الدعم عن الخبر وفرض ضرائب من شأنها المساس بمستوى معيشة المواطنين، فيما تصاعدت “السبت” حدة الهتافات في الاعتصام المستمر لليوم الثالث على التوالي من قبل القطاع الزراعي والفعاليات الشعبية أمام مجلس النواب، فيما طالب المشاركون بالتراجع عن قرار رفع الأسعار على المنتجات وإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب، ورفض المشاركون في الاعتصام الحوار مع أحد النواب، وقاموا بطرده عندما حاول المشاركة معهم، كما يواصل المزارعون اعتصامهم المفتوح، أمام مجلس النواب “السبت” لليوم الرابع على التوالي، حيث أمضوا ليلتهم الثالثة أمام المجلس، بعد أن أصر عدد منهم على المبيت في موقع الاعتصام رغم برودة الأجواء، مؤكدين أنهم مستمرون في الاعتصام ما لم يتم إلغاء ضريبة المبيعات، وأن الاعتصام مازال قائما حتى يلتزم المجلس بأمر الملك عبدالله الثاني بإلغاء الضريبة ودعم القطاع الزراعي، بالتزامن مع تنفيذ مستثمرين وتجار في قطاع السيارات وقفة احتجاجية أمام أبواب المناطق الحرة “السبت”، محتجين فيها على حزمة القرارات الحكومية التي رفعت رسوم جمركة وتخليص السيارات 200%.

فئات متعددة وحراك مدروس فيما يبدو، انطلق من المساجد والأماكن المؤثرة، للمطالبة بإقالة الحكومة والبرلمان، ولكن كان الرد في الاتجاه الآخر بشكل قد يبدو في تخفيض للتوتر، حيث أعلنت السلطات الأردنية، بدء رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي إجازة خاصة لمدة عشرة أيام يجري خلالها فحوصات طبية، على أن يتولى وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء الدكتور ممدوح العبادي أعمال رئيس الوزراء وزير الدفاع بالوكالة، وهو ما جعل الأردنيين يتنفسون أجواء انتصار جزئي بسيط عبر الضغط والإبعاد، لكن الملقي خرج اليوم بتصريح مستفز من طائرته قائلا للأردنيين من الطائرة: راجعلكم، وذلك خلال مداخلة مع الإعلامي هاني البدري قبل توجهه إلى أمريكا لإجراء فحوصات طبية حيث قال “الملقي”: ” الأمور طيبة، والصحة تمام، ما في مشاكل فحص بسيط وراجع لخدمتكم، وخدمة سيدنا وخدمة الوطن”!، وهو ما اعتبرته صحيفة “الغد”  سببا في تأجيل على حجب الثقة عن الحكومة حتى عودة الملقي من العلاج.

إسقاط الملك

ففي عام الربيع العربي انطلقت موجة من المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية في مختلف أنحاء الأردن مطلع عام 2011   متأثرة بموجة الاحتجاجات العربية العارمة التي اندلعت في الوطن العربي، وكان من الأسباب الرئيسة لهذه الاحتجاجات تردي الأحوال الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وانتشار البطالة، وبعد الضغط الشديد الذي سببته المُظاهرات أصدر الملك الأردني الملك عبدالله الثاني  قرارًا في النهاية، يوم 1 فبراير من العام ذاته، بإقالة حكومة سمير الرفاعي، التي تحكم البلاد، منذ ديسمبر 2009. وكلف الرئيس معروف البخيت بالإسراع لتشكيل حكومة جديدة تحقق مطالب الشعب وتقوم بإصلاحات سياسية واقتصادية سريعة لإصلاح الأوضاع في البلاد.

وفي أواخر عام 2012، ألغى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني زيارة للندن كان سيقوم بها في سياق مظاهرات واسعة شهدها الأردن احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، وتخللت المظاهرات مطالب وشعارات غير مسبوقة بـ”إسقاط النظام ورحيل الملك”، في وسط العاصمة عمان، مرددين شعارات غير مسبوقة تطالب الملك عبدالله الثاني بالرحيل، فيما منعهم رجال الأمن من التوجه إلى الديوان الملكي للاحتجاج على رفع أسعار المحروقات.

وتظاهر أكثر من 10 آلاف شخص أمام المسجد الحسيني الكبير وسط عمان، بينهم إسلاميون ويساريون ومجموعات شبابية، هاتفين “الشعب يريد إصلاح النظام” و”الحرية من الله يسقط يسقط عبدالله”، كما هتفوا “الشعب يريد إسقاط النظام” إضافة إلى “لا إصلاح ولا تصليح ارحل بالعربي الفصيح”، رغم أن الهتاف ضد الملك أو المطالبة برحيله مجاهرة أمرا نادرًا لأنه غير قانوني، ويمكن أن يؤدي إلى حبس مرتكبه.

ورفع متظاهرون لافتات كتب عليها “اللعب بالأسعار يعني اللعب بالنار”، و”لا إصلاح إلا بتغيير النهج السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد”، و”ثورة الحرية، تعيش انتفاضة الشعب الأردني”، فيما منعت قوات الأمن المتظاهرين من التوجه إلى الديوان الملكي الذي يبعد قرابة 8 كيلومترات من موقع التظاهرة، لكن لم تقع أي صدامات رغم استهداف المتظاهرين للاعتصام بدوار الداخلية وسط العاصمة، فيما قال وقتها زكي بني أرشيد، القيادي المعارض الأردني:”الرأي الذي يطالب بإسقاط النظام بدأ بالتوسع، بسبب سياسات خاطئة، وقرارات رفع الأسعار، وعدم الاستجابة إلى مطالب الإصلاح، وهناك تيار مؤسسي وحزبي يطالب بإصلاح النظام، وهناك تيار شعبي غير منظم يطالب بإسقاط النظام، والاستعجال بالمعالجة هو الذي يمكن أن يخرج الأردن من أزمته الحالية التي صنعها النظام نفسه”.

وأدت أعمال شغب رافقت الاحتجاجات على مدى ثلاثة أيام متتالية وقتها، إلى مقتل شخص وإصابة 71 آخرين بينهم رجال أمن، فيما تم اعتقال 158 شخصا، وتسجيل 100 حادث شغب وسرقة وتكسير لممتلكات عامة وخاصة، فيما طالبت جماعة الإخوان المسلمين، الخميس، الملك بإلغاء قرار رفع الأسعار وتأجيل الانتخابات النيابية.

موقف “سيدنا” مع “عزيزنا”!

“سيدنا” بتعبير رئيس وزراء الأردن هاني الملقي، في إشارة إلى الملك عبدالله الثاني، كان موقفه المعلن واضحا في خطاب ما يسمى بخطاب العرش في أواخر 2017، حيث قال خلال خطاب العرش:” لن يقوم أحد بإيجاد الحلول لمشاكلنا، إلا نحن أنفسنا، فلا بد أن نعتمد على إرادتنا وإمكانياتنا وطاقاتنا في مواجهة التحديات أمامنا بعزيمة وتصميم”، مؤكدًا ضرورة أن يعمل الجميع على ترجمة الإشارة الملكية على أرض الواقع من خلال التكاتف والعمل بشكل أكثر، وإيجاد أسواق جديدة للتصدير وزيادة الاستثمارات في القطاع، وهو ما اعتبره أنصاره يعكس مدى اهتمام الملك بالواقع الذي تعيشه الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، وحرصه على حمايتهما فيما ما يراه المعارضون غير كافٍ، ويتطلب إجراءات أكثر سرعة وإنجازا.

لكن خطاب الملك عبدالله الثاني لتكليف “الملقي” في عام 2016، قد يمهد الإجابة على أسئلة إقالة الحكومة التي تدور حولها شائعات كثيرة في الأردن، حيث قال بعد أن قبل استقالته، ثم قرر تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، بعد أن خاطبه بعبارة “عزيزنا دولة الأخ الدكتور هاني الملقي”، مؤكدا عميق تقديره كملك لما بذله “الملقي” وزملاؤه الوزراء من جهد طيب ودءوب في فترة الانتخابات البرلمانية التي شهدت عيوبًا كثيرة، إلا أنه أكد له في ذات الوقت أن النهوض بالاقتصاد هو في قمة أولويات الأردن، وعليه، فمن الضروري الاستمرار في برامج التصحيح والتحديث الاقتصادي بحسب نص الخطاب، وتحقيق أهدافها المنشودة، ومن الضروري أن ترتكز هذه الجهود إلى رؤية الأردن 2025 وتستمر بالبناء عليها.!.

وبحسب مراقبين، فإن الشائعات التي راجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقول إن رئيس الحكومة هاني الملقي قدم استقالته، أو هو في طريقه إلى ذلك، هي مجرد شائعات و” تمنيات ” يطلقها خصوم الرجل الذي يحظى بثقة النواب وبثقة أصحاب القرار، بالإضافة إلى أنه لم يأخذ حقه في الحكم أو يصل إلى درجة الحكم له أو عليه، وفق مدافعين عن رئيس الحكومة استُطلِعت آراؤهم، حيث يقول هؤلاء: إن أي رئيس حكومة كان سيتخذ نفس قرارات “الملقي” التي لا مناص منها، خاصة وأن هناك برنامجا تصحيحيا مع صندوق النقد الدولي، بحيث أصبح هذا البرنامج مقيدا لرئيس أي حكومة، بالإضافة إلى أن مستوى العجز في الموازنة يحتم رفع الأسعار التي اكتوى بها الفقراء في الأردن، وإن كان هناك بعض الآراء التي تتحدث عن بدائل، ولكن يبدو أن الحكومة في عجلة من أمرها، وأرادت أن تغطي مبلغ الـ 450 مليونا بأقصر الطرق، وهو قيمة العجز للعام 2017، فيما يقول آخرون: “ذهاب “الملقي” ليس الحل، بل إن الحل يكمن في إصلاح ما أفسده النظام”، وبين هذا وذاك يواصل الشعب هتافه الأبرز: “الأردن حرة حرة، و”الملقي” يطلع برا”.