العدسة – جلال إدريس

حالة من الارتباك والغموض أثارها بيان جديد نسبته إحدى الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، حيث قال البيان إنه يستنكر بأشد العبارات التدخل السافر للحكومة الإيطالية في الشؤون الليبيية الداخلية وانتهاك سيادة البلاد.

وادعى البيان أن طائرات إيطالية  قامت باعتراض الطيران العسكري المصري ومنعه من تنفيذ ضربات محددة للمجموعات الإرهابية وفق اتفاقية الدفاع المشترك المصدق عليها من قبل مجلس النواب لمكافحة الإرهاب.

لكن وبعد ساعات من تداول البيان بشكل واسع، أصدرت إحدى الصفحات التي تدعي أنها “رسمية” وتابعة للمكتب الإعلامي للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية بيانا آخر تنفي فيه صحة “البيان الأول” وتؤكد أنه بيان مزوّر، نشرته صفحات إخوانية مزورة بحسب وصفها.

وبعيدا عن صحة البيان من عدمه، فإن مسألة التدخلات العسكرية الخارجية في الشأن الليبي، أصبحت من أبرز المشاكل والقضايا التي تثير استياء الليبيين في الآونة الأخيرة ويعتبرونها انتهاكا واضحا لسيادة الأراضي الليبية.

في التقرير التالي نحاول استعراض خارطة مفصلة لأبرز القوات العسكرية الأجنبية المتهة بالتدخل في الشأن الليبي منذ سقوط نظام القذافي في 2011  وحتى اليوم.

التدخل الإيطالي

عقب التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا بعد الثورة ألقت إيطاليا بثقلها وراء “المجلس الوطني الانتقالي الليبي”، وعملت على تحقيق اعتراف دولي به باعتباره الطرف المحاور الوحيد للمجتمع الدولي في ليبيا آنذاك.

وما إن سقط نظام “القذافي” في ليبيا، بدأت المواقف الإيطالية تتأرجح بين دعم التيارات والحكومات المختلفة التي بدأت في الظهور في ليبيا، خصوصا بعد النزاع الذي اشتعل في ليبيا وإعلان انتخاب مجلس النواب الليبي خلفاً للمؤتمر الوطني العام، وتباين المواقف الدولية بشأن الاعتراف بالمجلس.

لم تقف إيطاليا عند التدخلات السياسية، لكنها لجأت إلى نشر قوات عسكرية في مناطق متفرقة بليبيا، خصوصا إقرار نص تشريعي عام 2015 يتيح إرسال قوات إيطالية خاصة الى مناطق نزاع بهدف القيام بمهام سرية لمكافحة الإرهاب تحت مظلة المخابرات الإيطالية وليس الجيش وهو ما يعنى أن الأمر لن يتطلب موافقة البرلمان.

وفي ظل تنافس قوى إقليمية ودولية على النفوذ المباشر في الداخل الليبي، والتي كان آخرها المبادرة الفرنسية التى اعتبرتها محاولة لإنهاء دورها في ليبيا، يبدو أن إيطاليا قد بدأت في التحرك على الأرض لتدعيم وجودها في هذا البلد. ويأتي ذلك بعد مصادقة مجلس الشيوخ الايطالي على إرسال بعثة للبحرية الإيطالية لمساعدة خفر السواحل الليبي في التصدي لمهربي البشر والهجرة غير النظامية.

ومطلع العام الجاري سادت حالة من الغضب وردود الفعل لدى الرأي العام في ليبيا، عقب نشر تقارير تتعلق بتوصية من قبل لجنتي الدفاع والخارجية بمجلسي النواب والشيوخ الإيطالي، بتعزيز قدرات البعثة العسكرية الإيطالية ورفع عدد أفرادها إلى 400 عنصر في ليبيا.

ورغم النفي من قبل سفارة إيطاليا في طرابلس، ووصفها لهذه التقارير بأنها “غير دقيقة”، إلا أن أطرافا عدة في ليبيا سارعت بالإدانة واستغلال الحدث لتسجيل مكسب سياسي، ومنها البرلمان الليبي والحكومة الليبية المؤقتة غير المعترف بها دوليا.

التدخل الإماراتي

التدخل الإماراتي في ليبيا أيضا هو واحد من أكثر المشاهد عبثية في ليبيا،؛ حيث تلقي أبو ظبي بثقلها في الشأن الليبي، وتحاول دعم فصيل سياسي وعسكري واحد على حساب باقي الفصائل، بهدف خلق أذرع نفوذ لها في ليبيا ومواجهة، من تراهم ليبيا أنهم يمثلون تيارات الإسلام السياسي المعارض لها.

ويرى محللون أن دولة الإمارات تلعب دورًا له تبعات كارثية  داخل الساحة الليبية، فمنذ إطاحة ثورة 17 فبراير بنظام العقيد الراحل معمر القذافي وهي تسعى جاهدة لإجهاض الثورة وإقصاء الإسلاميين، من خلال دعمها لقوى الثورة المضادة بالسلاح.

وتسبب التدخل الإماراتي -وفق مراقبين ومحللين- بفوضى عارمة داخل البلاد وانقسام سياسي داخل مؤسسات الدولة وتمزيق النسيج الاجتماعي وتدهور الاقتصاد.

وكشف التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا مؤخرا عن خرق دولة الإمارات وبصورة متكررة نظام العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها، مشيرة في تقريرها إلى أن الإمارات قدمت الدعم العسكري لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على أنها شحنات مواد غير قاتلة.

وقد أدى الدعم الإماراتي وفق تقرير اللجنة إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية. واعتبرت اللجنة أن المساعدات الإماراتية قد أدت إلى تزايد أعداد الضحايا في النزاع الدائر في ليبيا.

وشن الطيران الإماراتي على مدار السنوات الماضية غارات على عدة مواقع عسكرية في طرابلس،  أسفرت عن عشرات الأشخاص وإصابة المئات.

ولا يقتصر التدخل الإماراتي بليبيا على السلاح والعتاد العسكري، بل سخرت ملايين الدولارات من أجل الهيمنة على الرأي العام الداخلي وتحشيده لصالح الثورة المضادة.

التدخل المصري

التدخل المصري في ليبيا حاضر منذ اليوم الأول الذي وصل فيه عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم في مصر، حيث يسعى الرجل  إلى التحرُّك على المستوى الدولي للحصول على تأييد لتشكيل تحالف دولي لمواجهة ما يصفه بالإرهاب في ليبيا، فضلاً عن رفع حظر التسليح.

وخلال السنوات الماضية وجه السيسي ضربات عسكرية عدة في ليبيا، كانت أبرزها تلك الضربات التي وجهها في أعقاب الهجوم على حافلة كانت تقلّ مسيحيين في المنيا، مُتخذاً هذه الحادثة كذريعة لخدمة “حفتر” وضرب خصومه.

ويسعى نظام السيسي إلى الحصول على تأييد دولي للتدخل العسكري في ليبيا خلال الفترة المقبلة؛ إذ إن استمرار الضربات العسكرية على أهداف هناك تحتاج إلى تأييد لهذه الخطوة.

وإلى جانب الحرب على الإرهاب في ليبيا يسعى السيسي إلى تقويض انتشار وسيطرة منتمين لجماعة الإخوان في الغرب الليبي، حيث تسيطر حركات قريبة من الجماعة المناهضة للسيسي في مصر على أطراف واسعة في ليبيا، وهو ما يقلق الجنرال المصري ويسعى لتقويض تلك الحركات بكل قوة.

ويصعب استمرار توجيه ضربات عسكرية من السيسي على ليبيا بشكل علني إلا بموافقة من مجلس الأمن، خاصة وأنه فرَض حظراً للتسليح عن ليبيا.

وتقدَّمتْ مصر بطلب في 2015 لإصدار قرار أممي يمنح تفويضاً بتشكيل تحالف دولي للتدخل في ليبيا، ولكن لم يتمكّن السيسي حينها من استصدار مثل هذا القرار.

التدخل الأمريكي

أمريكا بطبيعة الحال، لن تترك الساحة الليبية خالية من أياديها التي ربما تكون المحرك الأساسي لكل الأحداث الجارية في ليبيا.

وبحسب مراقبين فإن اقتحام “خليفة حفتر” المشهد المضطرب في ليبيا حاملا شعار “محاربة الإرهاب”  كشف درجة التأثير الأمريكي رغم استمرار العملية السياسية في البلاد بدعم بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

فحفتر الذي يبلغ من العمر 71 عاما عرفت به صحيفة الجارديان على أنه: ” عميل سابق للسي أي إيه ولديه الجنسية الأمريكية، يتلقى الدعم من دول غربية والسعودية ومصر والإمارات رغم وجود أدلة على ارتكابه جرائم حرب في ليبيا”.

في المقابل عمد الإعلام السعودي والإماراتي والمصري على تصويره بطلا قوميا في وقت يصور فيه الثوار الذين قاتلوا قتالا شرسا ونجحوا في إسقاط نظام القذافي، يصورهم كإسلاميين متشددين وإرهابيين.

ولم يقتصر التدخل الأمريكي في دعم اللواء حفتر سياسيا وعسكريا ولكن أيضا بمساعدة قواته في السيطرة على منطقة الهلال النفطي في 12 سبتمبر 2016، التي تشمل ميناءي السدرة ورأس لانوف، ثم ميناء الزويتينة، لتحكم بذلك سيطرتها على كامل الهلال النفطي.

وأربكت هذه التحركات الأمريكية تحركات الأوروبيين خاصة بعد محاولات المصالحة بين حفتر وعقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق في شرق البلاد وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق في غرب البلاد.

كما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من مرة بقيامها بتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة في الأراضي الليبية ضد تنظيمات مسلحة وجماعات تصفها بالإرهابية.

التدخل الروسي

وفي وقت يشهد فيه العالم توسع النفوذ الروسي وتأثيره في مختلف الساحات كان لابد لحكومة بوتين من أن تبحث لها عن موطئ قدم في ليبيا، وأسهل طريق وجدتها كانت عن طريق دعم اللواء حفتر، ومجلس النواب المتحالف معه.

وقد استقبلت موسكو اللواء حفتر أكثر من مرة، كما استقبلت رئيس البرلمان المتحالف معه عقيلة صالح المحسوب على نظام القذافي، كما استقبلت قيادات عسكرية تنتمي لمصراتة وتتبع حكومة الوفاق.

وظهر حفتر على متن حاملة طائرات روسية عند مرورها في المياه الإقليمية بمحاذاة ليبيا ما يعده المراقبون رسالة واضحة ترسلها روسيا عنوانها أنها قادرة على التدخل عسكريا في ليبيا.

تدخل “روسيا” لم يعد بعيدا بعد تأكيد عسكريين أمريكيين بينهم قائد القوات الأمريكية في (آفريكوم) الجنرال توماس هاسر لوجود قوات روسية تقاتل إلى جانب معسكر حفتر.

لماذا الطمع في ليبيا؟

الأطماع الدولية والتدخلات الخارجية في ليبيا لم تتوقف سواء قبل رحيل نظام “القذافي” أو بعد رحيلة، وذلك لموقع ليبيا  القريب من أوروبا ومن جهة أخرى لحجم الثروات النفطية والغازية الكبيرة التي تزخر بها هذه البلاد التي يحيط بها النيجر ونيجيريا والسودان.

كما يجب أن لا نتغافل أهمية ليبيا كمحطة ترانزيت من إفريقيا لأوروبا للاجئين الذين يغرق الكثير منهم أثناء رحلة الموت لمستقبل مجهول.

لكن هذا التدخلات أخذت شكلا أكثر تعقيدا بعد ثورة ليبيا، بتباين السياسات بين أمريكا والدول الأوروبية والعربية، وذلك بهدف تأمين مصالح كل طرف، وطمعا في ثروات ليبيا دون مبالاة بمعاناة الليبيين.