العدسة – منصور عطية
تهديدات صريحة من الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحركات قانونية ضد سياسيين دعوا لمقاطعة انتخابات الرئاسة، وسط ترقب حذر من قبل هؤلاء أعادت جميعها أجواء اعتقالات سبتمبر 1981، قبل شهر واحد من اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
فهل يمكن التخمين بأن السيسي سوف ينهي فترته الرئاسية الأولى بحملة اعتقالات واسعة تطال المئات من المعارضين السياسيين، وخاصة الداعين لمقاطعة الانتخابات، وما حقيقة العلاقة بين هؤلاء والتهديدات التي أطلقها قبل أيام؟.
قلب نظام الحكم
قبل ساعات، وتحديدا مساء الاثنين 5 فبراير الجاري، أحال النائب العام المستشار نبيل صادق، بلاغا ضد 13 من قيادات المعارضة إلى النيابة المختصة للتحقيق معهم في الاتهامات الموجهة لهم بالتحريض علي قلب نظام الحكم، والإضرار بالأمن القومي للبلاد والاقتصاد الوطني، على خلفية الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية.
وتضمنت قائمة المحالين للتحقيق كلا من: حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق، خالد داوود رئيس حزب الدستور، يحيي حسين عبدالهادي المتحدث باسم الجبهة المدنية، محمد سامي رئيس حزب الكرامة، داوود عبدالسيد المخرج السينمائي، فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وأحمد فوزي الأمين العام السابق للحزب، مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الديمقراطي، أحمد البرعي وزير التضامن الأسبق، عمرو حلمي وزير الصحة الأسبق، جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، الأكاديمي أحمد دراج، والبرلماني الوفدي السابق عبدالعليم داوود.
وقال مقدم البلاغ رقم 1494 لسنة 2018، المحامي “محمد حامد سالم”، إنه بتاريخ الثلاثاء الماضي 30 يناير 2018 “قام المشكو في حقهم، بالاشتراك مع آخرين، بعقد مؤتمر صحفي بغرض إثارة الرأي العام والتحريض ضد الدولة والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج وبث روح التشكيك والإحباط والفتنة بين الشعب وبعضه وبين الشعب ومؤسسات الدولة، وقاموا بشن حملة تشويه متعمدة للإضرار بالأمن والاقتصاد القومي المصري وزعزعة أمن واستقرار البلاد وذلك لقلب نظام الحكم في البلاد وإسقاط الدولة للأبد”.
وذكر البلاغ أنهم “قاموا من خلال هذا المؤتمر الصحفي، الذي تلقفته وسائل الإعلام المحلية والعالمية وعلى موقع اليوتيوب والتواصل الاجتماعي، بإعلانهم مقاطعة الانتخابات الرئاسية، وقاموا بدعوة المواطنين المصريين بمقاطعة الانتخابات الرئاسية وتحريضهم على عدم المشاركة فيها والمزمع إجراؤها في مارس المقبل وإثارة الرأي العام ضد الدولة”.
رسائل السيسي وتهديداته
اللافت، أن البلاغ يأتي بعد أيام من خطاب السيسي خلال افتتاح حقل ظهر للغاز الطبيعي في بورسعيد، الأربعاء الماضي، والذي تضمن تهديدا صريحا باتخاذ إجراءات ضد من وصفهم بالأشرار.
الكاتب الصحفي “محمد سعد عبدالحفيظ” نقل في مقال نشرته “الشروق” عن “صحفيين قريبين من دوائر صنع القرار”، قولهم: إن “رسائل الخوف التى أشاعتها كلمات السيسي لم يخص بها أهل الشر الذين اعتاد أن يذكرهم في خطبه من إرهابيين وتكفيريين، بل موجهة إلى القوى التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية احتجاجا على عدم توافر ضمانات النزاهة والتنافسية.
التهديد الصريح من قبل السيسي، كان في كلماته التي ألمح فيها لطلب تفويض جديد لمواجهة “الأشرار”، حيث قال: “أي حد يفكر إنه يقرب منها لا لا.. أنا هقول للمصريين انزلوا تاني وادوني تفويض قدام الأشرار.. أي أشرار.. هطلب منكم تفويض تاني، لأنه هيكون فيه إجراءات أخرى ضد أي حد يعتقد انه ممكن يعبث بأمنها واحنا موجودين”.
وبنبرة حادة بدت موجهة للسياسيين، قال السيسي: “لا.. انتو باين عليكو متعرفونيش صحيح.. لا والله! أمنك واستقرارك يا مصر تمنه حياتي أنا.. وحياة الجيش.. محدش يفكر يا جماعة يدخل معانا في الموضوع ده.. لأن أنا مش سياسي.. أنا مش سياسي بتاع الكلام.. لا.. أنا عمري ما كنت اتكلمت بالطريقة دي.. لكن واضح ان الناس مش واخدة بالها”.
وفي إشارة إلى ثورة 25 يناير 2011 واستبعاد السيسي تكرارها ضده، قال: “اللي حصل من سبع تمن سنين مش هيتكرر تاني في مصر.. اللي منجحش ساعتها هتنجحوه دلوقتي؟”.
أجواء 81 تعود!
كلمات السيسي تلك، فاحت منها رائحة أجواء سبتمبر 1981، عندما أراد السادات معاقبة المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، فصورهم في خطابه الشهير بمجلس الشعب على أنهم فئة تسعى إلى إشعال فتنة، وانتهى الأمر باعتقال نحو 1500 معارض منهم سياسيون وأكاديميون وكتاب وصحفيون، وعزل البابا شنودة ونفاه مع عدد من الأساقفة إلى دير وادي النطرون.
“خالد داوود” رئيس حزب الدستور وأحد المشكو في حقهم بالبلاغ، عبر صراحة عن تلك المخاوف من تكرار نموذج اعتقالات 1981، حيث قال في تصريحات صحفية: “نتوقع بالفعل أن يتم التعامل بعنف معنا خلال الفترة المقبلة”.
ولعل توقيت البلاغ وتزامنه مع تهديدات السيسي يجعل منه ربما ترجمة حرفية لها، فيما تعزز الاتهامات الواردة فيه مع ما نقله الصحفيون المقربون من السلطة بقوة احتمالية تحقق هذا السيناريو، وما يمكن أن تشهده الفترة المقبلة قبيل انتخابات الرئاسة من ملاحقات واسعة لسياسيين بارزين.
ولعل هذا السيناريو لا يكتمل بتقمص السيسي لشخصية السادات فقط، لكن تمتد التوقعات لأن يتقمص أيضًا شخصية الرئيس الأسبق حسني مبارك وتعامله مع هذه الأزمة.
فبعد اغتيال السادات وتولي مبارك رسميا مقاليد الأمور باستفتاء شعبي، كان من أبرز قراراته الأولى الإفراج عن جميع من شملتهم حملة اعتقالات سبتمبر 1981، بل واستقبال بعضهم تدشينا لمرحلة جديدة بدا خلالها الرئيس الجديد راغبا في التصالح مع كافة أطياف الشعب.
وعليه فإن اكتمال سيناريو “السادات-مبارك”، ينسحب على خطوة أخرى قد يتخذها السيسي في أعقاب نجاحه بانتخابات 2018 وبداية فترته الرئاسية الثانية، ربما بالعفو أو الإفراج -على أي نحو- عمن سوف تشملهم حملة الاعتقالات المرتقبة.
وتبقى وحدها الأيام كفيلة بالإفصاح عن النوايا الحقيقية للسيسي ونظامه، وأن نرى إمكانية تحقق هذا السيناريو من عدمه.
اضف تعليقا