انطلقت قمة المناخ الثامنة والعشرين نهاية الشهر الماضي في دبي، ومن المقرر أن تستمر حتى الثاني عشر من الشهر الجاري، ظاهريًا يبدو كل شيء على ما يُرام، تجهيزات عالية المستوى، استعدادات ضخمة على قدر المسؤولية ومكانة الضيوف، مكان انعقاد المؤتمر من أكثر الوجهات السياحية شُهرة وتألقًا في العالم… لكن: الهدف الرئيسي للقمة وهو حماية المناخ يغيب عن أجندة الدولة المستضيفة والإمارة الحاضنة للحدث.

من المفارقات العجيبة أن الأموال التي أنفقتها الإمارة لرعاية هذا الحدث المعني بالحفاظ على المناخ وتنظيمه كانت معتمدة بشكل أساسي على تجارات وصفقات كلها تدمر البيئة وتهدف إلى التوسع في مجال الطاقة والوقود الأحفوري.

تدعم الإمارة الصناعات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا باستهلاك الوقود الأحفوري على الرغم من قلة ثرواتها النفطية، حيث يعد مطار دبي وطيران الإمارات أساسًا لجهودها المستمرة منذ عقود لتصبح مركز نقل رئيسي لأي شخص يسافر بين آسيا وأوروبا، فضلا عن دورها كمركز للشحن والخدمات اللوجستية.

كما استحوذت شركة “الكربون الأزرق” في دبي مؤخراً على غابات بحجم المملكة المتحدة في خمس دول في أفريقيا، وكانت مخصصة لتجارة الكربون، لتُضاف هذه الصفقة إلى سلسلة التناقضات التي تتمتع بها الإمارة، بل النظام الحاكم للإمارات كلها.

لا ينكر أحدًا أن دبي تتمتع بمكانة عالمية، واستطاعت في وقت قصير أن تحقق انجازًا كبيرًا في الحداثة والتقدم على كافة الأصعدة والمستويات، تضم برج خليفة أطول ناطحة سحاب في العالم، تستضيف مهرجانات عالمية، جعلت من نفسها مركزًا عالميًا للتجارة الحرة واجتذبت رجال العالم من مختلف الدول، شبكة مواصلات متطورة، طابع مدني حضاري يناسب جميع الفئات.

وقد اعتمدت الإمارة على “براند دبي”، وهي الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، من أجل الترويج لاستضافة قمة المناخ، وتسويق الإمارة باعتبارها أفضل مكان لعقد هذا المؤتمر بشكل خاص، وباعتبارها من أكثر المدن تقدمًا وتطورًا حول العالم بشكل عام.

بالرغم من ذلك، يمكن وراء هذه الواجهة اللامعة حقيقة سوداء فشلت الدولة في إخفائها، فالإمارة التي تتباهى بأنها مركزًا عالميًا للتجارة ولرجال الأعمال، هي في الحقيقة مركزًا لغسيل الأموال، بل أضيفت مؤخرًا إلى “القائمة الرمادية” سيئة السمعة الصادرة عن فرقة العمل الدولية للإجراءات المالية، والتي طالبت الإمارات “بمعالجة أوجه القصور الاستراتيجية” لمنع غسل الأموال والتمويل المحتمل للجماعات الإرهابية.

تعتمد الإمارة، التي اختيرت بعناية لتكون مقر قمة المناخ، على شخصية حاكمها، رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يحب التباهي والتفاخر، ويشارك الجميع يومياته على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وله حضور طاغ في سباقات الخيل العالمية.

الشيخ محمد بن راشد نفسه مثير للجدل، حياته تضم الكثير من الفضائح وقضايا تضر بسمعته، بل وجدت محاكم بريطانية أنه متورط في اختطاف ابنتيه لطيفة وشمسة بعدما حاولتا في مناسبات عدة الهروب من قصره بسبب المعاملة القاسية والمهينة التي كن يتعرضن لها، وبعد الاختطاف سُربت معلومات حول تعرضهن للحبس والتعذيب.

المحاكم البريطانية حكمت أيضًا بحرمانه من حضانة نجليه من الأميرة هيا بنت الحسين بسبب المعاملة القاسية ووجود مخاطر عليهما منه، والتي تمكنت الأميرة من تقديم أدلة عليها، بل حكمت المحكمة بألا يتواجد في نطاق تواجدهم.

محمد بن راشد، الشخصية القمعية الذي يحكم الإمارة، نقل أسلوبه في حياته الخاصة لحياته المهنية، فرض نظام رقابة قاسي على جميع من في الإمارة، منع تنظيم الأحزاب السياسية، مثل كل الإمارات الأخرى، ورفض بشكل قاطع أي محاولة للتعبير عن الرأي أو توجيه أي انتقاد، ويقبع في السجن الآن مئات المعتقلين بين إماراتيين وأجانب ممن تجرؤوا وحاولوا استخدام حقهم في التعبير عن رأيهم بحرية، مثل أحمد منصور.

أحد هؤلاء الضحايا هو البريطاني ماثيو هيدجز، باحث الدكتوراه الذي احتجز في الإمارات لأشهر بتهمة التجسس وتعرض لتعذيب بدني ونفسي، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد تدخلات حكومية.

في تصريح خاص لصحيفة الغارديان حول انعقاد قمة المناخ في دبي، قال هيدجز “تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة استخدام قاعدتها المالية لاستغلال نقاط الضعف لدى الجهات الفاعلة العالمية، وتحاول إملاء ما هو جيد وما يجب القيام به من أجل العمل المناخي بما يتناسب مع مصلحتها الخاصة، بدلاً من أن يكون شيئًا من إجماع مدني أوسع”.

وتابع “هذه القمة هدفها الرئيسي من وجهة نظر حكام الإمارات خدمة أجندة الحكومة وليس المجتمع المدني… إن الإمارات هي التي تملي شروطها على القمة وهي ما تحدد مجريات أجندة المؤتمر”.

الإمارات، التي قادت حملة استمرت عشر سنوات ضد الثورات الشعبية التي قادتها جماعات الإسلام السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقدمت دعم لا متناهي للنظام الاستبدادي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحليف الذي استضاف مؤتمر Cop27، لن تسمح لأحد بالتعبير عن رأيه في قمة المناخ التي تعتمد بشكل أساسي على النقاشات والمفاوضات مع المجتمع المدني ونشطاء المناخ.

واليوم، ومع وجود القمة على أرض الإمارات، وتحديدًا دبي، مركز القوة الناعمة في الدولة، فإن الأمور تزداد تعقيدًا، خطر الإمارات لم يعد يتعلق بالأمور السياسية وحسب، بل يمتد لتدمير الكوكب بأسره، إذ تعمل الدولة على استغلال هذا الحدث لزيادة معدل إنتاجها من الوقود الأحفوري، والعمل على عقد صفقات جديدة، بالإضافة إلى خنق أي صوت يحاول أن يطالب بالإصلاحات في هذا المجال.

في تصريح خاص لصحيفة الغارديان، قال الناشط الإماراتي حمد الشمسي: “عندما يتعلق الأمر بحدث مثل COP28، الذي يعتمد على حرية التعبير بشكل أساسي، والحق في الاحتجاج والتجمع، فإن هذه الأشياء غير موجودة في دبي أو الإمارات العربية المتحدة… وحتى إن قررت الدولة السماح ببعض منها، سوف تمنحها للأشخاص الذين يأتون إلى المؤتمر في وقت معين، وفي مكان معين، ولفئات معينة فقط من الناس…ما الذي سيضيفه ذلك للشعب الإماراتي ومن يعيشون هناك؟ عندما يتعلق الأمر بالمدافعين الإماراتيين عن حقوق الإنسان، فهم جميعاً في السجن”.