العدسة – جلال إدريس

لا تزال قضية “تدويل الحج” واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل، حيث تعمل السعودية على استدعائها بين الحين والآخر، بهدف اتهام قطر بالوقوف وراءها، وذلك لفرض مزيد من الحصار الخانق عليها.

وبرغم نفي الخارجية القطرية في أكثر من تصريح، مطالبتهم بـ”تدويل الحج”، إلا أن السعودية وذيولها الإعلامية، ولجانها الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تصر على اتهام قطر بذلك، وتكيل لها أبشع الاتهامات والسباب تحت حجة الحفاظ على الحرمين من التدويل.

وعلى مدار اليومين الماضيين، عادت قضية “التدويل” في الظهور من جديد، وشن السعوديون والإماراتيون موجة من الهجوم اللاذع على قطر، بحجة أنها من أطلقت تلك الدعوات، واشتعلت حرب ضروس بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في عدة هاشتاجات، أبرزها (تدويل الحج، وإلا الحرمين الشريفين، وتدويل الحج والعمرة).

المشاركون في الهاشتاجات أغلبهم سعوديون، وإماراتيون، ووصل الأمر إلى حد التهديد بغزو قطر عسكريا إن أصرت على موقفها المطالب بتدويل الحج والعمرة.

فهل حقا طالبت الدوحة بـ”تدويل الحج والعمرة”؟ ومن أطلق تلك الدعوات بالأساس؟ وماذا تستفيد السعودية من تلك الحرب التي تشعلها بيدها؟ وماذا يعني بالأساس مصطلح تدويل الحج والعمرة؟

حرب هاشتاجات

ومع اشتعال مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاج “نطالب_بتدويل_الحرمين” والرد عليه بهاشتاج آخر حمل عنوان #إلا_الحرمين_الشريفين، ضجت تلك المواقع بالتعليقات الهجومية على دولة قطر، من قبل مسؤولين في كل من الإمارات والسعودية، الأمر الذي يعكس أن كلتا الدولتين تستغلان قضية التدويل لفرض مزيد من الحصار على الدوحة.

المستشار بالديوان الملكي السعودي، سعود القحطاني، وجه نقدًا لاذعًا لقطر، مُهددًا في تغريدة على حسابه بـ”تويتر”، أمس، باجتياح الدويلة الصغيرة عسكريًّا.

وقال “القحطاني”: إن “خلايا عزمي (في إشارة لوسائل إعلام قطرية) وإعلام الظل للسلطة القطرية الغاشمة تُروج بشدة لما تسميه بتدويل الحرمين!”.

وعلى الخط نفسه سار، الفريق ضاحي خلفان، نائب رئيس شرطة دبي، حيث أكد أن المطالبات بـ”تدويل الحرمين الشريفين” يندرج تحت الأعمال الشيطانية، وضد الأمن الخليجي، على حد تعبيره.

وقال “خلفان”: “تلاعب تنظيم الحمدين في تدويل الحرمين الشريفين يندرج تحت الأعمال الشيطانية ضد أمن خليجنا.. ضم قطر إلى السعودية أولى”.

الأمر نفسه لم يختلف عند باقي المغردين السعوديين والإماراتيين المؤيدين لحصار “قطر”، حيث شنوا هجوما لاذعا عليها، بحجة وقوفها وراء التمويل.

دعوات إيرانية

بحسب مراقبين، فإن “إيران وليست قطر” هي من تسعى إلى تدويل الحج منذ سنوات عدة، حيث تسعى الجمهورية الإيرانية إلى رفع يد المملكة عن الحرمين، ساعية بذلك إلى تجريدها من صفة القدسية والرمزية والتأثير على العالم الإسلامي، مستغلة بذلك تقصيرًا سعوديًّا في إجراء إصلاحات حقوقية حقيقية، وأحيانًا أخطاءً إدارية كارثية.

ففي عهد الخميني، وبعد مساندة السعودية لحرب العراق ضد إيران، انطلقت دعوات عنيفة لإخراج إدارة الحرمين عن المملكة، وفي نظرية “أم القرى” يؤكد محمد جواد لاريجاني، على ضرورة إخراج إدارة الحرمين من يد المملكة، لتصبح تحت إدارة لجنة دولية يكون لإيران النصيب الأكبر فيها، في حين طالب نائب رئيس مجلس خبراء القيادة محمود الشاهوردي، بضرورة دخول الحرمين الشريفين تحت إدارة إسلامية غير السعودية.

كما عات إيران وطرحت القضية نفسها وبقوة، بعد حادث التدافع الذي شهدته المشاعر المقدسة عام 2015، وأدى لوفاة إصابة مئات الحجاج، أغلبهم إيرانيون.

أيضًا، فإن “قضية التدويل ليست حديثة” كما تزعم السعودية، حيث ظهرت تلك الدعوات في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان مسلموا الهند يطالبون بذلك، عندما بدأت الحركة الوهابية في تدمير مقابر الصحابة والأولياء الموجودة هناك، حتى وصلوا إلى وفاق مع الدولة السعودية حينها بقيادة الملك عبدالعزيز”.

قطر: لم نطلب التدويل

وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كان قد نفى العام الماضي صدور أي تصريح من المسؤولين القطريين بشأن تدويل الحج.

الوزير أكد وقتها أنه “لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية”، وأوضح أن قطر لم “تسيّس الحج، بينما تم تسييسه للأسف من قبل السعودية”، على  حد تعبيره، وذلك بعد رد من نظيره السعودي، عادل الجبير، على تصريحات منسوبة لمسؤولين قطريين في هذا السياق، اعتبر فيها أن الدعوة لتدويل الحرمين “إعلان حرب” على المملكة.

وبحسب الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر، فإنه وحتى الآن، لم تصدر أي دولة عربية دعوات بالتدويل، إلا أن إيران هي من صدّرت تلك القضية لخلافات سياسية مع السعودية، وطالب الإيرانيون بتدويل الأماكن المقدسة في الحجاز في المملكة العربية السعودية”.

وأكد أن قطر لم تطلب أو تدعُ إلى تدويل الحرمين، وقال: “أنا أجزم بأن قطر لم ولن تطلب ذلك، وليست قطر في حال يدعوها للمساس بسيادة المملكة العربية السعودية على أراضيها، وعلى وجه الخصوص الأماكن المقدسة”.

السعودية هي من تسيس الحج

لكن المثير في الأمر، أن المتتبع لمشهد “الحج” في كل عام، يدرك أن السعودية نفسها، هي من تسيس الحج وليس دولا أخرى، حيث تتحكم السعودية في أعداد الحجيج وأماكن سكناهم وغير ذلك، كما أنها تمنع في بعض الأحيان ممارسة شعائر الحج والعمرة بناءً على خلافات سياسية وفكرية ومذهبية لا توافق عليها السلطات السعودية.

ففي سنوات سابقة، منعت السلطات الرسمية السعودية العديد من الشخصيات والحجاج من ممارسة الشعائر المقدسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: في تاريخ 29 سبتمبر 2013، منعت السعودية الدكتور طارق السويدان من دخول المملكة لأداء شعيرة العمرة، بالإضافة إلى أداء فريضة الحج، حيث تم المنع بسبب آرائه الداعمة للديمقراطية في مصر، في الوقت نفسه الذي كانت السلطات السعودية تدعم الانقلاب الحاصل هناك، وكذلك، وفي الشهر السابع من عام 2012 تم منع رجل الدين البحريني “علي المتغوي”.

وفي عام 2016، ضيقت السعودية على الحجاج الإيرانيين، بعد حادث التدافع بمنى عام 2015، بحجة الحفاظ على أمن الحجيج، وهو العام الذي لم يحج فيه الإيرانيون بعد تعنت من قبل السعودية وإيران في آن واحد.

في عام 2017، تعنتت السعودية أمام الحجاج القطريين، وكادت على وشك منعهم من دخول أراضيها، لولا التصعيد القطري الذي دفع السعودية للرضوخ في نهاية الأمر والسماح للحجاج القطريين بممارسة شعائر الحج والعمرة.

كما سبق وأن دعت المنظمة العربية لحقوق الإنسان -ومقرها بريطانيا- السلطات السعودية إلى النأي بموسم الحج عن أي تجاذبات سياسية بما يمكن الحجاج القطريين من أداء موسم الحج  بسلام، دون أية عقبات أو مضايقات أسوة بباقي الحجاج من مختلف دول العالم.

كما طالبت المنظمة السويسرية لحماية حقوق الإنسان في بيان لها، السلطات السعودية والجهات الدولية المعنية، أن تقوم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتسهيل عملية الحج بالنسبة للحجاج القطريين، والالتزام بالمواثيق الدولية ذات الصلة، وعدم استخدام المشاعر المقدسة في الخلافات السياسية، وهي نداءات لم تستجب لها سلطات الرياض، في سابقة هي الأولى من نوعها.

فيما رصدت لجنة المطالبة بالتعويضات القطرية العام الماضي 163 انتهاكًا للحق في ممارسة الشعائر الدينية، فضلا عن تجاوزات كثيرة وقعت بحق المعتمرين القطريين من بينهم 3 حالات تم طردهم من الفنادق بمدينة مكة المكرمة، بالإضافة إلى 39 حالة لمعتمرين تم منعهم من السفر إلى مكة لأداء العمرة.

لماذا تثار القضية الآن؟

وبتحليل دلالة توقيت طرح قضية “تدويل الحج” وإعادة الحديث فيها مرة أخرى، يتضح أن السعودية تستهدف منها ثلاث نقاط:

أولا: أن تزيد من شيطنة “قطر” في أعين السعوديين والعرب، الذين يتعاطفون بطبييعة هويتهم الإسلامية مع “الحرمين الشريفين”، ويرفضون إقحامه في المعارك السياسية، وبالتالي، يرفضون مسألة تدوليه أو إدارته من قبل جهات دولية.

ثانيا: رغبة السعودية في شن حملة “هجوم على قطر” خلال تلك الفترة، حتى تشغل أنظار العالم عن الانتقادات الدولية التي تتعرض لها مؤخرا بسبب ملف انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، والذي تتهم فيه  السعودية بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين اليمنيين.

ثالثا: تسعى السعودية من خلال إعادة طرح قضية “التدويل” في فرض مزيد من الحصار على قطر، بسبب النجاحات الأخيرة التي حققتها الدوحة في إثبات براءتها من التهم المتعلقة بدعم الإرهاب، وخروج بيانات أممية تستنكر الحصار السعودي الإماراتي ضد قطر..