تمكنت السلطات التركية على مدار الأسبوع الماضي من إلقاء القبض على مجموعة كبيرة من الجواسيس التابعين للموساد الإسرائيلي، والذين ينشطون على أراضيها من أجل الإيقاع بعناصر من المقاومة الفلسطينية والأجانب المناهضين للأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط.

وحسب التحقيقات الأولية، كشفت مصادر تركية أن رجل الأعمال الفلسطيني محمد دحلان يقف وراء هذه الشبكة، ويمد عناصرها بالمال والدعم اللوجيستي اللازم من أجل إتمام العمل على أكمل وجه لصالح الموساد الإسرائيلي، وبدعم وتمويل إماراتي.

وفق ما جاء في التقارير الواردة حول الواقعة، كان رجل الأعمال محمد يوسف دحلان، المدرج على قائمة الإرهابيين المطلوبين في تركيا منذ عام 2019، على اتصال وثيق مع عناصر هذه الشبكة التابعة للموساد، والذين تم القبض عليهم في تركيا في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وكانت الشرطة التركية في عملية مشتركة مع جهاز المخابرات الوطنية (MIT) قد تمكنوا يوم الثلاثاء من اعتقال 34 شخصًا في ثماني مقاطعات تركية كجزء من التحقيق الأخير في مؤامرة وكالة المخابرات الإسرائيلية لاستهداف الأجانب في البلاد.

وخلص التحقيق إلى وجود شبكة تجسس تقف وراء أنشطة الموساد التي تستهدف الفلسطينيين خاصة والنشطاء عامة المقيمين في تركيا، وحسب التحقيقات تتألف هذه الشبكة من أتراك وعرب، وتديرها وحدة خاصة للموساد مقرها في تل أبيب مخصصة لمراقبة حركة المقاومة الفلسطينية حماس.

وكانت المجموعة، التي اتصلت بعملاء الموساد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم بعمليات استطلاع وجمع بيانات، والتخطيط لتنفيذ عمليات اختطاف لصالح المخابرات الإسرائيلية.

وبحسب صحيفة صباح التركية، فإن دحلان، الملقب بـ”أبو فادي” والمقيم حاليا في المنفى في صربيا، كان من بين المشتبه بهم الذين تواصل معهم المتهمون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وكشف وزير العدل التركي يلماز تونش يوم الخميس أن السلطات عثرت أيضًا على أكثر من 143 ألف يورو (157300 دولار) وأكثر من 23 ألف دولار بحوزة عناصر الشبكة، إلى جانب مسدس واحد وكمية كبيرة من الذخائر.

وقال تونش إن السلطات لا تزال تبحث عن 12 آخرين، مشيرًا إلى أنه تم التحقيق مع أكثر من 100 شخص حتى الآن، إذ يخضع حاليًا 46 شخصًا للإجراءات القانونية، فيما لا يزال 25 مشتبهًا بهم رهن الاحتجاز، ولا يزال جميعهم قيد التحقيق.

 

“القاتل المأجور” في الشرق الأوسط

دحلان نفسه مطلوب من قبل تركيا بسبب صلاته بجماعة غولن الإرهابية (FETÖ) ودوره في محاولة الانقلاب التي قامت بها FETÖ في 15 يوليو/تموز 2016، والتي أدت إلى مقتل 251 شخصًا، ولاتهامه أيضًا بوقوفه وراء شبكة التجسس الإماراتية في تركيا، التي تم الكشف عنها في وقت سابق، ومحاولة زعزعة استقرار البلاد بالتعاون مع إسرائيل.

وكان دحلان، المدير الأمني السابق للسلطة الفلسطينية، والمعروف باسم “القاتل المأجور” في الشرق الأوسط، هو الوسيط الرئيسي بين حكومة الإمارات العربية المتحدة وفرقة اغتيال خاصة تستهدف كبار الشخصيات اليمنية المناهضة للحرب الإماراتية في اليمن.

ورغم أنه كان من أبرز قيادات حركة فتح، إلا أنه فُصل من الحركة في عام 2011 بسبب اتهامه بالتورط في تسميم الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وبعد مرور عام على طرده، كشف تحقيق استمر تسعة أشهر عن العثور على آثار لسم البولونيوم المشع على متعلقات عرفات المتوفى، لكن لم يتم معرفة الحقيقة الكاملة لمقتل ياسر عرفات بعد.

بالإضافة إلى نشاطه في عالم السياسة، يمتلك دحلان منصات إعلامية في الإمارات ومصر والأردن، سخرها للقضاء على ثورات الربيع العربي وتشويه النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما أنه لعب دورًا كبيرًا في انقلاب عام 2013 في مصر، الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد محمد مرسي.

 

الموساد في تركيا

لم تكن هذه الواقعة هي الأولى من نوعها فيما يتعلق بعمل الموساد القذر داخل الأراضي التركية، إذ سبق وكشفت السلطات التركية تورط الموساد في محاولات اختطاف فلسطينيين يعيشون في تركيا.

وفي تصريحات لوزير العدل يلماز تونش يوم الخميس فإن هناك أربع قضايا منفصلة جارية فيما يتعلق بأنشطة التجسس الإسرائيلية داخل تركيا، تستهدف فلسطينيين وعرب، إذ كشفت تركيا عن مجموعتين أخريين تتجسسان على الفلسطينيين لصالح الموساد في السنوات الأخيرة، واعتقلت 19 مشتبهًا بهم في عملية ديسمبر/كانون الأول 2022 وأربعة آخرين في أبريل/نيسان 2023.

وقالت مصادر استخباراتية تركية لوكالة الأناضول الشهر الماضي، إن المخابرات الإسرائيلية تلقت تحذيرا من أي محاولة لاغتيال أعضاء في حركة المقاومة الإسلامية حماس في تركيا، خاصة بعد تصريح رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي شين بيت، رونين بار، في تسجيل بثته هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة “كان”، بأن “إسرائيل ستلاحق حماس في لبنان وتركيا وقطر، حتى لو استغرق الأمر سنوات”.

وقالت مصادر استخباراتية تركية إن مثل هذا الإجراء على الأراضي التركية سيكون له عواقب وخيمة.

وكانت تركيا، حتى في أوقات التقارب المحتمل مع إسرائيل بعد تدهور العلاقات بين البلدين بسبب دعم تركيا للقضية الفلسطينية، متشددة بشأن عمليات المخابرات الإسرائيلية في أراضيها.

وإلى جانب تفكيك الخلايا السرية للموساد، أحبطت تركيا مؤخرًا محاولة “الموساد” اختطاف مهندس فلسطيني في إسطنبول بعدما تمكن من عرقلة عمل بطارية في منظومة “القبة الحديدية”.

ووفقا للمصادر، لجأ جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” إلى استخدام إعلانات وظائف لتعيين “موظفين لفترات قصيرة”، وتم بعد ذلك توظيف المرشحين، ومن بينهم أجانب في البلاد، لإجراء أعمال استطلاع على الفلسطينيين وعائلاتهم في تركيا.

وقالت المصادر إن المخابرات الإسرائيلية شاركت في مجموعة واسعة من العمليات في تركيا، من جمع البيانات ومراقبة الصور والفيديو للأشخاص المستهدفين، وتتبع علاماتها بأجهزة تحديد المواقع المزروعة داخل سيارات الأهداف. 

كما كشفت التحقيقات تورط عناصر تلك الشبكة في الاعتداء والحرق العمد والابتزاز وإدارة مواقع إلكترونية ونشر أخبار كاذبة لتحقيق أهدافهم المتمثلة في التضليل.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا