العدسة – جلال إدريس

“‏أقرأ عن لقاء الملك عبدالعزيز التاريخي مع الرئيس روزفلت، والذي أسّس العلاقة السعودية الأمريكية، موقف الملك عبدالعزيز التاريخي والصلب في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية كان محور اللقاء، ورفضه إقامة الدولة الصهيونية”.

بتلك الكلمات دافع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش– عبر حسابه الرسمي بتويتر- عما أسماه الدور السعودي التاريخي في الوقوف مع القضية الفلسطينية منذ عهد الملك المؤسس وحتى يومنا هذا، مدعيًا أنَّ موقف السعودية من القضية الفلسطينية هو موقف رائد ومشرِّف.

قرقاش حاول من خلال تغريداته الدفاع عن السعودية في وجه الاتهامات التي تلاحقها في العصر الحالي، خصوصًا فيما تتعلق بالتطبيع مع دولة الكيان الصهويني “إسرائيل” والتفريط في القدس الشريف، والموافقة على إلغاء حق العودة، والسعي لإقامة وطن بديل للفلسطينين كجزءٍ من صفقة القرن التي يرعاها الرئيس الأمريكي ترامب.

لكن وفقًا لمراقبين، فقد أغفل وزير الدولة الإماراتي “قرقاش” أنَّ بلده “الإمارات” هو أيضًا متهم بالضلوع في التواطئ على القضية الفلسطينية، وخيانتها، والعمل على تسويتها على حساب مقدسات المسلمين وحقوق الفلسطينيين.

“العدسة” ومن خلال التقرير التالي، تفتح ملف التطبيع الإماراتي السعودي مع إسرائيل، وتحاول الإجابة عن أبرز التساؤلات المتعلقة بدور كل من الرياض وأبو ظبي في “صفقة القرن” والزيارات السرية لكلا البلدين لـ”تل أبيب” والأدوار الحقيقية التي لعبوها في ضياع المقدسات الفلسطينية، وممارساتهم الضاغط حاليًا على الفلسطيين، من أجل القبول بتسوية سياسية على حساب وطنهم فلسطين.

جدل تاريخي حول عبدالعزيز بن سعود

ربما تكون العلاقة بين الملك السعودي المؤسس عبدالعزيز بن سعود، وبين القضية الفلسطينة، هي واحدة من أكثر القضايا جدليًا على المستوى التاريخي، بين من يرَى أنَّ الملك المؤسس ناصَر الحق الفلسطيني في أراضيهم ورفض إقامة دولة إسرائيلية، وبين من يؤكّد أنه كان أحد عوامل بناء تلك الدولة وأن ساعد بريطانيا في الاعتراف بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين.

ووفقًا لتقارير مختلفة، فإنَّ الباحثين عن هذه العلاقة قد يتوهون بين محركات البحث على الإنترنت وبين عدد قليل من المراجع العربية الموثوقة، ماذا عن الحقيقة المجردة؟ هل وافق عبدالعزيز بشكل صريح أو ضمني على المشروع الصهيوني، أو تواطأ ضد القضية الفلسطينة وتماشى مع التوجهات البريطانية؟

في الوثائق التاريخية، هناك ما يعزِّز وجود رابط بين القضية الفلسطينية والملك عبدالعزيز آل سعود، من هذه الوثائق واحدة ممهورة بتوقيع عبدالعزيز نفسه. لم يمانع مؤسس الدولة السعودية الثالثة وفق الوثيقة “من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود”. يؤكد فيها أيضًا أنه لن يخرج “عن إرادة بريطانيا حتى تصيح الساعة”.

يؤكّد السعوديون أن تلك الوثيقة مزورة، هذا ليس مستبعد، لكنهم يذهبون أبعد من ذلك. هناك مئات المقالات والكتب المطبوعة والمنشورة في السعودية، تؤكد جميعها دعم الحكام السعوديين للقضية الفلسطينية منذ البداية.

فيما يتجاوز عدد من الباحثين في القضية الفلسطينية المصادر والمراجع العربية. يبرزون وثائق تعود إلى الأرشيف البريطاني والأرشيف العبري، من بين المستندات التي توضح علاقة عبدالعزيز بالحركة الصهيونية وثيقتان تاريخيتان محفوظتان في الأرشيف البريطاني تحت رقم  CO 733/443/18 و CO 733/443/19، وتعودان إلى عام 1943.

خلاصة الوثيقتين أنّ مؤسس المملكة السعودية دخل في مفاوضاتٍ سريّة لجهة بيع فلسطين مقابل 20 مليون جنيه.

أيضًا فإنَّ من أخطر ما قام ابن سعود في خدمة المشروع الصهيوني دوره في إخماد ثورة 1936 التي قامت في فلسطين ضد الإنجليز، ولاقت تأييدًا واسعًا في العالم الإسلامي.

الأحفاد يكملون الخيانة

وبعيدًا عن الدور التاريخي للملك المؤسس في ضياع القضية الفلسطينية، أو الحفاظ عليها، فإن لا أحد ينكر أن الأبناء والأحفاد للملك المؤسس لم يقدموا دليلًا واحدًا يثبت حرصهم على القضية الفلسطينة، لكنهم انتهجوا كل الخطوات التي تسببت في ضياع القضية ووصولها إلى حافة الهاوية، وهو ما وصفه بعض المراقبين باستكمال خيانة القضية الفلسطينية.

وبينما تدعي السعودية طوال تاريخها الحديث أنها ليست في علاقة مع تل أبيب، وأنَّ ملوكها وأمراءها، يرفضون التطبيع مع الكيان الغاصب، إلا أنَّ ما يجري في الدهاليز المظلمة لقصور الأمراء السعوديين يوحِي بعكس ذلك تمامًا؛ حيث إنَّ التطبيع السري بين البلدين يجري على قدم وساق.

وبحالة أشبه للعشق الممنوع، يحاول محمد بن سلمان، أول أحفاد الملك المؤسس، المؤهلين لتولّي حكم المملكة، التطبيع مع الكيان الغاصب، ويسعى بكل ما أوتي من قوة لإزالة أية عوائق أو شوائب بين البلدين “السعودية وإسرائيل”.

ومن العلاقة السريّة إلى شبه العلنية، تحاول وسائل الإعلام السعودية والإسرائيلية التمهيد للتطبيع الكامل بين البلدين؛ حيث روّجت وسائل الإعلام نهاية العام الماضي لزيارة قام بها أميرٌ سعودي إلى تل أبيب، وربطتها وسائل إعلام إسرائيلية بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وإن أخذت الزيارة طابع السريّة، إلّا أنها فتحت الجدل حول مستقبل العلاقات الإسرائيلية السعودية، إضافة إلى ما قاله وزير الخارجية السعودي في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك حين قال: إنَّ بلاده لا ترى مبررًا لاستمرار النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، معلنًا بداية مرحلةٍ جديدةٍ في العلاقات بين الرياض وتل أبيب في المستقبل.

أيضًا لا يمكن أبدًا إغفال نضال الجنرال أنور عشقي ضابط الاستخبارات السعودي السابق، الذي يبذل قصارى جهده من أجل التطبيع مع إسرائيل، حيث كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن زيارة قام بها الجنرال عشقي إلى القدس المحتلة للقاء كل من مدير عام وزارة الخارجية دور غولد، ومسؤول التنسيق الأمني في الضفة الغربية المحتلة يوآف مردخاي في فندق الملك داود، وقالت الصحيفة في تقريرها إن عشقي حضر إلى إسرائيل مصطحبًا معه بعثة أكاديمية ورجال أعمال سعوديّين، التقوا خلال الزيارة تلك بمجموعة من أعضاء الكنيست، بهدف «تشجيع الخطاب في إسرائيل، حول مبادرة السّلام العربيّة».

صفقة القرن وتهويد القدس

السعودية والإمارات لم يقفا مؤخرًا عند حد التطبيع مع إسرائيل، لكنهما أصبحا يقدمانِ خدمات لدولة الاحتلال أكثر مما يقدمها الصهاينة أنفسهم، حيث إن “الرياض، وأبو ظبي” بذلتا دورًا كبيرًا في تمرير قرار الرئيس الأمريكي ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل دون ضجيج.

لم يكن هذا فحسب، بل إنَّ “بن سلمان وبن زايد” قامَا بالضغط على رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن، من أجل تمرير ما يعرف بصفقة القرن، وهو الأمر الذي كشفت عنه صحيفة “يدعوت إحرنوت الإسرائيلية”، حيث أكدت أن “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى أمريكا يوسف العتيبة، والسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة رون درمر)، يعملون ثلاثة مستشارين للرئيس الأمريكي ترامب، من خارج الإدارة الأمريكية.

وبحسب الصحيفة فإنَّ هؤلاء الثلاثة يعملون كمستتشارين لترامب في “صفقة القرن” من خارج الإدارة الأمريكية، وهي الصفقة التي يطبخها ترامب للشرق الأوسط” في هدوء تام، وسيفاجئ بها ترامب العالم في وقت قريب.

إذًا فالتجهيزات لإتمام “صفقة القرن” تسير على قدمٍ وساق، وتشارك فيها أطراف عربية وإقليمية عدة، ومن المُقرر أن يطرحها الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، في شهر (مارس) القادم، ولذلك تعمل إسرائيل على مدار الساعة في تسريب المعلومات حول هذه الصفقة، التي بات يُطلق عليها الـ”صفقة التاريخيّة” في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

الصحيفة “الإسرائيلية” تحدثت عن دور السعودية، في الصفقة؛ حيث أكدت أنَّ كافة المؤشرات تدلّ على أنّ إدارة ترامب وحكومة نتنياهو تُنسّقان لتطبيق بنود “صفقة القرن”، ولاسيما تلك التي تمثّل مكاسب جلية للدولة العبريّة حتى قبل الإعلان عن هذه الصفقة بشكلٍ رسميٍّ، والتي تمّ الكشف عنها في وثيقةٍ قدّمها أمين سر اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، صائب عريقات، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس، وتمّ تسريبها للقناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ أواخر الأسبوع الماضي.

وأكّدت المصادر الرفيعة في تل أبيب أنّ إسرائيل ستحصل على جائزة ترضية، وهي عبارة عن إقامة علاقات دبلوماسيّة وعلنيّة كاملة مع المملكة العربيّة السعوديّة، فيما ستقوم المملكة بمنح الفلسطينيين الأموال لإعمار الدولة العتيدة، أمّا المملكة الأردنيّة الهاشميّة فسيكون دورها في مساعدة الفلسطينيين في المجال السياسيّ.

الإمارات والانبطاح لإسرائيل

المثير في الأمر أن الوزير الإماراتي “أنور قرقاش” الذي يتباهى بتاريخ مزيف، نسي أو تناسى أن “الإمارات” هي واحدة من أبرز وأهم الدول العربية تطبيعًا مع دولة الاحتلال الصهيوني إسرائيل.

وبالرغم من تكرار جملة «عدم وجود علاقاتٍ دبلوماسية رسمية بين البلدين»، إلا أنَّ التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تاريخ واضح حيث تتوافق الرؤى والإطروحات السياسية والاقتصادية بين الدولتين بشكل كبير، كما أن مسؤولي البلدين يتبادلن الزيارات السرية، والتي كان آخرها ما أكدته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأنَّ «نتنياهو» اجتمع سرًّا، في سبتمبر (أيلول) 2012، في نيويورك مع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد بواسطة سفير الإمارات في واشنطن، وتحديدًا في فندق «ريجنسي» بنيويورك.

وتضيف الصحيفة أنه في اللقاء الذي جاء على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: «تم إدخالهما (ابن زايد والعتيبة) إلى الفندق بشكل سرّي جدًا، عن طريق موقف سيارات تحت الأرض، ثم صعدا بالمصعد الخاص بالخدمات إلى الجناح الذي يقيم فيه نتنياهو».

كما أنه لا يمكن تجاهل العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين البلدين، التي منها ما كشفه موقع «ميدل إيست آي»، عن استيراد شركة «مستقبل الإمارات»، التي يملك الشيخ منصور بن زايد آل نهيان ما لا يقل عن 40% منها، مع الشركة الأردنية «حجازي وغوشة»، الماشية من أستراليا وأمريكا ثم تسليمها إلى إسرائيل عبر ميناء إيلات، لتعتبر بذلك الشركة الإماراتية من أكبر مورِّدي اللحوم للسوق الإسرائيلية.

وقد اتخذت الإمارات في علاقتها الاقتصادية مع إسرائيل منحًى خطيرًا كشف عن ملامحه في شهر مايو 2016، إذ جاء تحت غطاء تجارة العقارات حيث تورطت الإمارات بواسطة «محمد دحلان»، القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني (فتح)، في مشروع لتهويد مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، وذلك عبر شراء منازل من الفلسطينيين وممتلكات عقارية، ثم نقل ملكيتها إلى مستوطنين يهود.

وعلى المستوى الثقافي والرياضي فيمكن إرجاع التطبيع بين البلدين إلى عام 2010، حيث كشفت وقتها وثائق موقع ويكيليكس في هذا العام استقبال الإمارات فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، محمود المبحوح.

لكن واحدة من أبرز الخطوات التطبيعية بين البلدين، تتمثل في افتتاح ممثلية إسرائيلية في أبوظبي عام 2015، تم ذلك ضمن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهو ذات العام الذي صوتت فيه الإمارات بالموافقة على عضوية إسرائيل في لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة.

لماذا لا يدعمون المقاومة الفلسطينية؟

وأخيرًا وليس آخِرًا فإنَّ أي حديث عن دعم “الإمارات والسعودية” للقضية الفلسطينية، يستلزم السؤال عن دور الدولتين في دعم المقاومة الفلسطينية؟!

وللإجابة عن السؤال يكفي فقط معرفة أنَّ الإمارات تعدّ “حركة حماس” منظمة إرهابية، تمامًا كما تعتبرها إسرائيل، كما أنَّ الدولتين لم يقدما للمقاومة ولو طلقة رصاص واحدة، عبر تاريخها الطويل، رغم أنَّ التسليح الإماراتي والسعودي بمليارات الدولارات، دون أن يعرف أحد لمن يتسلح “أبناء زايد وأبناء سعود” إن لم يحاربوا المحتل الإسرائيلي.