في الجزء الأول من التدوينة، كان الحديث بارزا حول الموازنة بين العمل الدعوي والسياسي في الحقول الجامعية، وعدم الاستغراق في الشأن السياسي العام، ونسيان الدور الرئيس في رحلة العمل المجتمعي كله، وهو إصلاح الناس حياتهم ودينهم على السواء.

تسمح نظاميات كثير من جامعاتنا العربية بالعمل السياسي بين أروقة الجامعات، فيما تفرض الحياة السياسية الساخنة لبعض البلاد واقعها على الحياة الطلابية، فتلقي بظلالها على أسوار الجامعات.

لكنّ الحقيقة المقررة، هي أن العمل السياسي -مهما بلغ من الغليان- يبقى فرعًا عن رسالة أسمى يحملها الطلاب الدعاة إلى زملائهم في الحقل الجامعي.. وإن كان التقصير في التفاعل مع أحداث البلاد السياسية أمرا معيبا، إلا أن الانغراق التام في العمل السياسي يبقى تفريغًا لرسالة الدعاية وانحرافًا كبيرًا.

لذلك فإن على المربين أن يجتهدوا دائما في الموازنة بين الأنشطة الدعوية والسياسية، وحبذا لو يميزوا بين صناعة كوادر سياسية واضحة وأخرى دعوية، دون أن يؤصلوا -من حيث لا يدرون- إلى انفصال كليهما، لكن لا بأس من تنحية بعض الطلاب الدعاة عن المسار السياسي كله، ليحتفظوا أمام الطلاب بشخصية دعوية سلوكية خالصة.

 

عزل الدعوة:

على الجانب الآخر، يخطئ كثير من الطلاب الدعاة في حصر فعاليات دعوتهم في النشاط التعبدي والأخلاقي فقط، دون الالتفات إلى مشاكل الطلاب ومحاولة معالجتها، تاركين عند أنفسهم -والطلاب- قصورا في فهم معنى الدعوة وحدود انتشارها.

وهنا يكون على المربين أن يجتهدوا في التعريف بالدعوة إلى الله، وغاياتها، وشموليتها، حتى لا ينقطع الطلاب الدعاة عن واقع زملائهم، فيصنعون جنينا مشوها للدعوة في تصورات زملائهم من الطلاب، فيكونون قد أضروا بها من حيث مظنة النفع والاجتهاد.

 

  • الكوب الفارغ:

فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كان وعاء الطلاب الدعاة فارغًا، فهيهات أن يجد عموم الطلاب منه نفعًا، لذلك يبقى الواجب على المربين أن يراقبوا دائما ارتدادات الطلاب الدعاة الإيمانية والأخلاقية، والتي تترجمها سلوكياتهم وردود أفعالهم.

وعلى المربيين هنا أن يتحروا دائما تطوير آليات معالجة القصور الإيماني البادى على الطلاب الدعاة، فالوسائل القديمة عادة لا تأتي ثمارها على النحو المطلوب، فضلا عن إلفها وغياب التأثير المنتظر منها.

 

  • قواعد الاستثمار:

إن فرعًا أصيلا للحداثة التي ننشدها في أدبيات العمل الدعوي، هي أن نستلهم فيه خلاصة ما وصلت إليه التجربة الإنسانية من تطور تنظيري وإدراكي.

وإن صناعة الطلاب الداعية ليس أمرًا يسيرًا، فهو يحتاج مكابدة ومراقبة على الدوام، تسير كالجولات بين انتصار وهزيمة، وتقدم وتأخر، وميزان يزيد وينقص بين ليلة وليلة.

لذا، يحسُن أن يسارع المربي إلى طلاب الفِرق الأولى من الجامعة، فهم الأنقى تلوثًا، والأرجى أثرًا، والأيسر قدرة على التشكيل، فلم تتمكن الحياة الجامعية من أفكارهم وسلوكياتهم بعد، ولم يعلقوا منها بما يقعدهم عن النهوض بدعوتهم.

وأخيرًا، فإن على المربين استحضار قيمة رسالتهم، فهم -بصناعة كوادر طلابية دعوية- يبدعون خوارزمية آلية من الحسنات الجارية والإصلاحات التي لا يمكنهم -هم أنفسهم- رصدها بعد عشرات السنين، وفي ذلك يقول أمير الشعراء شوقي:

ورُبَ صغير قوم علموه .. سما وحمى المسومة العرابا

وكان لقومه فخرًا وعِزا .. ولو تركوه كان أذى وعابا

فعلِّم ما استطعت لعل جيلا .. سيأتي يُحدِث العجب العجابا

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة