العدسة – معتز أشرف
حكم قضائي كاشف لخوف الديوان الملكي السعودي من الحديث عن الفساد، أطلقه القضاء السعودي الناطق بحسب التقارير الحقوقية، باسم ولي العهد الطائش محمد بن سلمان، ضد الكاتب في صحيفة “الوطن” صالح الشيحي، مُوقِعًا به عقوبة سجن خمس سنوات، مع المنع من السفر خمس سنوات بعد انتهاء محكوميته، فهل خالف الكاتب السعودي المعتقل الحقيقةَ، أم أنه اقترب من “المحظورات السلمانية” في السعودية، التي ترى في الحديث عن فساد آل سلمان خطًا أحمر؟
يرى المراقبون أن “الشيحي” دخل عش الدبابير، فعوقب بالغضب السلماني الخائف من ظهور فساده، وهو ما نرصده .
حكم كاشف
الحكم على صالح الشيحي، جاء بعد نحو شهر فقط من اعتقاله، عقب حديثه عن قضايا فساد مرتبطة بالرئيس السابق للديوان الملكي السعودي خالد التويجري، وكانت السلطات السعودية قد أفرجت عن التويجري أخيرًا، ضمن تسوية مالية في إطار الحملة التي تقول المملكة إنها تستهدف الفساد، واتهم “الشيحي” أثناء مشاركته في برنامج بثته قناة سعودية، الديوان الملكي بأنه من المؤسسات الحكومية التي أصلت للفساد بالسعودية في مرحلة من المراحل”، وأضاف الكاتب السعودي أنه “يوجد في الديوان الملكي نوافذ للفساد المالي”، متهمًا إياه بتوزيع أراض على أشخاص دون وجه حق، فيما نادى صالح الشيحي علنًا بملاحقة ومحاسبة مسؤولين كبار اتهمهم “بسرقة أموال البلد”، وذلك بدلا من ملاحقة “الضعفاء” حسب قوله.
ورغم أن خالد التويجري، اعتقل بالأساس مع 11 أميرًا و38 وزيرًا ونائبًا ورجل أعمال؛ للتحقيق معهم في قضايا فساد، قبل أن يفرج عنه مؤخرًا في إطار تسوية مالية، وتمت مساءلته على أساس ما قام به أثناء توليه منصب مدير الديوان الملكي في المملكة من فساد بجانب النخبة الحاكمة، قبل أن تتم الإطاحة به عشية تولي الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم، خلفًا للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وهو ما يتوافق مع ما أعلنه الشيحي، إلا أن “بن سلمان”، يريد أن يعاقب من يقترب من قصره الملكي أو عن شخصه المتهور، بحسب ما يقول معارضوه.
الفساد السعودي
المراقبون يرون أن الفساد السعودي متجذر من القمة إلى القاع، وهو ما دفع إلى تأسيس اللجنة العليا لمكافحة الفساد في السعودية، في ظل وجود جهات حكومية مختصة بالدور نفسه، حيث تمتلك السعودية ثلاثة أجهزة حكومية تقوم بالمهمة نفسها، أحدثها “نزاهة”، والذي تم إنشاؤه في عهد الملك عبدالله، لمكافحة الفساد، فضلاً عن ديوان المحاسبة المؤسس في عام 1971، وهيئة الرقابة والتحقيق، ما جعل تأسيس لجنة عليا لمكافحة الفساد بمثابة حملة تتم لإقصاء منافسي محمد بن سلمان لتسهيل وصوله إلى العرش، كونها أسهل الوسائل لإلباس التهم المعلبة والجاهزة، وإسباغ صفة الفساد على المتهمين، رغم الفساد الطاغي على قصر “بن سلمان” وبلاده، وهو ما أقرته المؤشرات الدولية، ففي عام 2014، وفقا للمؤشر التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2014، وحلت السعودية على المركز 55 عالميًّا بحصولهم على 49 نقطة، ومصر في المركز 94، وفي عام 2015، كشف مؤشر الفساد العالمي الصادر عن المنظمة، تراجع مصر إلى المرتبة الـ88، من بين 168 دولة على مستوى العالم، وجاءت السعودية في المركز الرابع عربيًّا والـ48 على المستوى العالمي، وفي عام 2016 تراجعت السعودية 14 مركزًا في الترتيب العالمي، واحتلت المركز 62 بـ46 نقطة.
من جانبه أكد الكاتب الصحفي السعودي المعروف، جمال خاشقجي، أن الأسرة الحاكمة في الرياض هي أصل الفساد في المملكة؛ لأن الأمراء هم مَنْ يتدخلون في العقود ويحصلون على المليارات منها، وقال “خاشقجي”، خلال مشاركته في في ندوة بالمركز العربي في واشنطن، بعنوان “زلزال في الرياض.. التداعيات الإقليمية والدولية”، إن على وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن يفرق بين أموال الأمراء وأموال الشركات، ودلل “خاشقجي” على ما يقوله مستشهدًا بما ذكره ولي العهد السعودي بوجود هدر سنوي يقدر بأكثر من 100 مليار دولار يتم إنفاقها بشكل غير فاعل.
آل الفساد
تهم الفساد تلاحق آل سلمان منذ عقود، ولكن بعد الحملة الأخيرة التي عنونتها بمحاربة الفساد، خرج رجل الأعمال المصري واسع الاتصالات، نجيب ساويرس، عن شعوره، وقام بتوجيه السؤال إلى محمد بن سلمان مباشرة، قائلا: “هل أنت لست جزءا من هذا؟ من أين حصلت على أموالك؟ ألم تفعل هذا؟ ما هو النظام؟”، وذكرت وكالة “رويترز”، أن “ساويرس” طالب بالتصدي “لهذا الشاب”، في إشارة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقال “ساويرس” في مؤتمر بالعاصمة الإيطالية روما، إنه يجب “أن نقول له لا، هناك سيادة القانون والنظام، يجب أن يكون لديك عملية شفافة، أين المحكمة؟ ما هي الأدلة؟ من هو القاضي؟”، وقال “ساويرس”: إن “كل شخص يمتلك ضميرًا عليه التحدث بجرأة”، لكنه أضاف أن الكثيرين يخشون فعل ذلك، وتابع، بحسب “رويترز”: “الجميع خائفون؛ لأنهم لديهم مصالح هناك، لديهم النفط، لديهم الأموال، لكن يجب على المرء أن يكون لديه ضمير، عندما أقول هذا أعرف أنني مقضي على في السعودية، لن أحصل بعد الآن على أعمال (هناك)، حسنا، أنا لا أبالي”، فيما أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير مطول، أن اعتماد محمد بن سلمان على سلب الأصول بالشكل الذي يتبعه حاليًا يقوض لُبَّ الإصلاحات التي يزعم حرصه على تحقيقها.
وضمن أكثر من 10 أسماء، جاء اسم الأمير السعودي، تركي بن ناصر، بين الذين جرى توقيفهم في السعودية، بأمر ملكي، بتهم تتعلق بالفساد، وهو ابن عم ولي العهد، محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ومتزوج من الأميرة نورة بنت سلطان بن عبدالعزيز، ويعد واحدًا من أكثر شخصيات المملكة ثراءًا، واتهمته لجنة مكافحة الفساد بـ«توقيع صفقات سلاح غير نظامية، وصفقات في مصلحة الأرصاد والبيئة».
ملاحقة دولية
سجن المعارضين بسبب آرائهم ورفض الفساد والانتهاكات، دفع محاميين بريطانيين إلى بدء إجراءات لتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على خلفية “احتجاز” السلطات 61 شخصًا “بشكل تعسفي”، أو “إخفائهم قسرا”، وقال المحاميان كين مكدونالد ورودني ديكسون، في بيان صحفي يعتزمان تقديمه للمجلس في جنيف: إن “تلك الاعتقالات تنتهك القانون السعودي والدولي معا”، ويتهم البيان السلطات السعودية “باستهداف نشطاء حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين، وآخرين يمارسون حقهم في حرية التعبير”، كما أوضح البيان أن عمليات الاعتقال التي بدأت بإلقاء القبض على رجلي الدين البارزين؛ سلمان العودة وعوض القرني، في 10 أيلول/سبتمبر 2017، هي “جزء من نمط مستمر وطويل الأمد من الانتهاكات” التي تمارسها سلطات المملكة، فيما أوصى البيان الجمعية العامة للأمم المتحدة “بأن تنظر على وجه السرعة” في تعليق عضوية المملكة العربية السعودية في مجلس حقوق الإنسان بموجب قرار يستبعد الأعضاء الذين يرتكبون “انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان”.
يأتي ذلك في سياق التقرير العالمي لحقوق الإنسان كذلك الذي أصدرته “هيومان رايتس ووتش”، مطلع العام الجاري، والذي أكد أن السلطات السعودية واصلت الاعتقالات والمحاكمات التعسفية والإدانات بحق المعارضين السلميين، كما استمر عشرات الحقوقيين والناشطين في قضاء أحكام طويلة بالسجن لانتقادهم السلطات أو دعوتها إلى إصلاحات سياسية وحقوقية، وبدءا من 10 سبتمبر الماضي نفذت السلطات السعودية موجة من الاعتقالات ضد رجال الدين وغيرهم فيما يبدو أنها حملة منسقة ضد المعارضة، واستمرت السعودية في قمع الناشطين المطالبين بالإصلاح والمعارضين السلميين، كما يقضي أكثر من 12 ناشطا بارزًا -أُدينوا بتهم متصلة بأنشطتهم السلمية- أحكاما طويلة بالسجن، وهو ما يسقط قناع النزاهة والديمقراطية عن أمير الفساد والانتهاكات محمد بن سلمان.
اضف تعليقا