منذ أن شنت إسرائيل حربها الأخيرة على غزة، لم تتأخر ألمانيا عن تقديم الدعم لها على كافة المستويات، حتى بعد أن بدأ قطاع كبير من العالم يصف ما ترتكبه إسرائيل هناك بالإبادة الجماعية، بل عززت الحكومة من دعمها لحليفتها وأعلنت ذلك في كل المحافل الدولية المختلفة.

في 12أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن المستشار أولاف شولتس أنه “لا يوجد سوى جانب فقط لألمانيا أن تدعمه: إسرائيل”، وبالفعل لم تتزحزح عن هذا الموقف على مدار أكثر من 100 يوم، وهي مدة الحرب المستمرة حتى الآن.

ولم تقدم الحكومة الألمانية دعماً سياسياً ودبلوماسياً واسع النطاق لإسرائيل فحسب، بل قامت أيضاً بتسريع صادرات الأسلحة لتسهيل المذبحة الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين.

لقد رفضت النخبة السياسية الألمانية بشدة الدعوات لوقف إطلاق النار في غزة، وكررت بلا هوادة الادعاء الكاذب بأن إسرائيل لديها “الحق في الدفاع عن نفسها” بموجب القانون الدولي ضد السكان الفلسطينيين الذين تحتلهم، مؤكدة على موقفها من تجاهل عقود من الفصل العنصري والتطهير العرقي.

 لقد بررت النخبة السياسية الألمانية موقفها تجاه إسرائيل بالشعور بالذنب تجاه اليهود بسبب “الهولوكوست” والحاجة إلى التعويض عن طريق دعم إسرائيل، معتبرة أمنها “سبب الدولة الألماني”.

ولكن تحت غطاء “التصرف الأخلاقي” و”التكفير عن جرائم الدولة”، يسعى السياسيون والمسؤولون الألمان إلى زيادة تعزيز مظاهر العنصرية المعادية للعرب والمسلمين، وتبرير المزيد من السياسات الصارمة المناهضة للهجرة والمهاجرين، وتهميش أي محاولة للوقوف ضد هذه السياسات العنصرية.

 

معاداة الفلسطينيين سياسة دولة

إن تهميش الفلسطينيين داخل المجتمع الألماني وقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين ليسا ظاهرة جديدة في ألمانيا، قبل وقت طويل من 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت السياسات المعادية للفلسطينيين التي اتبعتها السلطات الألمانية في تصاعد مستمر، إذ تم حظر الاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية، وفرض إجراءات صارمة لإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، بما في ذلك أصوات الناشطين اليهود المناهضين للاحتلال، وتم إلغاء الفعاليات الثقافية واحتفالات توزيع الجوائز ذات الصلة.

بناء عليه، لم يكن غريبًا أبدًا أن تتزايد حملة القمع ضد الاحتجاجات وعنف الشرطة في الأسابيع الأخيرة، بل تم حظر العديد من المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، في بعض الأحيان كان يتم ذلك قبل دقائق فقط من بدئها، أو كان يُسمح بتنظيمها فقط في ظل تواجد كثيف للشرطة، كل هذا بحجة عدم التورط في أي مظهر من مظاهر معاداة السامية.

خلال الأسابيع الأولى من حرب إسرائيل على غزة، اعتقلت الشرطة الألمانية مئات المتظاهرين المتضامنين مع فلسطين، وقد تعرض العديد منهم لعنف الشرطة، وتم وضع بعضهم قيد التحقيق بتهمة التحريض على الكراهية، وحتى الأصوات المناهضة للصهيونية بين الأقلية اليهودية الصغيرة تعرضت للهجوم.

تم كذلك قمع حرية التعبير فيما يتعلق بالنشاط المؤيد للفلسطينيين، ومؤخراً، حظرت وزارة الداخلية الاتحادية شعار “من النهر إلى البحر”، معتبرة أنه دعوة لتدمير إسرائيل، ووصفت ولاية بافاريا هذه العبارة بأنها “رمز للإرهاب”.

فيما أعلن الاتحاد الديمقراطي المسيحي  (CDU)، أحد الأحزاب الرائدة في ألمانيا، أن عبارة “فلسطين حرة” ليس لها مكان في ألمانيا، وندد بهذه العبارة ووصفها بأنها “صرخة حرب لعصابة إرهابية نشطة دوليًا”، ويعني “انقراض الدولة اليهودية، الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، على يد الإرهابيين الإسلاميين”.

كما تعرضت حرية التعبير للهجوم في المؤسسات التعليمية أيضًا، ومع اتباع الجامعات الألمانية لموقف الحكومة المؤيد لإسرائيل، تعرض الطلاب الذين احتجوا في الحرم الجامعي على جرائم إسرائيل لعنف الشرطة ولحملات التشهير في وسائل الإعلام. العديد من المؤسسات الألمانية وبإيعاز من الدولة حظرت الرموز المؤيدة للفلسطينيين كذلك، مثل وشاح الكوفية، وفي إحدى المدارس في برلين، اعتدى مدرس جسديًا على طالب رفع العلم الفلسطيني.

يعكس هذا القمع المنهجي للنشاط المؤيد للفلسطينيين الواقع المرير في ألمانيا، حيث يُنظر إلى معارضة الإبادة الجماعية على أنها عمل من أعمال الخيانة للدولة الألمانية، بل حددت السلطات الألمانية بوضوح معاداة الفلسطينيين باعتبارها مصلحة وطنية وسياسة دولة. الحكومة الألمانية تدعم بكل إخلاص وجود إسرائيل في شكلها الحالي من الفصل العنصري الذي يُمارس بفضله عنف مستمر ضد السكان الفلسطينيين الأصليين. اللافت للنظر أن هذه الممارسات مشابهة تمامًا لتاريخ الإبادة الجماعية والعنصرية الألمانية، والمستمرة حتى الآن.

يُتبع>>

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا