لقد أدت الإبادة الجماعية في غزة إلى تعزيز مشاعر كراهية الأجانب والعنصرية المنتشرة في كل مكان في ألمانيا، وقد سعت السلطات الألمانية جاهدة إلى تصوير المسلمين والعرب بشكل خاص، والأقليات العرقية بشكل عام، على أنهم خطرون على المجتمع الألماني.

في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني، دعا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الألمان من أصل فلسطيني وعربي إلى الابتعاد عن حماس وعدم ارتكاب أي شيء به معاداة للسامية، وبالتالي، فهو يضع ضمنيًا مجموعة سكانية بأكملها تحت شبهة عامة بالإرهاب، حيث تم تصنيف حركة المقاومة الفلسطينية على أنها “منظمة إرهابية” من قبل الدولة الألمانية.

وبعد أكثر من أسبوع من هذا التصريح، تم تقديم مشروع قانون إلى البرلمان الألماني يربط الجنسية الألمانية بالاعتراف “حق إسرائيل في الوجود”، وبعد شهر، أصدرت ولاية ساكسونيا أنهالت مرسومها الخاص، الذي يطالب المتقدمين للحصول على الجنسية بالإعلان عن دعمهم لـ”حق إسرائيل في الوجود”، كما صرح وزير العدل الاتحادي ماركو بوشمان في مقابلة: “لا نريد أن يصبح معاداة السامية مواطنين ألمان”.

وقد استُخدمت الادعاءات بأن المهاجرين يشكلون خطراً إرهابياً ويحملون وينشرون معاداة السامية كمبرر لتغيير سياسة الهجرة واللاجئين في ألمانيا، إذ قال زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز إن ألمانيا لا تستطيع استيعاب المزيد من اللاجئين من غزة، مدعيا أن “لدينا ما يكفي من الشباب المعادين للسامية في البلاد”.

وبالفعل، يتم اتخاذ التدابير القانونية لتقليل الهجرة، خاصة وأنه في أكتوبر/تشرين الأول، دعمت الحكومة الفيدرالية مشروع قانون يسمح بسياسة ترحيل أكثر صرامة من شأنها أن تسهل طرد طالبي اللجوء المرفوضين بغض النظر عن أي مخاطر تنتظرهم في حالة الترحيل.

المشاعر العنصرية وكراهية الأجانب المتزايدة في البلاد لا تنعكس في السياسات فقط، إذ تعمل الحكومة الآن على ما يبدو وكأنه إجماع على مستوى المجتمع بأكمله، والذي تم الترويج له في بيان نشرته صحيفة بيلد الألمانية اليمينية، حيث يُفرض على المهاجرين حضور محاضرات حول كيفية التعامل في ألمانيا.

وبالإشارة إلى وصول عدد كبير من اللاجئين العرب إلى ألمانيا في العقد الماضي، سردت الصحيفة 50 نقطة تعليمات حول ما هو مسموح به وما هو غير مقبول في ألمانيا.

تنص مقدمة البيان على ما يلي: “إن عالمنا في حالة من الفوضى، ونحن في منتصف هذه الفوضى… منذ الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس على إسرائيل، نشهد بعدًا جديدًا من الكراهية في بلدنا – ضد قيمنا والديمقراطية وضد ألمانيا. ألمانيا يجب أن تقول “لا!” لمعاداة السامية … نحن نحب الحياة وليس الموت… نحن نقول من فضلك وشكرا، نحن لا نرتدي أقنعة أو حجابا”، نحن لا نزوج الأطفال… ولا يجوز للرجل أن يكون له أكثر من زوجة واحدة.”

إن كراهية الإسلام المسعورة الواردة في البيان واضحة بصورة فجة… ولكن أبعد من ذلك، فهو يعكس سخافة الألمان البيض الذين يعتبرون أنفسهم “تحت التهديد” و”ضحايا” في وقت يواجه فيه السكان الفلسطينيون إبادة جماعية في وطنهم.

محتوى البيان يفضح التفوق الأبيض المتأصل في المجتمع الألماني، وبالفعل، فإن رد فعل السلطات الألمانية على ما يجري في غزة يدل على أنها تريد تعزيز وترسيخ التسلسل الهرمي العنصري في المجتمع الألماني: الألمان البيض في القمة والناس من “العالم الثالث”، بما في ذلك ضحايا العنف الإسرائيلي، في أسفل القاع… وهم يؤدون في صمت وظائف وضيعة قذرة ويتوقع منهم إظهار امتنانهم و”الاندماج” في المجتمع الألماني.

 

التستر على معاداة السامية الألمانية

الأمر الأكثر خطورة في الموقف الألماني المعادي للقضية الفلسطينية، هو أن ألمانيا تحاول التستر على معاداتها للسامية بأن تلصق هذا الأمر بالأقليات العربية والمسلمة. إن ادعاء ألمانيا باحترام السامية هو كذبة ذات شعبية متزايدة هدفها حجب تاريخ ألمانيا الوحشي المعادي لليهود، وتلقي بطريقة أو بأخرى اللوم المتعلق بمعاناة الشعب اليهودي على الفلسطينيين الذين هم ضحايا النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري الأوروبي.

هذه الكذبة تغطي كذلك الحاضر المعادي للسامية في المجتمع الألماني، إذ لا تزال المشاعر المعادية لليهود قائمة في ألمانيا، ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن الغالبية العظمى من الحوادث المعادية للسامية الموثقة يرتكبها اليمين السياسي.

ليس من قبيل الصدفة أن يصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف إلى ذروة شعبيته على الإطلاق في الأسابيع الأخيرة، ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت في منتصف ديسمبر/كانون الأول، تبلغ نسبة تأييده الآن 23%، وهي في المرتبة الثانية بعد حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني، ومتقدمة بفارق كبير عن أي من الأحزاب في الائتلاف الحاكم الحالي.

لقد مجد ممثلو “حزب البديل من أجل ألمانيا” القومية العرقية الألمانية وقللوا من أهمية جرائم النظام النازي بينما يصرون باستمرار على أن المهاجرين معادون للسامية ويطالبون الحكومة الفيدرالية بإعطاء الأولوية لمكافحة “معاداة السامية المستوردة”.

وهذا المزيج من الصهيونية والقومية الألمانية السامة قد يزيد من تأجيج العنف العنصري ضد الأقليات، بما في ذلك المجتمع اليهودي.

ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى معاداة ألمانيا للفلسطينيين باعتبارها رد فعل للتكفير عن جرائم ألمانيا العنصرية ضد اليهود، بل هي في الواقع استمرارًا لها، إذ لم يتم اعتبار الفلسطينيين وغيرهم من ضحايا العنف الإسرائيلي والألماني إنسانيين بما فيه الكفاية.

مثل الإبادة الجماعية الاستعمارية التي ارتكبتها ألمانيا ودعمها للفصل العنصري في جنوب أفريقيا والأنظمة العنصرية في أماكن أخرى – والتي لم تحظ قط بالاهتمام الكافي في الخطاب العام – فإن دورها في الإبادة الجماعية في فلسطين يدعم التسلسل الهرمي العنصري وصورتها الذاتية كدولة “متحضرة” و”أخلاقية”، وبالتالي فإن مذبحة الفلسطينيين المدعومة من ألمانيا تعمل على تعزيز أوهام التفوق العرقي الألماني الأبيض.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا