العدسة _ منصور عطية

مفاجآت من العيار الثقيل فجّرها الحوار الذي أجرته “هاف بوست عربي” مع المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات والقيادي في حملة ترشح الفريق سامي عنان لرئاسة الجمهورية.

ومن بين ما كشفه جنينة في حواره، يبقى الأبرز حديثه عن “الطرف الثالث” المتورط في كثير من الأحداث الدموية التي أعقبت ثورة 25 يناير، والوثائق التي يمتلكها عنان بشأن تلك الأحداث.

“جنينة” الذي تعرض لمحاولة اغتيال قبل نحو أسبوعين، اتهم في الحوار ما أسماه بـ”جهاز سيادي”، لديه القدرة في التحكم بجهازَي الأمن العام والأمن الوطني بوزارة الداخلية بالوقوف وراء محاولة الاغتيال.

وكشف عن امتلاك الفريق سامي عنان، المحبوس حاليا، مستندات وصفها بـ”بئر الأسرار”، التي تضمن وثائق وأدلة تدين الكثير من قيادات الحكم بمصر الآن، وهي متعلقة بكافة الأحداث الجسيمة التي وقعت عقب ثورة 25 يناير.

وحذر من أنه في حال المساس بالفريق عنان فسوف تظهر الوثائق الخطيرة التي يمتلكها ويحفظها مع أشخاص موثوقين خارج مصر.

من هو الطرف الثالث؟

على مدار أكثر من 7 سنوات كان “الطرف الثالث” المصطلح الأكثر بروزا على سطح الأحداث في مصر منذ اندلاع ثورة 25 يناير، وتحديدا الفترة الواقعة بين الثورة وأحداث 30 يونيو 2013 التي انتهت بإطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي.

هذا الطرف المجهول اتهم دوما بالتورط في الأحداث الدامية التي انحرفت بمسار الثورة بدءًا بأحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، وغيرها والتي نجح من خلالها هذا الطرف في الوقيعة بين مكونات الثورة.

وعن الأزمات التي تكشف أبعادها الوثائق التي يمتلكها عنان، أضاف: أزمات حقيقية مر بها المجتمع المصري منذ وقت 25 يناير، وصولاً لوقتنا هذا.. والمفاجأة أن تلك المستندات تكشف حقيقة الطرف الثالث الذي قام بالعديد من الجرائم السياسية بمصر عقب ثورة 25 يناير، ومنها اغتيال عماد عفت، وكذلك تكشف الحقيقة الخفية حول أحداث 30 يونيو، والجرائم التي تمت بعدها، وبمقولة واضحة عنان يملك مخزن أسرار بالمستندات والأدلة”.

“جنينة” قال نصا في حواره: “من حاول اغتيالي يتم استخدامهم منذ زمن، وبلا شك هو جهاز سيادي، وأصبح معلومًا للجميع من هو الطرف الثالث الذي كان يستخدم هؤلاء منذ زمن طويل”.

الجهاز السيادي قال أحد رموز تيار استقلال القضاء في مصر إنه يتحكم في وزارة الداخلية، فمن يا ترى هذا الجهاز الذي يستطيع السيطرة على وزارة بهذا الحجم؟

المخابرات الحربية في قفص الاتهام!

في أغسطس 2013، وتحديدا قبل يومين من فض اعتصام رابعة العدوية، كانت هناك تصريحات مثيرة للقيادي الإخواني محمد البلتاجي- المحبوس حاليا- بشأن هوية الطرف الثالث.

“البلتاجي” اعتبر أن “المخابرات الحربية (إدارة تابعة لوزارة الدفاع) هي الطرف الثالث، ومسؤولة عن مجازر وآلام المصريين، بالإضافة إلى أنها تدير وزارة الداخلية”.

وأضاف، في مقابلة تليفزيونية، أن “المخابرات الحربية تدير المشهد السياسي منذ 11 فبراير 2011″، مشيرًا إلى أنه كان يتردد على وزارة الداخلية منذ تولى منصور عيسوي المسؤولية وحتى وصول اللواء محمد إبراهيم للمنصب، عندما كان نائبًا في مجلس الشعب السابق وعضوًا بلجنة الدفاع والأمن القومي، ولمس تحكم المخابرات الحربية في الشؤون الأمنية للبلاد.

وتابع البلتاجي: “الطرف الثالث الذي ارتكب المجازر والآلام التي فجعت المصريين في ماسبيرو وبورسعيد أو مجلس الوزراء أو محمد محمود، والمسؤول عن هذا التنفيذ هو المخابرات الحربية”.

ليس هذا فحسب، بل شدد على أن “المخابرات الحربية هي المسؤولة عن مشكلات المصريين من انقطاع المياه والكهرباء، فضلا عن الاعتصامات التي كانت تشهدها البلاد”.

وبالربط بين تصريحات جنينة والبلتاجي، تقود المحصلة إلى أن حديث الأول عن “الجهاز السيادي” تنطبق على حديث الثاني عن المخابرات الحربية.

وما يلفت الأنظار أكثر ويقرب الصورة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية والاستطلاع خلال الجزء الأكبر من الفترة العصيبة التي تناولها حوار جنينة وألقى البلتاجي بالمسؤولية عن أحداثها الدموية على الجهاز، حيث كان مديرا للإدارة منذ يناير 2010 وحتى أغسطس 2012.

بئر الأسرار ومستقبل مصر

ومن بين الأجزاء الأكثر إثارة في حوار جنينة، ما كشفه بشأن امتلاك عنان لمستندات ووثائق من شأنها أن تغير طبيعة المشهد السياسي في مصر، وتزيل اللثام عن أسرار بقيت مخفية بشأن محاكمات قيادات الإخوان وتورط مسؤولين حاليين في قضايا عنف.

ورفض “جنينة” الإفصاح عن حقائق تخص قيادات بالدولة حاليا، واكتفى بالقول إنها “تخص الكثيرين”، مشيرا إلى أنه “لا شك بالفعل هناك الكثير من الحقائق التي لم يكشف عنها بعد، ولا أعتقد أن هذا أوان الكشف عنها”.

وكشف الحوار ما قال جنينة إنه نية عنان في حال فوزه بالرئاسة، حيث أكد أن ملف أحداث ما بعد ثورة 25 يناير، سيكون أول ملف يجري به محاكمة علنية وشفافة ومحايدة، ومن قضاة أكفاء مشهود لهم، وأنه أول من سيخضع لهذا التحقيق وسيقدم كل ما لديه من وثائق ومستندات لتتضح الحقائق المخفية عن الرأي العام.

الحقائق التي كشفتها الوثائق التي قال جنينة إنه اطلع عليها، غيرت له “كثيرًا من الصورة المخفية عن أشخاص كثيرين بالسلطة”.

لكن حدود وثائق ومستندات عنان لا تقف عند 30 يونيو 2013، بل تتخطاها وفق القيادي بحملته الرئاسية، الذي شدد على أن رئيس أركان الجيش الأسبق “لديه الكثير من الحقائق المخفية عن فترة ما بعد 30 يونيو”.

كما يمتد أثرها إلى إمكانية أن تغير في مسار المحاكمات الجارية بحق مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين الموصوفة بـ”السياسية”، حيث رأى “جنينة” أن تلك المستندات يمكنها أن “تدين أشخاصًا كثيرين”.

لكن الرجل ربط بين أن ترى تلك الوثائق النور، وأن يتعرض عنان لأذى أو تُمس حياته، الأمر الذي يعني أن ما حوته من حقائق ومعلومات في غاية الخطورة، بحسب وصفه، ستبقى مغيبة طالما كان عنان على قيد الحياة في محبسه، كما أنه استبعد أن يقبل عنان المساومة بين حريته والتنازل عن الوثائق.

ورغم أن الأمر يبدو منطقيا في امتلاك رجل بحجم الفريق سامي عنان لمثل تلك المعلومات الموثقة، إلا أن علامات الاستفهام تحيط بأسباب إخفائه لها طوال الفترة السابقة وإلى الآن رغم انكشاف نية نظام السيسي تجاهه بعدما قرر خوض الانتخابات الرئاسية.