جلال إدريس

لاتزال الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات تواصل جهودها لكشف ملفات الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها دولة “الإمارات” على المستوى المحلي والدولي، معتمدة في ذلك على شهادات وأدلة موثقة تحصل عليها الحملة من مصادر معنية.

لكن وفي إطار التصدي للانتهاكات الإماراتية بدأت الحملة منذ عدة أيام في إطلاق حملة حقوقية وإعلامية تطالب المجتمع الدولي بطرد “دولة الإمارات” من مجلس حقوق الإنسان؛ نظرا لأنها لا تحترم الحد الأدنى من تلك الحقوق لا في الداخل الإماراتي  ولا في خارجه.

في مقابل ذلك فقد بدأت دولة الإمارات وأذرعها الإعلامية في شن هجمات منظمة على هيئات الأمم المتحدة المعنيَّة بحقوق الإنسان، والمراكز والهيئات الحقوقية الدولية، التي تعمل على فضح الانتهاكات الإماراتية في اليمن وفي ليبيا وإفريقيا وفي الداخل الإماراتي أيضا.

العدسة ومن خلال التقرير التالي تحاول تسليط الضوء على بعض تلك الانتهاكات الإماراتية في الداخل الإماراتي وخارج حدودها، وتجيب على السؤال الأبرز، هل يمكن لحملات حقوقية دولية أن تقنع العالم في طرد الإمارات من مجلس حقوق الإنسان، طالما أنها لا تلتزم بالحد الأدنى لمعاييره؟

ما هو مجلس حقوق الإنسان؟

حقوق الإنسان… هي تلك الحقوق الواجب أن يكتسبها الإنسان بمجرد حضورة إلى الدنيا بغض النظر عن أي هوية أو مكان أو لون أو أصل عرقي أو لغة، بمعنى أن للإنسان أحقية في المساواة بينة وبين أي إنسان آخر حتى ولو كانت أوضاعهم مختلفة.

أما مجلس حقوق الإنسان فهو هيئة حكومية دولية داخل منظومة الأمم المتحدة مسؤولة عن تدعيم تعزيز جميع حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أرجاء العالم وعن تناول حالات انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها.

والمجلس لديه القدرة على مناقشة جميع القضايا والحالات المواضيعية لحقوق الإنسان التي تتطلب اهتمامه طوال العام. ويعقد المجلس اجتماعاته في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

والمجلس مؤلف من 47 دولة عضواً في الأمم المتحدة تنتخبها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد حل مجلس حقوق الإنسان محل لجنة الأمم المتحدة السابقة لحقوق الإنسان .

وتستند عضوية المجلس إلى التوزيع الجغرافي العادل. وتوزع المقاعد كما يلي: (الدول الأفريقية: 13 مقعداً – الدول الآسيوية: 13 مقعداً – دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: 8 مقاعد – دول أوروبا الغربية ودول أخرى: 7 مقاعد – دول أوروبا الشرقية: 6 مقاعد).

جانب من انتهاكات الإمارات في الداخل

وبرغم أن الإمارات هي إحدى الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان التابع للإمم المتحدة، إلا أنها تعد واحدة من أكثر الدول انتهاكا لملف حقوق الإنسان.

ولا تتوقف البيانات والتقارير الأممية بين الحين والآخر التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، وممارسات الدولة للانتهاكات خارج أراضيها.

أحدث التقارير الأممية التي انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، هو التقرير الأممي الصادر عن المفوضية الأممية المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والذي تم عرضه على المجلس في يناير الماضي، وواجه آنذاك انتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات، معربا عن قلقه من توثيق حالات اختفاء قسري، ومحاكمة نشطاء حقوقيين لتعبيرهم عن آرائهم، وتعذيب سجناء وظلم لعمال أجانب وتمييز ضد المرأة وتبعية القضاء للسلطات التنفيذية.

كما تحدث التقرير عن حالات اختفاء قسري وإيقاف أشخاص دون أمر توقيف وسجنهم في مرافق احتجاز سرية بمعزل عن العالم الخارجي، وأشار إلى معلومات وأدلة موثوقة تفيد بأن كثيرا من هؤلاء الأفراد تعرضوا للتعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة.

وأعرب التقرير الأممي عن أسفه؛ لأن قانون الإجراءات الجزائية لا ينص على حد أقصى للاحتجاز السابق للمحاكمة، وأشار إلى وقوع مخالفات في هذا الصدد تتعلق بحرمان المحتجزين من الاتصال بأسرهم خلال الاحتجاز السابق للمحاكمة.

وفيما يتعلق بالحريات الأساسية، أشار التقرير إلى محاكمة العديد من النشطاء تحت ذريعة الأمن القومي، ودعا إلى وضع حد لمضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان وترهيبهم واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير، وإلى الإفراج فورًا عن المدافع المشهور عن حقوق الإنسان أحمد منصور وأعربت مفوضية حقوق الإنسان عن تخوفها من أن اعتقاله انتقاما منه بسبب تعاونه مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وإعرابه عن آرائه في وسائل التواصل الاجتماعي.

جرائم أبو ظبي في اليمن

التقارير الأممية أيضا تفضح بين الحين والآخر الممارسات والانتهاكات الخطيرة التي تمارسها الإمارات في اليمن؛ حيث إن اليمن هي أحد أهم الدول المشاركة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لحرب الحوثيين في اليمن.

وفي يناير الماضي اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش السعودية والإمارات بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، محذرة من أن تراجع الحكومات المدافعة عن حقوق الإنسان يخلف فظائع جماعية.

وقالت المنظمة غير الحكومية- في تقريرها السنوي لعام 2018- إن الانتهاكات التي ارتكبتها السعودية والإمارات في اليمن يرقى بعضها إلى جرائم حرب.

وجاء في التقرير أن القوى الكبرى واصلت دعم التحالف العربي- الذي تقوده السعودية- المسيء في اليمن، حيث تعرض المدنيون لهجمات جوية وصفها بأنها غير شرعية، إضافة إلى الحصار.

وأضاف أن الحرب في اليمن والحصار الذي يفرضه التحالف العربي تسببا في تفشي الأمراض، وعلى رأسها الكوليرا وسوء التغذية الحاد، مشيرا إلى أن القوى الكبرى واصلت دعم التحالف رغم انتهاكاته.

ولفت التقرير إلى أن الإمارات تدير سجنين داخل اليمن بإشراف السلطات الإماراتية، يجري فيهما تعذيب السجناء والمختفين قسرا.

جرائم أبو ظبي في ليبيا

الإمارات متهمة أيضا وفقا لتقارير حقوقية دولية بارتكاب جرائم وانتهاكات تمس حقوق الإنسان في دولية ليبيا، حيث كشفت عدة تقارير دولية عن تورطها في عمليات تهريب البشر، بليبيا، والاستفادة من عائدتها.

وبحسب موقع “العربي الجديد”، فإن دلائل تشير إلى تورط الإمارات في دعم وتمويل تجارة البشر التي تشمل المهاجرين الأفارقة المارين في ليبيا.

ونقل الموقع على لسان مسؤول رفيع المستوى بجهاز الهجرة غير الشرعية في ليبيا، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية المعلومات التي أدلى بها، فإن “الإمارات ليست السلطات الوحيدة المتورطة في هذه التجارة، فهناك دول أخرى، لكن الأهداف تختلف، فمنها الحصول على العمالة الرخيصة عبر تسهيل وصول المهاجرين إلى دول أوروبية، ومنها سياسية كتمويل الإمارات وغيرها لهذه الأنشطة”.

وأشار المسؤول الليبي إلى أن التحقيقات مع المهاجرين بمراكز الإيواء تثبت أن قبيلة تعرف باسم الرشايدة في إرتيريا هي المسيطرة على هذه التجارة.

وتابع قائلًا: “الوثائق لدينا ومن بينها اتصالات هاتفية تم اعتراضها تثبت وقوف سلطة أبوظبي وراء تشجيع ودعم أسماء خطرة يعملون كمهربي بشر، من بينهم رجل يدعى “كحاس” من بلدة “عدي خالا”، وآخر يدعى “أبوحمدي”، يعيش في كسلا، وثالث اسمه “ودي تولدي”، وهو إثيوبي”.

وعن شكل التمويل والدعم الذي تقدمه الإمارات لهؤلاء المهربين، قال المسؤول: “من قبيل تزويدهم بسيارات النقل الصحراوية الحديثة التي قبض على الكثير منها وكذلك التسليح، فشبكات المهربين لا تقتصر على تهريب البشر فقط إنما لها أنشطة أخرى”.

 

وحول الأسباب السياسية للإمارات لدعمها الاتجار بالبشر، رجّح البعض أن تكون أبوظبي تعمل على تشجيع “الهجرة باتجاه دول بعينها في أوروبا، كي تستخدمها كورقة ضغط على هذه الدول، وتحقيق مآرب سياسية.

دور مشبوه في إفريقيا

وفي مطلع فبراير الجاي، لوحت عدد من الدول الإفريقية في قمتها بأديس أبابا، عن إمكانية رفع شكوى إلى الاتحاد الإفريقي، ضد دولة الإمارت العربية المتحدة، بسبب نشاطها المتنامي في الصومال والقواعد العسكرية في إريتريا.

واتهمت الإمارات بتقويض الوضع في الصومال، ومساندة أقاليم بهدف التمرد على رئيس البلاد نتيجة مواقفه من أزمة الخليج، وذلك على هامش انعقاد القمة الإفريقية الـ30 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وبحثت القمة الـ 30، ملفات رئيسية أبرزها ملف التطرف والإرهاب بالقارة وسبل مكافحته، والنزاعات وعدم الاستقرار في كل من الصومال وجنوبا لسودان وليبيا، تحت شعار “الانتصار في مكافحة الفساد.. نهج مستدام نحو التحول في إفريقيا”.

وبحسب وكالة “أسوشيتد برس“، في تقرير لها في سبتمبر الماضي، فإن دولة الإمارات تحاول بسط نفوذها في شرق إفريقيا عن طريق إنشاء قواعدعسكرية لها في الصومال وإريتريا.

وكانت قناة معهد “ستراتفور” الأمريكي نشرت قبل أشهر تقريرا يتضمن صورا للأقمار الاصطناعية تبين توسع الإمارات في القرن الإفريقي.

وكشفت الصور عن قاعدة عسكرية جوية وميناء بحري تستخدمهما القوات العسكرية الإماراتية باليمن، وهو الأمر الذي يمنحها أيضا سيطرة على خليج عدن وشرق إفريقيا على المدى البعيد.

حصار قطر

الحصار الضاري الذي تفرضه الإمارات بالتحالف مع (السعودية ومصر والبحرين) ضد دولة قطر، يعد ملفًا خطيرا ترتكب فيه الإمارات انتهاكات كبيرة في ملف حقوق الإنسان.

وكانت البعثة الفنية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قد أكدت في تقريرها الخاص بالأزمة الخليجية على حقوق الإنسان، أن الأثر الاقتصادي الذي خلفته الأزمة الخليجية الراهنة يماثل ما تخلفه الحروب الاقتصادية، حيث جاءت مصحوبة بخسائر مالية كبيرة لحقت بدولة قطر وبالشركات وكذلك الأفراد، بالإضافة إلى تآكل وضياع ثقة المستثمرين.

وأوضحت في تقريرها حول تأثير الأزمة الخليجية على حقوق الإنسان، أن معظم الحالات المتضررة من الوضع الحالي تبقى دون حل، ومن المرجح أن يظل تأثير الأزمة مستمرًّا بالنسبة لهؤلاء الضحايا، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين عانوا من الانفصال والفُرقة الأسرية، أو الذين خسروا وظائفهم، أو أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى أصولهم وممتلكاتهم.

وخلص الفريق الأممي في التقرير الذي تضمن 7 عناصر شملت التأثيرات المتنوعة لحصار قطر على مختلف القضايا الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى أن التدابير التعسفية المنفردة التي تتألف من قيود شديدة على حركة التجارة، وفسخ وتعطيل المعاملات والتبادلات التجارية والتدفقات المالية والاستثمارية، فضلا عن تعليق التبادلات الاجتماعية والثقافية، من شأنها أن تخلف أثارا وخيمة على تمتع الأشخاص المتضررين بحقوق الإنسان وبالحريات الأساسية.

هل يمكن طرد الإمارات بالفعل؟

بعد رصد الانتهاكات الدولية والمحلية التي تمارسها حكومة أبو ظبي، بقي السؤال قائما، هل يمكن أن تمثل تلك الانتهاكات دافعا أساسيا لتحريك الطلبات المنادية بطرد الإمارات من مجلس حقوق الإنسان؟

وفي هذا الإطار تنقسم آراء المراقبين إلى قسمين، الأول يرى احتمالية بطرد الإمارات بالفعل والآخر يرى صعوبة ذلك.

ويرى أصحاب الاحتمال الأول أن الأمر يتوقف على قدرة ونشاط الحملات الدولية المناهضة للإمارات، كالحملة الدولية لمقاطعة الإمارات وغيرها من الحملات، في جمع أكبر قدر من الانتهاكات الإماراتية وتوثيقها والتشهير بها في جميع المحافل الدولية، وهو ما يمكن أن يشكل عامل ضغط قوي على الاستجابة لمطلب طرد الإمارات من مجلس حقوق الإنسان.

فيما يرى آخرون صعوبة ذلك، خصوصا وأن الإمارات تتمتع بـ”لوبي قوي” تتمدد فروعه في دول أوروبا وكثير من بلدان العالم، وتستغل الإمارات هذا اللوبي، في تشويه الدول المخالفة لسياسيات أبو ظبي، تماما كما تفعل “الإمارات حاليا” مع حكومة قطر.

أيضا فإن الإمارات تتمتع بعلاقات قوية مع أمريكا من خلال سفيرها بواشنطن يوسف العتيبة والذي يعد بمثابة مستشار للإدارة الأمريكة، كما أن اللوبي الصهيوني داعم وبقوة للإمارات بفضل العلاقة القوية بين إسرائيل والإمارات.

ومن هذا المنطلق فإن مراقبين يرون صعوبة طرد الإمارات من مجلس حقوق الإنسان، حيث يمكن أن يكتفي مجلس حقوق الإنسان بإصدار بيانات تدين الإمارات دون أن يتم طردها حقيقة من المجلس.