العدسة – معتز أشرف

فجرت تصريحات المستشار هشام جنينة -الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، والرجل الثاني في حملة المرشح الرئاسي المعتقل الفريق سامي عنان، قبل بدء ملاحقته ومحاسبته- دويا هائلا قد ينتهي بمفاجآت تقضي علي مستقبل الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي، أو ببقاء القبضة الحديدية كما هي والتستر علي الحقائق، خاصة وأن القاضي الذي تصدر المشهد السياسي في الفترة الأخيرة تعرض لمحاولة اغتيال تورط فيها جهاز العمليات القذرة، بحسب ما تواترت به الأنباء، ما يجعل حديثه ذا ثمنٍ غالٍ يجب التوقف عنده وفتح الصندوق الأسود لثورة أقسم الديكتاتور المصري ألا تعود مرة أخرى!، والذي احتوى على دماء مهدرة وفساد مالي واسع!.

تقرير تقصي الحقائق

في مطلع يناير 2013، كانت تسريبات بدأت تنطلق للتقرير الأهم للثورة، الذي ظل يخشاه السيسي حتى الآن، ودفعه ضمن أسباب كثيرة للإطاحة برئيسه الدكتور محمد مرسي، وهو تقرير تقصي الحقائق عن ثورة 25 يناير الذي استمر إعداده نحو 6 أشهر، عن طريق جمع 17 لجنة، لأحداث الثورة في الفترة ما بين 25 يناير 2011، وحتى 30 يونيو 2012، والذي خرج بإثبات تورط الداخلية والجيش في إطلاق النار الحي والخرطوش على المتظاهرين، ورفض بعض الجهات السيادية والتليفزيون تقديم ما لديها من أدلة حول حوادث قتل المتظاهرين، وتحدث عن تسبب الغاز الذي أطلقته الداخلية ،في أحداث محمد محمود، في مقتل البعض بالاختناق لإطلاقه بشكل مخالف للقواعد المعمول بها، كما أكدت أن السيسي تورط في سفك دماء الثوار، إبان أحداث ثورة 25 يناير، حين كان يرأس وقتها المخابرات الحربية، وأن عناصر من المخابرات الحربية كانت تنتشر في ميدان التحرير، وأشار التقرير صراحة إلى أن عناصر من المخابرات الحربية والشرطة دخلوا أحد الفنادق في محيط ميدان التحرير ومعهم أسلحتهم وحقائب مغلقة، واحتلوا غرفًا مطلة على ميدان التحرير طوال فترة أحداث الثورة، وأوصت اللجنة بالتحقيق معهم، ما يعني أن السيسي كان يقوم بنفسه بتوجيه عناصر المخابرات الحربية، لارتكاب جرائم القتل ضد المتظاهرين، والتي كانت غالبًا ما تنسب إلى ما يسمى إعلاميًّا بـ”الطرف الثالث”، فضلًا عن عناصر من أفراد الداخلية الذين انتشروا في جميع أنحاء الجمهورية لتنفيذ الأوامر الصادرة بمنع المظاهرات.

وأشارت الوثائق التي تجاهلها قضاة التحقيق، إلى أن الداخلية استخدمت أسلحة وذخائر محرمة دوليًّا، كما ظهر من دفاتر حركة الذخيرة بتاريخ 26 يناير 2011، وأكدت إدانة إسماعيل الشاعر، مدير أمن القاهرة السابق، وإشرافه بنفسه على عمليات القتل التي جرت ضد الثوار في ميدان التحرير وعدد آخر من الأماكن، حتى انسحاب الشرطة من الشوارع في يوم 28 يناير 2011، كما ذكرت الوثائق أيضًا، أن عناصر من أمن الدولة المنحل، تورطت في جرائم القتل بشكل مباشر، وأن الشرطة سيطرت على المستشفيات الحكومية، وكانت تقوم باحتجاز بعض الثوار المصابين، وأظهرت كذلك تستر قيادات اتحاد الإذاعة والتليفزيون على جرائم القتل؛ حيث قاموا بإتلاف التسجيلات الخاصة بأحداث الثورة، وعدم تقديمها لجهات التحقيق.

التقرير النهائي للجنة احتوى على 800 ورقة، وسُلم من الدكتور محمد مرسي للنائب العام وقتها المستشار طلعت إبراهيم، في 10 يناير 2013، والذي اجتمع بدوره مع أعضاء اللجنة، وأكد وقتها المستشار عمرو فوزي، أن تقرير اللجنة سيتم التعامل معه على أنه بلاغ، وفقًا لقانون حماية الثورة الذي كان الرئيس قد أصدره، ولقي معارضة شديدة من جانب الإعلام وبعض الحركات والنشطاء.

خوف واضح

من جانبه، قال المهندس ياسر صديق، القيادي في مجلس أمناء الثورة، في تصريحات خاصة لـ(العدسة)، أنه أثناء انعقاد اجتماع للنقابيين في مصر مع الرئيس مرسي في يناير 2013، طلبت الكلمة من سيادته بصفتي عضو المكتب التنفيذي لمجلس أمناء الثورة، وقلت إنه يوجد العديد من أعضاء المجلس العسكري المفترض أن يلبسوا “البدلة الحمراء” (في إشارة إلى الإعدام) من خلال المعطيات والقرائن المتوافرة في التقرير، فرد سيادته نصيًّا أنه أحال الملف فور استلامه للنيابة العامة لاتخاذ اللازم؛ حتى لا يكون هناك تداخل بين السلطات، وتأسيسا لمبدأ استقلالية القضاء، ودون التدخل من الرئاسة” .

“صديق” أكد أنه ود. صفوت حجازي، الأمين العام لمجلس أمناء الثورة (محبوس حاليا بسجن العقرب) وفريق من مجلس الأمناء قاموا بعمل لجنة تقصي حقائق خاصة بالمجلس، في أحداث محمد محمود، ولقاءات مع أطباء بمستشفي القصر العيني، ووصلنا إلى تورط المخابرات الحربية والشرطة العسكرية في الجرائم، وأن القتلى الذين سقطوا في الأحداث استهدفوا بمسدسات قريبة لا تزيد عن متر أو متر ونصف، ومن أسفل إلى أعلى، وآثار البارود كانت لا تزال في أجساد القتلى، فيما أوضح “صديق” أن السيسي يخشى ملاحقة الثورة له، وأنه اعتقل معظم القيادات الميدانية لميدان التحرير، كالدكتور صفوت حجازي، والدكتور أسامة ياسين، والدكتور محمد البلتاجي، الذين كانوا شاهدين علي جرائم الجيش والشرطة في ثورة 25 يناير، ولم يسكتوا علي ما تم.

تأكيدات مرسي

وظل السيسي خائفا من حديث مرسي، حتى جاء يناير 2015، وتحدث الدكتور محمد مرسي، وحمل السيسي والمجلس العسكري المسؤولية عن أحداث القتل التي وقعت خلال ثورة يناير 2011، مؤكدا خلال كلمة له، خلال نظر المحكمة في قضية “التخابر” مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في يناير 2015، أن “الدماء التي أريقت بعد ثورة 25 يناير وحتى تولي الرئاسة.. المجلس العسكري وقائد الانقلاب الحالي هما وراءها”، في إشارة إلى السيسي، وأضاف في كلمته من القفص الزجاجي، أن الإخوان المسلمين أبرياء من أحداث العنف التي شهدتها البلاد خلال الفترة الانتقالية، وأن تقرير تقصي الحقائق الذي صدر يوم 31 ديسمبر 2012، حمل شهادات مديري الفنادق بميدان التحرير، وأكد أن هناك أشخاصًا احتلوا مباني بالميدان، وكانوا يحملون “كارنيهات” جهات سيادية يترأسها قائد الانقلاب، والتقرير تم تسليمه إلى النائب العام طلعت عبد الله، ولم ينظر إليه حتى الآن.

وردًّا على سؤال من القاضي عن سبب عدم القبض على المتهمين، قال مرسي: “كنت حريصا على المؤسسات التي ينتمي إليها هؤلاء المدانون، وكنت أريد أن تتم محاكمتهم بشكل قانوني دستوري عن طريق القضاء، مشيرًا إلى أنه قام بتغيير قيادات الجيش خلال توليه الحكم للمحافظة على المؤسسة العسكرية، في إشارة إلى تغييره المشير محمد حسين طنطاوي وقيادات بالمجلس العسكري، الذي أدار الفترة الانتقالية بعد ثورة يناير وحتى أواخر يونيو 2012.

الفساد المالي

الفساد المالي المخفي، أحد أهم الأسرار التي يحرص السيسي علي إخفائها، ولكن لوجود المستشار هشام جنينة علي سدة منصب الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي لديه كشف بحسابات الجيش والرئاسة، كان للسيسي رأي آخر، واستخدم معه كافة الأساليب بداية من الإطاحة به من منصبه بالمخالفة للقانون، ثم إحالته للمحاكمة، وصولا إلى الاعتداء عليه عن طريق أجهزة السيسي بحسب اتهام جنينة ذاته، وصولا إلى القبض عليه عن طريق النيابة العسكرية التي يرأسها السيسي بحكم كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.

وقال “جنينة” بوضوح في وقت سابق: ” إنه تقدم بكافة التقارير لمؤسسة الرئاسة في عهدي الرئيس السابق عدلي منصور، والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، دون أي إجراء أو حتى رد، وكشف أنه توجه للنائب العام السابق المستشار هشام بركات، لفتح تحقيقات في تقارير الفساد التي توصل إليها، ولكن دون جدوى، لدرجة أن رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، حاول عقد جلسة لجمع المستشارين معًا، ولكنه أيضًا فشل”، مضيفًا أن حجم الفساد في مصر “شرس، وكبير جدا، ووصل لـ 600 مليار جنيه،خلال عام 2015.