العدسة – إبراهيم سمعان

منذ اندلاع الثورة التي تحوّلت فيما بعد إلى حرب أهلية، دأبت إسرائيل بشكل مستمر على شن غارات جوية وقصف مدفعي ضد أهداف في سوريا تحت حجج مختلفة، والتي كان آخرها هذا الأسبوع بعد إسقاط المقاتلات الحربية السورية طائرة حربية للاحتلال من طراز أف 16.

الضربات الإسرائيلية تأتي وسط صمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الداعم الرئيسي للنظام السوري والذي كان تدخله أهم الأسباب الحاسمة لبقاء بشار الأسد حتى الآن، فما هي الأسباب التي تجعل سيد الكرملين يغض الطرف على تدخل إسرائيل؟ هذا السؤال حاول موقع “Le Saker Francophone” الناطق بالفرنسية الإجابة عليه.

وفيما يلي مقتطفات من تقرير الموقع ..

تحت عنوان “إسرائيل تواصل قصف سوريا ولا أحد يفعل شيئا” نشرت صحيفة “إنفورماشين كلارينج هاوس” مؤخرا مقالا للكاتب داريوس شاهتاسماسيبي، وعلى أثرها تلقينا رسالة إلكترونية من قارئ يسأل: بوتين يسمح لإسرائيل بقصف سوريا. لماذا؟ أشعر بالقلق من تصرفات بوتين – هل يدعم بهدوء الكيان الصهيوني؟

في حين يتساءل داريوس شاهتاسماسيبي في مقاله عن سبب عدم قيام العالم بأي شيء لوقف الإسرائيليين (لماذا لم ترد إيران وسوريا أو حزب الله في لبنان مباشرة؟)، كان القارئ أكثر تحديدا وتساءل لماذا بوتين (أو روسيا) على وجه الخصوص.

وفي الواقع كثيرا ما أرى هذا السؤال في رسائل البريد الإلكتروني وفي التعليقات، لذلك أردت التعامل مع هذه القضية، لكن أولا، نحن بحاجة إلى النظر في بعض الافتراضات الهامة التي ينطوي عليها هذا السؤال. وهذه الافتراضات هي:

– ماذا يمكن لروسيا أن تفعله لوقف الإسرائيليين.
– هل يجب على روسيا (أو هي ملزمة أخلاقيا) القيام بشيء ما.

بالنسبة للافتراض الأول، كيف؟ أعتقد أن قائمة الخيارات واضحة جدا. تتراوح الخيارات الروسية بين العمل الدبلوماسي (مثل الاحتجاجات والإدانات الخاصة والعامة، ومحاولات إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي) إلى توجيه العمل العسكري (إسقاط طائرة إسرائيلية).

لكن روسيا لا تريد إقحام نفسها في أي صراع، كما حدث عندما أسقط الأتراك سو-24، إذ لم يرد الروس على الأتراك، وبالتأكيد لن يهاجموا الإسرائيليين عندما يضربون هدفا غير روسي.

نعم، يمكن لروسيا إيقاف هجوم إسرائيلي واحد أو أكثر، لكن إذا قرر الإسرائيليون شن حملة جوية مستمرة ضد أهداف في سوريا، فلا يوجد ما يستطيع الروس القيام به ما لم يدخلوا في حرب مع إسرائيل، حتى هنا أيضا يوجد مبدأ استراتيجي: عدم الرغبة في بدء عملية تصعيد لا يمكن السيطرة عليها ولا الفوز بها.

أما بالنسبة للفرضية الثانية، لماذا يعتقد كثيرون أنه يجب على روسيا حماية شخص ما في أي مكان على هذا الكوكب؟ ما هي هي آخر مرة قدم فيها أي شخص مساعدة لروسيا؟ أنا لا أتذكر أن أي شخص في الشرق الأوسط قدم الدعم لروسيا في الشيشان، جورجيا، أو في أوكرانيا!.

كم عدد بلدان الشرق الأوسط التي اعترفت بأوسيتيا الجنوبية أو أبخازيا؟ أين كانت هذه البلدان عندما فُرضت على روسيا عقوبات أو انخفض سعر النفط؟ كيف أعرب “أصدقاء” روسيا عن دعمهم، على سبيل المثال، في دونباس أو شبه جزيرة القرم؟

كيف تريد بلدان الشرق الأوسط من روسيا، التي تتصارع مع كتلة من المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية الخاصة بها، تفعل أكثر مما يفعله الجيران المباشرون لسوريا؟

دعونا نتذكر شيئا يجب أن يكون واضحا للجميع: التدخل الروسي في سوريا كان كارثة مطلقة وكاملة لإسرائيل، ومع ذلك، فإن السياسة الروسية في الشرق الأوسط (أو في أي مكان آخر) لا تعني على الإطلاق أن موسكو يمكنها ببساطة تجاهل القوة الحقيقية للإسرائيليين، ليس فقط بسبب أسلحتهم النووية ولكن أيضا بسبب سيطرتهم الفعلية على الولايات المتحدة.

العلاقة بين روسيا وإسرائيل معقدة جدا ومتعددة الطبقات، ولا يوجد شيء بين هذين البلدين، إما أسود أو أبيض. فمن ناحية، هناك لوبي قوي مؤيد لإسرائيل في روسيا، وقد أضعفه بوتين على مر السنين، ويستطيع أن يفعل ما يجب عليه القيام به للنهوض بالمصالح الروسية، دون إثارة أزمة سياسية داخلية أو خارجية. هذا هو السبب في أن الروس يفعلون أشياء معينة، ولكن بهدوء.

وباختصار الروس لن يعارضوا بشكل مباشر الإسرائيليين، ولكن ما سيفعلونه هو تعزيز القوات السورية وإيران وحزب الله بهدوء، وهو ليس أكثر أمانا لهم فحسب، بل أيضا أكثر فعالية.