العدسة – منصور عطية

الجميع كان يدرك أن المواقف الأردنية المتراجعة بشأن القدس والقضية الفلسطينية ككل خلال الأسابيع الأخيرة ليست بلا مقابل، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية على وشك تسديد المكافأة، بمعزل عن برنامج المساعدات الذي تقدمه لعمّان منذ توقيع اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل عام 1994.

وفقًا لسجلات “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID“، فإن 20 دولة عربية تلقت الدعم عام 2016، وحل الأردن في المرتبة الثالثة بين تلك الدول الـ20 حيث حصل على 1.21 مليار دولار، مالت نسبيًا لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري.

ترامب يكافئ الأردن!

وكالة “رويترز” للأنباء نقلت عن مسؤول أردني قوله إن بلاده ستحصل على تعهد بمساعدات مالية أمريكية لخمس سنوات أخرى، وذلك في مذكرة تفاهم من المقرر توقيعها في العاصمة عمان خلال زيارة يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه لأن التفاصيل غير معلنة رسميا بعد، إن المذكرة الجديدة توفر ما لا يقل عن 1.275 مليار دولار سنويا بدءا من 2018.

ويبدو أن حزمة المساعدات الأمريكية المرتقبة للأردن تأتي كمكافأة على مواقف عمان المساندة للتوجهات الأمريكية حيال القضية الفلسطينية، خاصة في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.

قبل أيام فقط كان الشاهد الأبرز على تلك المواقف، حيث أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في تصريحات متلفزة من المنتدى الاقتصادي في دافوس أن دور الولايات المتحدة “يبقى ضروريا لأي أمل بحل سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين”، وقال: “لا يمكن أن تكون لدينا عملية سلام أو حل سلمي بدون دور الولايات المتحدة”.

التصريحات تضمنت عبارات صادمة تهدم الموقف الأردني الصلب في أعقاب القرار الأمريكي بشأن القدس؛ حيث اعتبر أن “هذا الواقع (لا سلام بدون دور أمريكي) يبقى حقيقيا حتى بعد قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس..”.

وعلى الرغم من الموقف الفلسطيني المعلن والرافض لوساطة أمريكا في عملية السلام، قال الملك عبدالله: “أنا أود أن أتمهل في إصدار الأحكام، لأننا ما زلنا ننتظر من الأمريكيين أن يعلنوا عن خطتهم (للسلام)”، في إشارة واضحة لما يسمى إعلاميا بصفقة القرن.

وتابع: “أعتقد أن علينا أن ننظر إلى الجانب الملآن وأن نعمل جميعا معا إذا أعلن البيت الأبيض عن خطة سلام”، مضيفا: “أما إذا تبين أنها ليست خطة جيدة (…) فلا أعتقد أن لدينا خطة بديلة عنها في هذه المرحلة”.

ضغوط كشفت الحقيقة!

التراجع الذي شكلته تصريحات العاهل الأردني لم تكن الأولى من نوعها على خط أزمة القدس، بل سبقه تراجع آخر في يناير الماضي، أكد خلاله الملك عبدالله أن القدس “ليست مسؤولية الأردن وحده، بل مسؤولية مشتركة مع المجتمع الدولي”، وأن “مصلحة بلاده فوق كل الاعتبارات”.

تصريحات ملك الأردن جاءت على هامش لقاء حواري في عمان نقلت منه صحف إلكترونية ومواقع مقربة من السلطات عن الملك قوله إن “أجندة الدول العربية متباينة من حيث الأولويات والاستراتيجيات”.

ومن أبرز ما نُقل عن الملك عبدالله الثاني خلال تلك الجلسة قوله إن “القضية الفلسطينية يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي وليس الأردن وفلسطين”، كما أكد أيضًا أن “المصالح الأردنية في ظل الوضع القائم حاليًا فوق كل الاعتبارات”.

وشدد العاهل الأردني على أن بلاده “لا تستطيع التعامل وحدها مع استحقاقات الوضع المؤسف حاليًا وإن كانت ستقوم بواجبها ودورها”.

وفي 30 يناير الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، إعادة فتح سفارة بلادها في الأردن تدريجيا، بعد أشهر من الإغلاق على خلفية حادث مقتل 3 أردنيين على يد حارس أمن بالسفارة.

المثير أن تلك التراجعات جاءت بعد موقف أردني شعبي ورسمي قيل حينها إنه الوحيد بين جيرانه العرب الذي يبقي على القدس وفلسطين كقضية مركزية ويضعها في مقدمة أولوياته، في أعقاب القرار الأمريكي، إلى حد الحديث عن شعور بالعزلة يعاني منه الأردن وسط محيطه العربي والإسلامي.

وبقدر ما كشفه التراجع من حقيقة الموقف الأردني، بقدر ما أزاح الستار عن ضغوط ربما اضطرت معه عمان إلى تخفيف حدة مواقفها تدريجيا وصولا إلى مرحلة التماهي مع موقف واشنطن.

تلك الضغوط لم تكن مجرد تحليلات سياسية أو استنتاجات بل باعتراف رسمي من رأس السلطة بالمملكة الهاشمية، ففي أواخر يناير الماضي اعتبر الملك عبدالله أن جزءا من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها بلاده يعود إلى الضغط المطبق عليها بسبب مواقفها السياسية، وقال إن “رسائل وصلتنا مفادها امشوا معنا في موضوع القدس ونحن نخفف عنكم”.

السعودية حاضرة في الأزمة

وليس بعيدا عن الضغوط الأمريكية، فإن ثمة ضغوطا أخرى أكثر حدة مارستها كل من السعودية والإمارات لدفع الأردن نحو هذه التراجعات، بعد أن فضح موقفه المبدئي الموقف السعودي المهترئ من أزمة القدس، وتجلت مظاهر الأزمة بين البلدين في محاولة الانقلاب الفاشلة التي أحبطها ملك الأردن.

فبعد القرار الذي أصدره العاهل الأردني بإحالة كل من: أخويه الأمير فيصل بن الحسين والأمير علي بن الحسين بالإضافة إلى الأمير طلال بن محمد، إلى التقاعد من الخدمة في القوات المسلحة، نقلت صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” العبرية عن مصادر، قولها إن الأجهزة الاستخباراتية الأردنية رصدت اتصالات بين شقيقي الملك عبدالله وابن عمه مع مسؤولين في السعودية والإمارات لتنفيذ انقلاب ضد الملك، مشيرة إلى أن الأمراء الثلاثة تم وضعهم حاليًا تحت الإقامة الجبرية.

وقال موقع “بريتبارت نيوز” الأمريكي إن الأمراء الثلاثة، “كانوا يتآمرون مع قادة سعوديين لتنفيذ انقلاب ضد الملك عبد الله”، كما أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سعى للضغط على الملك عبدالله لتجنب حضوره اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بشأن القدس في مدينة “اسطنبول”.

صحيفة “هآرتس” العبرية، قالت إن العلاقات الأردنية السعودية يشوبها الكثير من التوتر، بسبب سياسات وإجراءات ولي العهد السعودي، الذي يسعى إلى تجريد المملكة الهاشمية من الهيكل الحاكم لها.

وأوضحت في تقرير لها أن مسؤولا أردنيا، لم يكشف عن هويته، اشتكى في نوفمبر الماضي من طريقة تعامل ولي العهد السعودي مع الأردنيين والسلطة الفلسطينية، وأشارت إلى أنه يتعامل معهم كأنهم “خدم وهو السيد الذي عليهم أن يتبعوا ما يأمر به فقط، وهو ما رفضته الأردن بصورة قاطعة”.

من جانبه، نقل موقع “ديبكا” الاستخباراتي الإسرائيلي، عن مصادر عربية تأكيده أن الملك عبد الله أثار غضب القادة السعوديين والإماراتيين بإقامته علاقات وثيقة مع تركيا وقطر.

ووصل الصدع إلى ذروته باعتقال الملياردير الأردني الفلسطيني، صبيح المصري، وطالب الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي من العاهل الأردني أن ينفصل عن الحلف التركي القطري مقابل الإفراج عن المصري، الذي شكلت عملية احتجازه ضربة قوية للاقتصاد الأردني، قبل أن يفرج عنه لاحقًا.