العدسة – معتز أشرف
لم يكن الشاب عمر الديب، الذي صنفته كتابات متواترة بالانتماء إلى إخوان مصر، الفريسة الأولى لشباب التيارات السياسية المصرية بكافة تنوعاتها، التي تسقط -بحسب ما راج- في مصيدة حركات العنف المسلح التي ترفضها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الليبرالية واليسارية والسلفية المعتدلة في مصر، فقد سبقه على الطريق المرفوض اجتماعيا ودينيا وسياسيا شباب من تيارات عديدة كحركة 6 أبريل وأنصار البرادعي، بل من داخل المؤسسة العسكرية في مصر ذاتها، وفق مخطط قاده الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي وجهازه الأمني المفضل “الأمن الوطني”؛ للحيلولة دون استمرار المسار الديمقراطي السلمي، ولكسب تعاطف لحرب تدشن في مصر على حدودها الشرقية المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة، تحت لافتة محاربة التطرف والإرهاب.
هدف سياسي!
بحسب ما أعلن تنظيم “داعش” المتطرف في سيناء في إصداره المرئي الأخير، فإن عمر إبراهيم الديب، كان عضوًا بخلية إرهابية تابعة للتنظيم، أرسلها إلى القاهرة بهدف تنفيذ عمليات عنف، وهي المرة الأولى التي يعترف فيها التنظيم بتبعية خلية إرهابية بالقاهرة له، من بعد الخلية المعروفة إعلاميا بـ”تفجيرات الكنائس”، وهي القصة التي راجت في مواقع النظام المصري والمحسوبة على جهاز الأمن الوطني، حيث شهدت تلك المواقع تغطية متقاربة في العناوين والمضامين والمحتوي، تتحدث عن اعتراف والد عمر الدكتور إبراهيم الديب، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، بسرقة “داعش” لابنه، رغم أنه أكد أن ابنه عمر إبراهيم الديب (23عام) توفي يوم 9/9/2017 ، بقرار نيابة أمن الدولة رقم 79 لسنة 2017 أمن دولةــ كما جاء بتصريح الدفن المؤرخ بتاريخ 12/9 / 2017- والمدفون 13 /9 /2017، بمدافن العائلة بالمنصورة بعد نقل جثمانه من مشرحة زينهم بالقاهرة، إلى المنصورة، الساعة الواحدة ليلا، ليتم الدفن بحضور أفراد العائلة فقط قبل فجر اليوم التالي.
ولفت د. إبراهيم الديب الانتباه إلى توقيت عرض الفيديو، وطريقة إعداده، والتي تكشف إقحام تسجيل ابنه عمر الديب وما تلاه من كلمات بالفيديو، بطريقة غير معتادة؛ ما يوحي بإعداد هذا الفيديو وعرضه في توقيت محدد، لتحقيق أهداف سياسية محددة، مؤكدًا أن ابنه ضحية وفاجعة كبرى، ونموذج لجيل كامل من خيرة شباب مصر، الذي بات ضحية كبرى للنظام الانقلابي، الذي تسبب في كل هذه الدماء، وكذلك ضحية لمخططات دولية كبرى تدار لأجل حرمانها من رياح التغيير الديمقراطي والتنموي لشعوب المنطقة، والعمل على تفكيك المنطقة وإضعافها في نماذج من الدول الفاشلة الفقيرة، أشباه الدول، لحساب المشروع الصهيوأمريكي، حيث يسرق منه حلمه في الحرية والتنمية ونهضة مصر وتقدمها كبقية دول العالم، إلى ما تستحق من مكانة متقدمة بين الأمم، كما سرق منه حلم وإنجاز ثورة يناير 2011، كما سرقت منه بعدها إرادة الشعب المصري، بعد أشرف وأفضل انتخابات نيابية ورئاسية عرفتها مصر والمنطقة، وأفضل دستور أنتجه المصريون لإدارة شؤونهم، وبعد ذلك يتعرضون لصدمة الانقلاب العسكري الغاشم، ثم صدمات المذابح المتتالية، ثم صدمات أحكام الإعدامات بالجملة، والتنفيذ المجنون لها، ثم صدمات القتل بالجملة خارج القانون، ثم صدمات الإخفاء القسري الحقيقي لعشرات ومئات الشباب، وقد أصر النظام الانقلابي على سد كل منافذ التواصل والعمل لإصلاح مصر.
6 أبريل
ولم يكن الشباب الذين يوصفون بالانتماء إلى الإخوان المسلمين وحدهم جرحى في شباك العنف والتطرف، فقد كان المخطط واضحًا من البداية في جر كل الاتجاهات الشبابية التي شاركت في الثورة إلى مستنقع العنف بحسب المراقبين، وكانت حركة 6 أبريل ضحية لهذا المخطط، حيث اتهم شباب منها بالانخراط في “داعش”، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر»، صورة لناشط سابق بحركة حركة 6 أبريل، يدعى عمر مصطفى، وقالوا إنه لقي مصرعه في ليبيا، عقب انضمامه لتنظيم «داعش»، وقال نشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي، إن الحركة فوجئت بسفره إلى سوريا وانضمامه للجماعات الجهادية، ثم فوجئت بمصرعه في ليبيا، وانضمامه لـ«داعش».
كما شهدت أورقة المحاكم في عهد السيسي العديد من شباب 6 أبريل المتهمين بتبني أفكار “داعش”، ومنهم الشاب ممدوح صفوت العضو بحركة 6 أبريل، والعضو في حزب غد الثورة، الذي اتهم بالانتماء لفكر”داعش”، عبر إدارة صفحة تُسمى «القبطي الأسود»، حيث عاقبته محكمة جنح عابدين، بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 50 ألف جنيه، في القضية رقم 4687، لاتهامه بإدارة صفحة على موقع التواصل الاجتماعي تبث أفكارًا متطرفة هدفها استباحة دماء ورجال الشرطة والجيش.
البرادعي أيضًا!
وفجر مختار بكار، أحد أصدقاء الانتحاري الذي أطلق تنظيم ولاية سيناء عليه لقب “أبو وضاح المهاجر”، وذلك قبل انضمامه إلى الجماعات التكفيرية، مفاجأة عن الانتحاري، حيث أكد أن اسمه عمرو، ووالده ضابط بالجيش، موضحًا أن لانتحاري كان من مؤيدي الدكتور محمد البرادعي، كما كان ضد حكم الرئيس مرسى، معتبرًا أن ذلك الشاب يعد حالة من حالات التحول الفكري للشباب في آخر 3 سنوات، وكتب “بكار” على صفحته معلقًا على صورة الانتحاري التي نشرها: “اللي فجّر نفسه في العريش.. أبو وضاح المهاجر، أو زي ما أصحابي يعرفوه: عمرو.. أبوه ظابط جيش، وكان ساكن جنبنا في مدينة نصر، وكان برادعاوي وضد مرسي.. تقدروا تعتبروه ملخص للتحول الفكري لشباب مصر في آخر ٣ سنين”.
ضباط بالجيش
وفي عام 2015، أعلن ضابط مفصول من الجيش المصري، اسمه هشام عشماوي، سبق اتهامه في قضيتي اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية السابق، عن تنظيم جديد في مصر اسمه “المرابطون”، يدين بالولاء للقاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، معلنًا انشقاقه عن تنظم “داعش” سيناء، و”عشماوي” ضابط بالصاعقة المصرية في التسعينيات، والتي يتم اختيارهم بعناية، وعمل بسيناء أكثر من 10 سنوات، ولكنه اندفع إلى آتون العنف والإرهاب، حيث توعد في أول تسجيل له زملاءه من ضباط الجيش والشرطة، بالمزيد من العمليات الإرهابية في سيناء.
وكشفت تقارير أمنية مصرية أن هناك علاقة بين مجموعة هشام وحركة أجناد مصر، والتي تحمل فكر القاعدة، مضيفة أن هشام شارك في مذبحة كمين الفرافرة، في 19 يوليو 2014، وهي العملية التي قتل فيها 22 مجندًا، كما شارك في مذبحة العريش الثالثة، في فبراير 2015، التي استهدفت الكتيبة 101، وقتل بها 29 عنصرًا من القوات المسلحة، واشترك في التدريب والتخطيط لعملية اقتحام الكتيبة العسكرية.
مخطط قذر!
وهكذا يرصد المراقبون كثيرا من الحالات التي كانت أعضاء سابقين بالإخوان والجيش و6 أبريل، والذين باتوا أعضاء يتهمون بقيادة العنف والإرهاب، وهو ما يجب التوقف معه على ملامح مخطط قائد النظام العسكري الحالي، عبدالفتاح السيسي، لجر شباب الحركات السياسية من السلمية إلى العنف، وبحسب الكاتب الصحفي المعارض صلاح بديوي، فإن “من اتهم أهل مثلث رفح العريش جبل الحلال في شمال سيناء بالإرهاب، وأسماه بمثلث الشر، وتحالف مع عدو مصر، وأعلن الحرب عليهم بشتى أنواع الأسلحة، لاختيار طريق العنف للدفاع عن أنفسهم، لن يتردد لحظة واحدة في ضرب شباب الثورة وبنفس الأسلوب الذي ينتهجه بعض شباب منطقة شمال شرق سيناء، بل ويتحالف أيضا مع تل أبيب ومعسكرها لضربهم، وبالطبع، بعدها سوف يتم اتهام العناصر الثورية التي لجأت للعنف بالإرهاب، وأنهم يستهدفون مصالح واشنطن وتل أبيب والغرب الأوروبي في المنطقة، وعندئذ تتساوى الرؤوس، ويصبح المقتول والقاتل سواء، وتضيع دماء شهداء الثورة، ويتحول الحق إلى باطل، وتسيل الدماء من الطرفين”.
وأوضح أن مخطط جر الشباب إلى مربع العنف، بدأ بالانقلاب على آليات الديمقراطية وثورة 25 يناير، ما أدى إلى رفض الشباب لشعارات السلمية، ومنها شعار “سلميتنا أقوى من الرصاص”، الذي أطلقه مرشد الإخوان، حيث لم يعد يناسب المرحلة الحالية، خصوصا وأن من أطلقه تم الحكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت، بحسب ما قال الشباب، مشيرا إلى أنه من المبررات التي دفعت الشباب إلى هذا المربع المرفوض، أن الأجهزة الأمنية باتت تقتلهم في بيوتهم، وتختطفهم من الشوارع وتصفيهم جسديا، مع ارتكاب نظام السيسي لعشرات من حالات الاغتصاب للنساء والرجال والتعذيب والتصفيات الجسدية والقتل خارج إطار القانون، وبناء عليه، فإن هؤلاء الشباب الثوريين يرفضون أن يضحوا بأرواحهم وأعراضهم بدون ثمن وهم يرفعون شعار السلمية، حسب قولهم، ويرون أنه لا بد من مواجهتهم لهؤلاء القتلة.
واتهم القيادي المعارض أيمن نور، في وقت سابق، عبدالفتاح السيسي بجر الشباب إلى مربع العنف قائلا: “رسالتي إلى كل شباب الثورة والقطاعات التي تنحاز إلى الديمقراطية للتنبه بأن السيسي يريد أن يجر مصر إلى بحيرة من العنف والدماء، مشددا على أن سلمية المواجهة وسلمية الثورة هي الضمانة للانتصار”.
اضف تعليقا