العدسة – باسم الشجاعي
منذ مئات السنين، تؤثر العوامل الجغرافية والتاريخية في البحرين، بالرغم من محاولات الشعية (ذات الأغلبية السكانية) تغييرها من حين لآخر.
آخر هذه المحاولات عودة التظاهرات الرافضة للأسرة الحاكمة، وذلك بالتزامن مع الذكرى السابعة لإطلاق حركة الاحتجاج في 2011.
وفي هذه الأجواء تظاهر العشرات من الشيعة في البحرين، مساء “الأربعاء” 14 فبراير، وسط انتشار من قِبل قوات الأمن.
المحتجين الذين تظاهروا في شوارع القرى الشيعية، رفعوا شعارات “لن نركع إلا لله”، “يسقط حمد” (في إشارة إلى العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة).
ولكن مع استمرار الدعوات للتظاهر في القرى الشيعية في البلاد، تعمل السلطات على وأدها، لعدة أسباب سياسية وأمنية.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن المحتجين عمدوا إلى قطع الطرق، عبر إحراق حاويات القمامة والإطارات وقطع الأشجار، كما شهدت عدة قرى شيعية مصادمات بين شرطة ومتظاهرين.
وتشهد البحرين اضطرابات متقطعة منذ قمع تظاهرات كبيرة عام 2011، قادتها الأغلبية الشيعية التي تطالب بإصلاحات سياسية جذرية، وإقامة ملكية دستورية في البلاد التي تحكمها سلالة سنية.
وعلى مدار السنوات السبعة الماضية، خرج البحرينيون في 48029 تظاهرة، وذلك بحسب ما رصدته جمعية الوفاق الوطني.
ومنذ ذلك الوقت، تنظم تظاهرات من حين إلى آخر، يرافقها أعمال عنف ضد قوات الأمن، ما يؤدي أحيانا لسقوط قتلى.
هذا ما دفع وزارة الداخلية، في بيان لها، “الثلاثاء” الماضي، لدعوة المواطنين للابتعاد عن كل ما من شأنه الإخلال بالأمن والنظام العام”، في 14 فبراير”.
وأوضحت الوزارة أن “ما يتناوله البعض، عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، من دعوات تحريضية مخالفة للقانون، يشكل في حد ذاته جرائم جنائية معاقبًا عليها قانونًا، فضلا عن أن الاستجابة لها تستوجب المساءلة الجنائية للمشاركين، وذلك وفقا لقانون العقوبات”.
وشددت الوزارة على أن قوات الأمن ستتخذ كافة لإجراءات تجاه “كل ما من شأنه تعطيل مصالح الناس وتهديد أمن واستقرار الوطن”
إصرار على التحرك
تحذيرات وزارة الداخلية، دفعت نائب أمين عام جمعية “الوفاق الوطني” الشيعية، الشيخ “حسين الديهي”، لتأكيد الإستمرار في التظاهرات، متجاهلا تلك التهديدات.
وتساءل، في خطاب له بمناسبة الذكرى السابعة لانطلاق حراك 2011، أمس “الأربعاء” 14 فبراير: “من المسؤول عن غياب الحلول وتراكم الأزمات؟ وإلى متى ستبقى لغة العناد والرفض والمكابرة هي لغة السلطة في وجه كل رأي يتحدث عن حق؟”.
وأضاف “الديهي”، قائلًا: “يحق لنا أن نتساءل عن مستقبل بلدنا في ظل استمرار هذا النظام في الحكم.. منفتحون لأبعد حد في حاجتنا إلى التوافق الوطني الشامل، ومستعدون لتقديم خيار وطني جامع ومقبول وقادر على أن يؤسس لحل جذري كامل”.
غضب حقوقي
منظمات المجتمع المدني، كان لها دور بارز في انتقاد قمع التظاهرات في البحرين؛ حيث طالبت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المنظمات غير الحكومية إلى وضع حدٍّ للاستهداف المنهجي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين.
وقالت في بيان لها، أمس “الأربعاء” 14 فبراير: إن “البحرين تتمتع بسمعة تتضمن اعتبارها واحدة من البلدان القليلة التي تم فيها منع جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المعروفين (الذين ليسوا في السجن أو في المنفى) من العمل بحرية أو السفر. ويهدف هذا إلى عزل حركة حقوق الإنسان وقطع صلاتها بالآليات الدولية، ولا سيما آليات الأمم المتحدة.
وطالب البيان الذي وقع عليه 12 منظمة حقوقية، حكومة البحرين بالوفاء بوعودها التي قطعتها خلال المراجعة الدورية الشاملة، من أجل دعم المعايير الدولية التي تحمي الحقوق في حرية التعبير والتجمع، بما في ذلك اتخاذ خطوات فورية كـ: “إبطال الإدانات، التي أعقبت محاكماتٍ غير عادلة، للمتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين”.
بداية القصة
ومع هذا، فإن السبب الرئيسي وراء تظاهرات 2011، وإحياء الذكرى السابعة، ليس وليدة اللحظة، بل لها تاريخ طويل وبعد ديمغرافي يتشابك مع البعد السياسي.
فبالرغم من أن الشيعة يشكلون حوالي 70 % من السكان، فإن الطبقة الحاكمة كلها من السنة، وذلك ساري منذ أكثر من مائتي عام.
ويشتكي الشيعة من التهميش الذي يطالهم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات في شهر فبراير الماضي.
وبسبب الممارسات التي يصفها الشيعة بالتمييزية، اندلعت في الثمانينيات والتسعينيات احتجاجات شعبية في البحرين، تبعها حملة اعتقالات قمعية، ثم سياسة انفتاح ليبرالية، لم تغير شيئا في واقع المواطن الشيعي.
ومع اندلاع شرارة الثورات في المنطقة العربية، بدأت الانتفاضة الثالثة في البحرين بتدفق الآلاف إلى شوارع البحرين، للمطالبة بإصلاحات، لكن الحكومة البحرينية اتهمت المتظاهرين بالعمل لمصلحة إيران، والتخطيط للإطاحة بنظام الحكم في المملكة، وقمعت الاحتجاجات بالقوة، واعتقلت العديد من الناشطين السياسيين وسرحت ألفي موظف وعامل، معظمهم من الشيعة.
لماذا تأخر الحل؟
ورغم تعقيد الأمور، إلا أن الشيء الواضح، أن المأزق البحريني لا يتعلق فقط بسياسة الأسرة الحاكمة في التعامل مع مطالب المعارضة، والذي ترجمه فشل الحوار الوطني في مارس 2011.
فقد أعلنت جمعية الوفاق الشعية انسحابها من الحوار، الذي شارك فيه 300 ممثل من مختلف الأحزاب ومنظمات غير حكومية ونقابات ورجال دين.
وكانت جمعية الوفاق (أكبر كتل المعارضة التي تمثل الأغلبية الشيعية) قد شاركت بخمسة ممثلين فقط؛ إذ لم يكن بمقدورها المشاركة بأكثر من هذا العدد، الأمر الذي أكد شكوكها بأن الحكومة لا تأخذها على محمل الجد، وأنها ليس لديها نية جدية لإجراء إصلاحات حقيقية، كما قالت الجمعية.
ويبدوا أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك؛ حيث يرى خبراء أن الجار الإيراني يقف حائلا، بسبب بسط نفوذه في منطقة الخليج العربي.
كما تتداخل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقف أسطولها الخامس أمام السواحل البحرينية، مع ارتباط المصالح السعودية بمدى نجاح الأسرة الحاكمة البحرينية في وأد الاحتجاجات ومواصلة تهميش الطائفة الشيعية، ففي شرق السعودية، الغني بالنفط، يتركز شيعة السعودية، الذين طالبوا حكامهم السنة أيضًا بمزيد من الحقوق.
اضف تعليقا