كشفت وثائق رسمية تورط مسؤولين في وزارة الدفاع البريطاني في تعاملات مالية مشبوهة مع وكلاء للنظام السعودي لضمان الحماية والحصانة بعد صفقة “اليمامة” سيئة السمعة.

وحسب الوثائق التي تم رفع السرية عنها خلال جلسة قضائية الأربعاء المنصرم أن وزارة الدفاع البريطانية نقلت مدفوعات مشبوهة من خلال حسابها المصرفي لحساب مقرب من النظام السعودي، وسط واحدة من أكبر فضائح الفساد في التاريخ، على الرغم من المخاوف من احتمال استيلاء العائلة المالكة السعودية على الأموال.

تُظهر الوثائق المُشار إليها كيف وافقت وزارة الدفاع على سداد المدفوعات إلى حساب مصرفي سعودي بعد أن خضعت المعاملات للتدقيق بعد تحقيق أجراه مكتب مكافحة الاحتيال التابع لوكالة مكافحة الفساد البريطانية، وحسبما جاء في الوثائق فإن مسؤول كبير في وزارة الدفاع البريطانية أعرب عن قلقه من أن رفض طلب السعودية للحصول على مدفوعات قد يؤدي إلى خطر “استياء كبار المسؤولين في النظام السعودي”، مشددًا على الحاجة إلى “إبقاء السعوديين إلى جانبهم في هذا الوقت الحرج”.

تم إنشاء نظام الدفع الجديد، المفصل في الوثائق، بعد أن بدأ مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة التحقيق في مزاعم بأن شركة BEA، أكبر شركة أسلحة بريطانية، دفعت رشاوى كبيرة للعائلة المالكة السعودية للحصول على عقد اليمامة البريطاني السعودي سيئ السمعة.

تم إنهاء تحقيق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة فجأة في عام 2006 بعد تدخل حكومة توني بلير بعد ضغوط من السعوديين، وألحقت الضجة الدولية التي أعقبت ذلك ضررا شديدا بسمعة بريطانيا في كبح الفساد

الوثائق اشتملت على رسائل بريد إلكتروني ومذكرات، تم تصنيف الكثير منها على أنها “حساسة للغاية” و”سرية”، فيما يتعلق بعقد اليمامة بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني، وبموجب العقد، زودت بريطانيا السعودية بـ120 طائرة تورنادو وطائرات هوك ومعدات عسكرية أخرى.

من جانبها، قالت الدكتورة سوزان هاولي، مديرة منظمة ” Spotlight on Corruption- تسليط الضوء على الفساد”، إنه “من الصادم تمامًا” أنه بعد إنهاء تحقيق مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة، أنشأت وزارة الدفاع نظامًا جديدًا غامضًا لتسهيل التدفق المستمر للمدفوعات.

 

المدفوعات السرية

وتؤكد الوثائق الجديدة، التي نشرتها صحيفة الغارديان، أن وزارة الدفاع البريطانية وشركة  BAE، المقاول الرئيسي في صفقة اليمامة، قامتا بتشغيل نظام سري لإرسال دفعات ربع سنوية إلى الأمير بندر بن سلطان بين عامي 1988 و2007.

وتتناقض الوثائق مع الادعاءات المستمرة على مدى عقود من الوزراء البريطانيين بأنه لم يكن هناك فساد في الصفقة، التي أبرمتها حكومة مارغريت تاتشر في الثمانينيات، ولعب بندر، نجل الأمير سلطان، وزير الدفاع السعودي آنذاك، دوراً رئيسياً في المفاوضات.

“كانت العملية الطبيعية”، بحسب إحدى المذكرات، هي أن يكتب بندر كل ثلاثة أشهر إلى المسؤول البريطاني الكبير الذي كان مسؤولاً عن الترويج لمبيعات الأسلحة “يطلب دفع القسط التالي”، في المقابل يقوم المسؤول “بإصدار تعليمات” لمسؤول كبير آخر في وزارة الدفاع “لاتخاذ الإجراء اللازم، وهو بدوره سيكلف شركة BAE بتسديد المبلغ”.

وتم تمويل جزء من المدفوعات لشراء طائرة إيرباص A340 بقيمة 75 مليون جنيه استرليني لاستخدام بندر الخاص.

وقالت وزارة الدفاع إن مدفوعات شركة BAE إلى بندر تم سدادها وفقًا لاتفاقيات بين الحكومتين البريطانية والسعودية، وأن السعوديين هم الذين قرروا كيفية إنفاق الأموال. وأضافت أنه “من التخمين” القول بأن المدفوعات كانت فاسدة.

 

إغلاق التحقيق

في عام 2004، بدأ مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة (SFO) التحقيق في ادعاءات الرشاوي المتورطة فيها شركة BAE، وبحلول أواخر عام 2006، كان المكتب قد قدم طلباً قانونياً رسمياً إلى السلطات في سويسرا للحصول على معلومات حول الحسابات المصرفية، التي تعتقد السلطات أنها كانت تتلقى مدفوعات فاسدة فيما يتعلق باليمامة

وبحسب ما ورد طالب بندر حكومة بلير بوقف التحقيق، وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، قرر بيتر جولدسميث، المدعي العام آنذاك، أن من المصلحة الوطنية لبريطانيا إغلاق التحقيق، وقال بلير إنه يتحمل “المسؤولية الكاملة” عن القرار.

في يونيو/حزيران 2007، كشفت صحيفة الغارديان عن وجود مدفوعات بقيمة مليار جنيه إسترليني لبندر، وأنها تمت بموافقة وزارة الدفاع، لكن بندر ارتكاب أي مخالفات قائلا إن وزارة الدفاع السعودية وافقت على هذه المدفوعات.

وتظهر الوثائق الجديدة أنه بعد أسبوع من كشف هذه الفضيحة، كتب ستيفن بولارد، وهو مسؤول كبير في وزارة الدفاع، أنه سيكون من الصعب مواصلة الدفع لبندر، وأوضح بولارد “في ظل المناخ الحالي، إن الدفاع عن أو تبرير استمرار مثل هذه الترتيبات لم يعد سهلا، وسيكون من الأفضل لو تمكنا من تجنب التعاون فيها في المستقبل”، ووصف المدفوعات بأنها “عفا عليها الزمن بشكل متزايد”.

وفي أواخر يونيو/حزيران 2007، أعلنت وزارة العدل الأمريكية أنها فتحت تحقيقًا في فضائح فساد متعلقة بشركة BAE، قد تؤدي إلى غرامة قدرها 255 مليون جنيه إسترليني على الشركة، وبعد شهر، تظهر الوثائق الجديدة أن بولارد أخبر زملائه أن السعوديين طلبوا المزيد من المدفوعات لتمويل طائرة بندر الخاصة، وقال إن رفض الطلب “سيؤدي إلى خطر استياء السعوديين الرئيسيين”، وأوصى بأنه “يمكن القول إنه من الأهم إبقاء السعوديين إلى جانبهم في هذا الوقت الحرج”.

في أغسطس/آب، سجل نيك أيلينج، وهو مسؤول كبير آخر في وزارة الدفاع، في مذكرة أن المسؤولين البريطانيين أرادوا إبلاغ بندر بأنه “على الرغم من عدم العدالة، فإن الدعاية الأخيرة حول هذه المدفوعات كانت ضارة للغاية له وللحكومة البريطانية… كانت هناك مخاطر أخرى إذا تم اكتشاف أن هذه المدفوعات مستمرة، لذلك كان من مصلحتنا أن يتم وضع هذه الترتيبات على أساس أكثر انتظامًا في أقرب وقت ممكن.”

وبحلول عام 2008، تم تفعيل النظام الجديد، وبموجبه، يقوم السعوديون بدفع دفعات شهرية إلى حساب مصرفي بوزارة الدفاع كجزء من الترتيبات الرسمية لشراء المعدات العسكرية من بريطانيا، وفقًا للمذكرات التي كتبها بولارد.

ولكن من الأهمية بمكان أن تقوم وزارة الدفاع بعد ذلك بإعادة جزء من هذه الأموال إلى حساب حكومي سعودي مختلف للإنفاق على “المتطلبات غير التشغيلية”، واستمرت المدفوعات في ظل النظام حتى عام 2011، وتم توضيح هذا الترتيب لاحقًا في رسم تخطيطي وضعه موظف حكومي آخر.