العدسة – منصور عطية

من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، يقود رئيس شركة “أكاديمي” حاليا و”بلاك ووتر” سابقا، آلاف المرتزقة من جنسيات مختلفة في أكثر العمليات الأمنية والعسكرية سيئة السمعة التي عرفتها المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 واحتلال أفغانستان في العام نفسه ثم العراق 2003.

منذ 2010 غيّر “إريك برنس” رئيس الشركة اسمها واختار الإقامة في الإمارات بعد أن تلطخت سمعته وواجه ملاحقات قضائية في أمريكا، ثم أنشأ قوة لحساب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد قوامها 800 مقاتل أجنبي هدفها قمع أي ثورة داخلية في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي.

ونشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية رسما بيانيا مدعما بخرائط تظهر مناطق تواجد “أكاديمي” حول العالم، يظهر منه أن هذه الشركة العسكرية الخاصة موجودة في 40 بلدا، من بينها غالبية دول الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وبعض الدول الأوروبية والآسيوية الأخرى، وأنها حصلت على 1.8 مليار دولار من العقود الحكومية.

وبحلول نهاية 2016 كانت “أكاديمي” توظف نحو 43 ألف عنصر في الشرق الأوسط، ثلثاهم في العراق وأفغانستان تحت إمرة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، بحسب تقارير إعلامية.

ويرجع تاريخ إنشاء الشركة إلى خطط الولايات المتحدة منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1989 خصخصة المهمات اللوجستية والثانوية للجيش، حيث أوكلتها لشركات عسكرية خاصة كان لبلاك ووتر الحظ الأوفر منها، المرتزقة في تلك الشركة يستخدمون كمساعدين، أو متعاقدين من الباطن لتولي مهام عسكرية في بؤر الأزمات والصراعات التي شهدها العالم.

ذراع الإمارات القذر

التقارير الأمنية الغربية أشارت إلى أن بلاك ووتر تعاونت على نطاق واسع مع الإمارات والسعودية منذ سنوات، وقد تزايد هذا التعاون خلال سنوات الربيع العربي، جراء الخوف من انتقال عدوى الانتفاضات إلى هذين البلدين.

وقالت صحيفة “التايمز” البريطانية إن الشركة حصلت عام 2010 على عقد من أبو ظبي بقيمة 500 مليون دولار تتولى بمقتضاه حماية أنابيب النفط والأبراج المهمة، وتوفير الدعم اللوجستي للجيش الإماراتي واحتواء الاحتجاجات الداخلية.

وكشفت الصحيفة عن استئجار أبوظبي مئات المرتزقة من كولومبيا كجزء من جيش خاص وفرته شركة بلاك ووتر، وأشار موقع “كاونتر بانتش الأمريكي” أيضا إلى أن المئات من العناصر من كولومبيا وبنما والمكسيك وتشيلي يقاتلون إلى جانب الإمارات في اليمن.

من جانبها، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية في مايو 2011 أن “برنس” وقع اتفاقا مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بقيمة 529 مليون دولار استقدمت شركته بموجبه ودربت 800 عنصر -معظمهم من كولومبيا وجنوب إفريقيا- للقتال تحت قيادة القوات الإماراتية.

وفي نوفمبر الماضي، أكدت مجلة “إنتليجنس أونلاين” المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم أن إريك برنس يعمل لصالح عمليات إماراتية خاصة في ليبيا، ووفقا لمصادر المجلة، فإن الطائرات المتمركزة في قاعدة سرية إماراتية في ليبيا يقودها طيارون يوظفهم “برنس”.

وأشارت تقارير إلى أن أبو ظبي تعد عناصر بلاك ووتر لما هو أخطر، حيث أفادت مجلة “أي بي سي” الإسبانية في أكتوبر الماضي بأنها أعدت قبل حصار قطر مخططا لغزوها، باستعمال مرتزقة بلاك ووتر، لكن الخطة سقطت، خاصة بعد رفض البيت الأبيض لها.

وفي أبريل 2017، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن دولة خليجية رتبت اجتماعا سريا بين مؤسس شركة بلاك ووتر وشخصية روسية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، كجزء من محاولة على ما يبدو لتأسيس قنوات اتصال خلفية بين موسكو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بعدها بأشهر اعترف “إريك برنس” أن الشخصية الروسية هي رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي “كيرل ديمترييف”، وأن الدولة الخليجية هي الإمارات.

“ابن سلمان” على الخطى

وكما كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حليفا لابن زايد وتابعا له في أمور عدة، فإن الأمر ينسحب على تجنيد مرتزقة بلاك ووتر أيضًا، وفي نوفمبر الماضي، قالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، أن الأمراء السعوديين ورجال الأعمال المحتجزين، ضمن حملة مكافحة الفساد التي أطلقها ولي العهد السعودي، يتعرضون إلى عمليات تعذيب من قبل متعهدين أمريكيين.

وأضافت الصحيفة أن شركة “بلاك ووتر”، هي المسؤولة عن هذه التحقيقات، وكان اسم شركة “بلاك ووتر” قد طرحه الرئيس اللبناني ميشال عون، عندما كتب على “تويتر” يقول إن رئيس الوزراء سعد الحريري محتجز في السعودية من قبل حراس “بلاك ووتر”، وذلك قبل أن يقوم بحذف التغريدة.

وأشارت مصادر إعلامية واستخباراتية متعددة إلى أن المئات من عناصر الشركة انتقلوا من أبو ظبي إلى الرياض بطلب من ابن سلمان، وأفاد موقع “العهد الجديد” الإخباري بأن المجموعة الأولى من “أكاديمي” (150 شخصا) وصلت إلى السعودية بموجب عقد بلغت قيمته نحو مليار دولار، بعد أسبوع واحد من عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف في يونيو الماضي وتولي محمد بن سلمان مكانه، في حين يناهز عددهم حاليا الألف.

ووفقا للصحيفة فإن عناصر الشركة تولوا الحراسات الأمنية في فندق الريتز كارلتون، حيث كان يعتقل عشرات الأمراء ورجال الأعمال، كما يتولون عمليات الاستجواب في الداخل، ومراقبة المعتقلين، فضلا عن الحراسة الشخصية لمحمد بن سلمان.

وقبل انتقال عمليات بلاك ووتر إلى الداخل السعودي- وفي حماية ابن سلمان ومشروعه كما تقول الصحيفة- استعانت الرياض قبل ذلك بإيريك برنس وشركاته الأمنية لتوفير مقاتلين من أجل حربها في اليمن، في محاولة لحسم الحرب.

وأشارت صحيفة “إل تمبو” الكولومبية إلى أن 400 عنصر من الشركة، بينهم كولومبيون وأمريكيون ومكسيكيون، يقاتلون في بعض الجبهات في اليمن لمصلحة القوات السعودية، وأن بعضهم قتل في المعارك، خاصة في تعز.

ومع فتح الإمارات والسعودية المجال للشركات الأمنية في معارك الداخل والخارج، لم تعد بلاك ووتر اللاعب الوحيد- وإن كانت الأكثر نفوذا حتى الآن- فقد أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إلى أن نحو 10 شركات أمنية إسرائيلية خاصة وأخرى تابعة لوزارة الأمن وجدت طريقها إلى السوق الإماراتي، لكن بأسماء غربية.