العدسة – معتز أشرف

اعتقال خارج إطار المنطق والعقل، جاء على خلفية عمل صحفي مشروع، قام به صحفي مصري يدعى معتز ودنان، تحول إلى جريمة في لحظات استحق عليها التوقيف وحرمانه من حريته، وسط مناخ خانق تجاوز فيه الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي كافة الخطوط الحمراء، وهو ما فتح الحديث عن انتهاكات السيسي المتواصلة ضد الصحفيين والإعلاميين والمواطنين، منذ إطاحته برئيسه الدكتور محمد مرسي في 2013، والتي يقدر المراقبون بأنها وصلت إلى مرحلة خطيرة عبر عنها البعض بالجنون!.

الحوار الأزمة!

في تمام الساعة الثامنة من مساء الجمعة 16 فبراير الجاري، كان بلاط صاحبة الجلالة في مصر، على موعد مع انتهاك جديد ضد حرية الصحافة، حيث أعلن الحقوقي عزت غنيم، محامي الصحفي معتز ودنان، اعتقاله على خلفية الحوار الذي أجراه “ودنان” مع المستشار هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، لصالح موقع الهاف بوست عربي، والذي فجر دويًّا كبيرًا في الوسط السياسي المصري بسبب كشفه عن وثائق في حوزة المرشح الرئاسي المعتقل الفريق سامي عنان، زعم أنها تدين رموز النظام الحالي، وما تبع ذلك من توقيف المستشار هشام جنينة، والتحقيق معه وحبسه 15 يومًا على ذمة ما جاء في الحوار.

محامي الصحفي معتز ودنان أوضح أن موكله تعرض وبعض أقاربه لاستيقاف من قبل قوة أمنية بزي مدني على الطريق الدائري ناحية المنيب (أبرز الطرق في القاهرة) في تمام الساعة الثامنة مساء الجمعة، ثم صدر قرار بإخلاء سبيل أقاربه، فيما ينتظر “معتز” اليوم العرض على النيابة، ولم يتم التعرف على ماهيته، سواء نيابة عسكرية أو أمن دولة عليا، حتى وقت كتابة هذه السطور، مؤكدا أن الصحافة ليست جريمة، وأن اعتقاله على خلفية الحوار يشكل اعتداءً صريحًا على حرية الصحافة، وتجريمًا واضحًا لها في مصر.

من جانبه، كشف عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين عمرو بدر، عن تفاصيل آخر اتصال له مع “معتز” قبل اعتقاله الذي وصفه بـ”الجنون”، وأوضح في تدوينات على صفحته الرسمية أنه في عصر الجمعة اتصل به “معتز ودنان “، وطمأنه على نفسه، وأنه لم يتسلم أي ضبط أو إحضار، ولكنه قلق جدا على وضعه، وطالبه بتضامن النقابة معه إذا تعرض لمشكلة أمنية، مضيفًا أنه وعده بمساندة النقابة له، فيما علق محمود كامل، مقرر اللجنة الثقافية في نقابة الصحفيين، على اعتقال “ودنان” قائلا باستنكار: “إذا كان القانون والدستور نفسهم بقوا جريمة يبقى طبيعي الصحافة تبقى جريمة”.

انتهاكات متصاعدة

ولم يكن معتز ودنان الضحية الأولى للصحافة في مصر، بل سبقه كثيرون، لكن حالته بحسب المراقبين فجة ومستفزة؛ كونها مرتبطة بحوار أثار جدلا واسعا في الأيام الأخيرة، التي تشهد تصعيدا كبيرا ضد المعارضين والصحفيين في مصر، وكان المرصد العربي لحرية الإعلام في آخر تقاريره عن المشهد الصحفي في مصر، أكد أن مطلع العام الجديد شهد في مصر انطلاقة سلبية مكبلة بالانتهاكات والإجراءات القمعية لحرية الصحافة والإعلام، ليستهل عامًا جديدًا من المأساة التي تعيشها الصحافة المصرية بجميع تنوعاتها، والتي بلغت مدى غير مسبوق، يخالف كافة المواثيق والقوانين، ويناهض مبادئ الدستور، موضحًا أنه بنهاية شهر يناير، ظل خلف القضبان 101 صحفي وإعلامي ومراسل صحفي حر (تعاون مع فضائيات ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة)، بعد استمرار دوائر الإرهاب غير المختصة قانونا، والمخالفة لصحيح القانون والدستور، في العصف بحقوقهم في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي، وتطبيق معايير المحاكمة العادلة بحقهم، بجانب حالة الإخفاء القسري المستمرة بحق الصحفي حسام الوكيل، وفقا للمرصد.

وأشار المرصد إلى أن شهر يناير 2018، شهد وقوع 17 انتهاكًا، وفق ما أمكن رصده بجانب صدور 98 قرارًا معيبًا باستمرار حبس الصحفيين، كما تنوعت الانتهاكات بجانب التجديد المعيب للحبس، ما بين إهمال طبي، ومنع من التغطية، وحجب واعتداء وفصل تعسفي، بالإضافة إلى قيود تشريعية جديدة، وانتهاك الاستقلال النقابي وحرية الصحفيين، ومنع من السفر، والاعتداء على الممتلكات الشخصية، كما استمر حبس الكاتب الصحفي والباحث هشام جعفر، خارج إطار القانون، بعد تجاوز مدة الحبس الاحتياطي المقررة في المدة القصوى طبقا للقانون، بعامين، حيث انتهت فترة حبسه الاحتياطي في أكتوبر 2017، لكن امتد حبسه بسجن العقرب دون سند من القانون! وبانتهاك واضح لاستقلال القضاء، فضلا عن استمرار تصدي ما يعرف بدوائر الإرهاب الاستثنائية، لقرارات تجديد الحبس، وكذا دور نيابة أمن الدولة العليا طورائ غير المختصة، بالتزامن مع استمرار المحاكمات بحق عدد من الإعلاميين والصحفيين في دوائر مدنية أخرى غير متصلة بالدوائر الاستثنائية، ومنهم الإعلامي يوسف الحسيني، ورحمة سامي (الصحفية بجريدة روزاليوسف) والصحفي محمود مسلم، رئيس تحرير جريدة الوطن، وتامر إبراهيم الصحف بمجلة 7 أيام، وياسر أيوب، رئيس تحرير المجلة، ومحمد الباز ونضال ممدوح ومحمد حمدي، وأحمد موسى المذيع بقناة صدى البلد.

وأشار التقرير إلى تواصل انتهاكات السجون ضد الصحفيين، ما بين إهمال طبي، ومنع من الزيارة، والاعتداء البدني واللفظي، ذكر منهم الباحث والصحفي “هشام جعفر”، والصحفي أحمد عبد المنعم زهران، والصحفي إبراهيم الدراوي، والصحفي أحمد عبد العزيز، والمصورة الصحفية “علياء عواد”، بالتزامن مع وصول الانتهاكات إلى مداهمة منازل الإعلاميين المعارضين، حيث داهمت قوات أمنٍ، في 23 يناير الماضي، منزل الإعلامي أسامة جاويش (مذيع في قناة الحوار اللندنية) في محافظة دمياط، وقامت بتحطيم محتوياته، وذلك بعد إعلانه عن نشر تسريبات لرئيس المخابرات العامة الجديد ومدير مكتب السيسي اللواء “عباس كامل”.

وأكد المرصد في تقريره أنه لا يوجد مؤشر واضح على تراجع النظام الحالي عن موجة القمع المستمرة ضد الصحفيين والإعلاميين، وهو ما يلقي -بحسب رأيه- بتبعة كبيرة وثقيلة على كل المعنيين بالاستقلال النقابي والمهني، للعمل على تفعيل كل الآليات المتاحة نقابيا وقانونيا وحقوقيا، في الداخل والخارج للدفاع عن حرية الإعلام.

وفي السياق ذاته، سجل مرصد صحفيون ضد التعذيب 374 انتهاكًا، خلال عام 2017، في مختلف أنحاء الجمهورية على نطاق 25 محافظة، حيث تم توثيق 249 انتهاكًا توثيقًا مباشرًا، من خلال الفريق الميداني أو شهادات للمرصد، كما تم توثيق125 انتهاكًا بصورة غير مباشرة، من خلال مصادر صحفية أو منظمات حقوقية.
وتصدرت الصحف المصرية الخاصة قائمة الجهات المحددة وجهتها، والتي كان صحفيوها أكثر عُرضة للانتهاك على مدار عام 2017، حيث تعرض العاملون بها لانتهاكات بإجمالي 97 انتهاكًا، تليها القنوات المصرية الخاصة، بموجب26 انتهاكًا، إضافة إلى 19 انتهاكًا ضد صحفيين عاملين لدى شبكات أخبار وصحف إلكترونية، بينما وقعت 11 حالة انتهاكًا لصحف مصرية حكومية، وسبع حالات انتهاك لقنوات مصرية حكومية، فضلًا عن ثلاثة انتهاكات لنقابات عامة، وثلاثة انتهاكات لصحف أجنبية، وحالتي انتهاك لقنوات أجنبية.

وقال المرصد في توثيقه لعام 2017: “لأول مرة تحتل الجهات الحكومية والمسؤولون المرتبة الأولى في الجهات الأكثر انتهاكًا ضد الصحفيين منذ عام2013، بعد أن كانت وزارة الداخلية دائمًا في المرتبة الأولى، حيث شهد عام 2017 ارتكاب 128 انتهاكًا من جانب الجهات الحكومية والمسؤولين، جدير بالذكر أن الجهات الحكومية والمسؤولين احتلوا المرتبة الرابعة في العام الماضي في الجهات الأكثر انتهاكًا ضد الصحفيين”.

نقابة شبه غائبة!

ورغم وجود أعضاء بارزين في مجال الحريات في مجلس نقابة الصحفيين؛ منهم عمرو بدر، ومحمد سعد عبد الحفيظ، ومحمود كامل، وجمال عبد الرحيم، إلا أن الأغلبية تتماشى -بحسب المراقبين- مع النظام بصورة كاملة، وصلت إلى تصريح الكاتب الصحفي عبدالمحسن سلامة، نقيب الصحفيين، بأنه لا يوجد صحفي واحد محبوس على ذمة قضية نشر، كما خاض تراشقات مع الأعضاء المدافعين عن جبهة الحريات في المجلس، واتهمهم بافتعال أزمات وشق الصف!، إلا أنه في ذات الوقت قام بزيارات لوزير الداخلية والنائب العام في الفترة الأخيرة، تحدث فيها عن توفير “الرعاية الكاملة للزملاء المحبوسين على ذمة قضايا، أو قيد التحقيق في قضايا نشر أو قضايا جنائية”.

انتقاد دولي

دوليًّا، لم تتوقف الانتقادات لنظام السيسي، منذ إطاحته بالدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، خاصة بعد ارتقاء 10 صحفيين ضحايا للعنف الحكومي ضد الصحفيين والإعلاميين المستقلين والمعارضين، ومؤخرًا أصدر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، تقريرًا هامًّا أكد فيه وجود حملة حكومية مصرية واسعة ضد وسائل الإعلام المستقلة والمدونين والصحفيين وأصحاب الرأي المعارض، مشددا على أن الحكومة المصرية تناهض القواعد الأممية بشأن حرية الإعلام والصحافة.