العدسة- معتز اشرف

تحت عنوان “السياسة مش (ليست) جريمة ” أطلقت قذائف حزبية جديدة في مصر من منصات حزب مصر القوية في مواجهة النظام العسكري القائم، أعلن فيها تجميد النشاط بصورة مؤقتة للحزب، بجانب دراسة حزب الوسط لنفس الخطوة، بالتزامن مع حملة الاعتقالات الشرسة التي ينفذها الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي ضد كل رموز المعارضة وآخرهم د.عبد المنعم أبو الفتوح والمستشار هشام جنينة، ليكون التساؤل الذي يفرض نفسه على المرحلة الحالية: هل يريد الديكتاتور المصري أحزابا من الأصل في مصر؟ خاصة أن فترته القاتمة سياسيا بحسب توصيفات متواترة في الوسط السياسي المصري شهدت فيه السياسة والعمل الحزبي تجريما واسعا وتراجعا شديدا.

رصاصة الرحمة!

في خطوة قوية أطلق المكتب السياسي لحزب مصر القوية رصاصة الرحمة على ما تبقي من مظاهر شكلية، بحسب المراقبين، للحياة الحزبية والسياسية في مصر في عهد الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي، حيث قرر  المكتب السياسي للحزب التعليق المؤقت لكافة الأنشطة والمشاركات السياسية لحزب مصر القوية، والبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعوة المؤتمر العام للحزب لاتخاذ قرار نهائي حول وضع الحزب في ضوء التطورات الأخيرة، مع تركيز الجهود في الأيام القادمة على الدفاع عن قضية المعتقلين، وفي مقدمتهم رئيس الحزب ونائبه، وهو الإجراء الذي هدد به حزب الوسط في وقت سابق على لسان د. محمد عبداللطيف أمين عام حزب الوسط قبل فجر يوم الاثنين الموافق 22 يناير 2018، حيث أعلن عقد اجتماع قريبًا لهيئته العليا للنظر في أمر تجميد نشاطه، مشيرا إلى أنه يرى في اعتقال أمينه العام، واستمرار اعتقال رموز آخرين من الحزب مثل نائب الرئيس عصام سلطان، والأمين العام المساعد المهندس حسام خلف وزوجته وأخرين، مناخًا غير مواتٍ لممارسة العمل العام والسياسي.

اعتراف النظام

غياب المناخ السياسي، وصل إلى اعتراف قمة النظام العسكري الحالي إلى التأكيد على أنها لا تعرف في السياسية وأحاديثها، حيث فؤجئ المتابعون بتصريحات السيسي مطلع العام : “أنا مش سياسي بتاع الكلام، والبلد ما بتتبنيش بالكلام، واضح إن الناس مش واخدة بالها، البلد علشان ترجع تاني ربنا وحده اللي يعلم، وأي حد يفكر يقرب منها، لأ.. هقول للمصريين انزلوا تاني ادوني تفويض قدام الأشرار.. أي أشرار، و لو الأمر استمر كده، وحد فكر يلعب في مصر وأمنها هطلب منكم تفويض تاني، وستكون هناك إجراءات أخرى ضد أي حد يعتقد أنه يعبث بأمن مصر، وبمخافش غير من ربنا وعلى مصر بس” زاعما أن حياته ثمن لاستقرار مصر، وأمن شعبها، قائلًا “أنا أروح والـ 100 مليون يعيشوا ويحفظنا كلنا، واللي عاوز يلعب بأمن مصر يخلص مني الأول، والكلام اللي من 7 سنوات مش هيتكرر تاني في مصر”.

هذا الاعتراف دفع د.عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية إلى التنديد به قبيل اعتقاله، قائلا في حواره مع قناة الجزيرة مباشر : ” لا توجد بيئة للعمل الديمقراطي بمصر في ظل النظام الحالي، والنظام “متخلف سياسيا”، مضيفا أن السيسي رجل عسكري ليس له خبرة بإدارة الدولة ولا يعقل أن تدار الدولة عن طريق السيسي ومدير مكتبه فقط موضحا أن السيسي ليس له أي تاريخ سياسي متسائلا ” كيف يقول السيسي إنه “غير سياسي” رغم أن منصب الرئيس هو قمة العمل السياسي؟”

وكان السيسي قبيل ترشحه في 2014 دعا في بيان لحملته الرئاسية، الأحزاب والكيانات السياسية للاندماج والائتلاف لتأسيس كيانات سياسية قوية، مشيرا إلى ان ” الأحزاب السياسية في مصر تحتاج إلى الاندماج، والائتلاف مع بعضها البعض من أجل تأسيس كيانات سياسية حقيقية لها جمهور على الأرض ولديها إمكانيات تمكنها من العمل لخدمة هذا البلد، والمساهمة في تطور الحياة السياسية والحزبية”.

نزاعات داخلية

ولم تشهد الحالة الداخلية للأحزاب استقرارا، في عهد السيسي كذلك، على الرغم من غياب المنافس الأبرز في السجون، وهو جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة وتحالفاتها الحزبية، حيث يرى مراقبون أن الأزمات الحزبية الداخلية هي أبرز سمات الأحزاب خلال فترة السيسي، فلم يخلُ تقريباً حزب سياسي من حدوث أزمات داخلية، أدت إلى انقسام الحزب إلى جبهتين متصارعتين في أسوأ الأحول، حيث تكررت النزاعات الداخلية داخل أحزاب المصريين الأحرار ومستقبل وطن والوفد، وهي الأحزاب الكبرى في البرلمان، ووصل الأمر في حزب المصريين الأحرار إلى انشقاق الحزب إلى جبهتين، ولجوء الطرفين للتنازع القضائي على شرعية موقفهما، وجاء هذا النزاع على خلفية تغيير البنية السياسية للحزب بعد الانتخابات التشريعية، وشهد حزبي الوفد ومستقبل وطن نزاعات داخلية أيضا، وبدا ظاهراً عدم نجاح الأحزاب في احتواء نزاعاتها الداخلية، حتى إن السيسي توسط لحل النزاع داخل حزب الوفد، في مشهد أضعف كثيراً من نجاح الأحزاب في احتواء نزاعتها الداخلية دون تدخل الدولة، كذلك تعرض حزب “المصري الاجتماعي الديمقراطي”، الذي تشكل بتحالف من قوى يسارية وليبرالية، بعد ثورة 2011، لسلسة أزمات انتهت باستقالة أغلب ممثلي التيار الليبرالي داخل الحزب ومن بينهما مؤسسة محمد أبو الغار وزياد بهاء الدين، على خلفية الانتخابات الداخلية في الحزب، واعترف أبو الغار بعجزه عن “رأب الصدع” و”تفكيك الشللية بين الأعضاء”، بحسب خطاب استقالته في سبتمبر 2016، وتكررت النزاعات أيضا داخل أحزاب الدستور ومصر الحرية.

خطوات للخلف

وتذهب دراسات أكاديمية إلى أن حالة الأحزاب السياسية في عهد السيسي، شهدت تراجعا شديدا، وفي دراسة بعنوانحالة الأحزاب السياسية في فترة السيسي .. خطوات للخلف صدرت عن مركز البديل للدراسات الاستراتيجية فإن أحداث 30 يونيو 2013 على عكس ثورة 25 يناير أدت إلى تراجع شديد في عدد المهتمين بالشأن العام في مصر، خاصة بعد إعلان الدولة الحرب على الإرهاب، ما تبع ذلك من تضييق على العمل السياسي الميداني وعلى الفاعلين السياسيين أنفسهم، وخروج بعض القوى الإسلامية من مضمار العمل السياسي الرسمي علاوة على التضييق على نشاط المجتمع المدني، ما أدى في الأخير إلى شل قدرة الأحزاب السياسية على التأثير السياسي بعيداً عن التواصل والتنسيق مع مؤسسات الدولة الأمنية.

ورصدت الدراسة ندرة لقاءات السيسي بقيادات الأحزاب السياسية وتغليب  الطابع البروتوكولي عليها، وعدم خروجها الثانية بأي نتائج ملموسة من شأنها تعضيد وضع الأحزاب، ويبدو هذا جليا من عدم لجوء السيسي إلى تمثيل أحد الأحزاب في اختياراته لأعضاء السلطة التنفيذية، في دلالة واضحة على عدم اكتراث الرئيس بدور الأحزاب السياسية، علاوة على اقتناعه بضعف دور هذه الأحزاب، مؤكدة أن الحالة الحزبية في مصر تشهد تراجعاً شديداً، ويبدو أن هذا يلاقي هوى السلطة في مصر، وتبدو مصلحتها واضحة في عدم ظهور أحزاب سياسية قادرة على التنافس، لذا عمدت إلى خفض مستوى التنافسية في الانتخابات البرلمانية إلى حد كبير، لتعود بالأحزاب السياسية إلى حالة ما قبل 25 يناير 2011.

وتذهب دراسة مقارنة بعنوانمصر بين عهدين: مرسي والسيسي إلى أن الدولة العميقة لم ولن ترغب في ظهور أي قوة على الأرض تنافس تواجدها وسيطرتها على المشهد الذي ظهربوضوح مع ثورة 25 يناير بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، مؤكدة أن “الانقلاب ” مهد الطريق لمعارضة شبيهة بأيام مبارك وأنتج قانونا للانتخابات أضعف الأحزاب خاصة مع غياب المعارضة ذات الوزن الثقيل كالإخوان المسلمين ما أدى إلى ظهور أحزاب كـ”الفسيفساء ” لا تقوى على تشكيل معارضة قوية وتتماهي مع النظام.