العدسة – معتز أشرف

كشفت دراسة حديثة -بعنوان “إخفاق مستمر.. آليات التحرك السعودي الإقليمية ومؤشرات الفشل”، صدرت عن مركز البديل للدراسات الإستراتيجية- عن تخبط تحركات السياسة السعودية بعد عام 2011، في إدارة الملفات الإقليمية وعدم حسم أي ملف إقليمي لصالحها حتى الآن، خاصة منذ تولي الأمير الطائش، كما يطلقون عليه، محمد بن سلمان، منصب ولي ولي العهد، بجانب وزارة الدفاع.

وقالت الدراسة التي وصل (العدسة) نسخة منها: “حرب اليمن لم ينجز فيها شيء لصالح المملكة، فها هو الجنوب اليمني يريد الانفصال، وهو ما يوجه ضربة قاصمة لكل ما بذلته القوات السعودية وحلفاؤها هناك، فالجنوب هو الذي نجحوا في إبقائه بعيدا عن سيطرة أنصار الله، وإذا ما تم الانفصال؛ فإن هذا يعني وجود دولتين، إحداهما في الشمال تحت قيادة الحوثيين، وستكون مجاورة للمملكة، وهو ما تعتبره خطرًا عليها، ودخلت من الجنوب من أجل إنهائه، فقد فشلت في اقتحام شمال اليمن عبر حدودها، كما أنها لا تقدر على ذلك، وإذا استقل الجنوب فلن يكون هناك معنى لوجودها، كما سيتم الإطاحة برجلها “منصور هادي”، كما يعني الانفصال أيضًا لجوء الجنوبيين إلى وقف الحرب مع خصومهم في الشمال، والعودة إلى سيناريو ما قبل الوحدة اليمنية.

وأضافت أنه فيما يخص أزمة قطر، فكل ما طالبت به السعودية وشركاؤها لم يتحقق، بل ازداد الأمر سوءًا، فرغم طلب إنهاء الاتفاقات العسكرية مع تركيا، جلبت قطر جنود الترك إلى الخليج بآلياتهم العسكرية، أما إيران فأصبحت المخرج الوحيد لطائراتها وسفنها إلى العالم، ومصدرًا كبيرًا للحصول على المنتجات الغذائية، وهو ما جعل الخطوة ترتد سلبًا على دول المجلس بتعميق قطر علاقتها أكثر بطهران.

وأوضحت الدراسة أنه رغم ما أنفقته السعودية في سوريا والدعم الذي قدمته، إلا أنها خرجت صفر اليدين، فهي الآن لا تملك حتى النفوذ السياسي على فصائل قوية قادرة على التفاوض بها، أو قوات على الأرض تحجز لها مكانا في الجغرافيا السورية، وإنما تركت الأمر لآخرين سيتوافقون على حلول لن تحقق أي شيء من مصالحها، وفيما يخص القضية الفلسطينية، أظهر الرفض الشعبي الفلسطيني، بجانب بعض الدول العربية للدور الأمريكي وصفقة القرن، إفشال مساعي الرياض في تقديم نفسها كطرف قادر على إنهاء أكبر أزمة بالمنطقة والعالم.

وأكدت الدراسة أن السعودية انخرطت في أكثر من أزمة تتخطى إمكاناتها هي وغيرها من دول الإقليم؛ فالشرق الأوسط أصبح ساحة للتنافس الدولي بين القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، والعديد من قضاياها أصبحت ذات إطار دولي وليس إقليميًّا، مشددة على أن السعودية تتورط في أزمات الإقليم بحدة، بشكل بات بمثابة استدراج واستنزاف لها، خاصة حرب اليمن، وعليها الثقة في شركاء آخرين لمساعدتها في تخطي أزماتها أولا، وليس حل أزمات الإقليم الملتهبة.

جدول المحتوى

خوف مبكر

وأكدت الدراسة أن المملكة العربية السعودية، خشيت من امتداد موجة ثورات الربيع العربي إليها، أو إلى إحدى جيرانها ذات الامتداد الحيوي للمملكة، وحاولت القوة الخليجية ومعها آخرون من دول مجلس التعاون في البداية احتواء الربيع العربي، ثم اتبعت سياسات أفضت إلى الكثير من الأزمات، ظنا منها أنها مؤهلة لقيادة المنطقة العربية، والتعامل مع أزمات الشرق الأوسط، لتخلق المزيد من التعقيدات، وزيادة تدخل الدول الأجنبية في شؤون المنطقة، بما يضعها رهن التوافق والصراعات خارج المنطقة، وتحويلها إلى ساحة لتصفية النفوذ.

وأشارت إلى محاولة السعودية تقديم نفسها كقوة إقليمية، مستغلة الفراغ الإستراتيجي الذي أصاب المنطقة العربية، إلا أنها لا تمتلك مقومات القوة الإقليمية مجتمعة، سواء هي أو غيرها، في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنها تتطلب مقومات اقتصادية وعسكرية وثقافية لا تمتلكها المملكة، بجانب شرط القبول الإقليمي لها، وهو ما لا تقبل به قوى منافسة، مثل إيران وتركيا ومصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ورغم افتقاد المملكة لمقومات القوة الإقليمية، إلا أنها حاولت تصدير نفسها في عدة دول، أبرزها اليمن؛ حيث أطلق ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان “عاصفة الحزم”، ظنا منه أنه قادر على حسم التعقيدات اليمنية، بآلته العسكرية، غير المحترفة، فلم تقدر المملكة على خوض أي حرب بمفردها، وحتى مع استعانتها بـ15 دولة في التحالف العربي بخلاف التعاون مع بريطانيا والولايات المتحدة، إلا أن الحرب أوشكت على إنهاء عامها الثالث دون تحقيق أهدافها، أو على الأقل الدفع نحو إطار تفاوضي، مما يدفع إلى استنزاف المملكة بشريا واقتصاديا وماليا، ووفقا لتقرير سعودي صدر يوم 28 فبراير 2017، أكد مقتل وإصابة نحو 700 مدني من السعوديين والمقيمين، بينهم 80 قتيلا في جنوب المملكة خاصة، إلى جانب إطلاق أكثر من 40 ألف مقذوف عبر الحدود، منذ بداية الحرب في مارس 2015، فيما قالت تقديرات عن عام 2016، إن عدد الجنود السعوديين القتلى، داخل الأراضي اليمنية وعلى الحدود، يصل نحو 90 جنديا، وهذه أرقام ضعيفة مقارنة بحجم الخسائر التي تتعرض لها المملكة سواء في العتاد أو الجنود.

أما ماليًّا؛ فقد استنزفت الحرب المملكة، بحسب الدراسة، حيث اضطرت إلى خفض دعمها لمواطنيها، وزيادة الضرائب، سواء على المواطنين أو المقيمين، وحتى رفعت أسعار رسوم الحج، ومع كل ذلك، لم يشفع لها في تغطية النفقات المتزايدة للحرب، ليعلن ولي العهد عن شن حملة مكافحة الفساد، لاستعادة أموال من أمراء الأسرة الحاكمة ووزراء ورجال أعمال، قيل إنهم حصلوا عليها بدون وجه حق، وقد حصل بالفعل على حوالي 106 مليار دولار نتيجة التسوية مع هؤلاء المقبوض عليهم.

فشل ثلاثي!

وأشارت الدراسة كذلك إلى فشل السعودية في سوريا؛ حيث دخلت المملكة على خط الأزمة في سوريا مبكرًا، في محاولة منها لإخراج النفوذ الإيراني من سوريا، ودعم وصول قوى سياسية موالية لها إلى السلطة، وفي سبيل تحقيق ذلك لم يقف الأمر عند المحاولات السياسية وعزل النظام السوري إقليميا ودوليا، بل وصل الأمر إلى التدخل عسكريا بدعم جماعات الإرهاب والمعارضة المسلحة أهمها “جيش الإسلام”، وتأييد التدخلات العسكرية الأجنبية في الشأن السوري، ما أثبت خطأه اليوم، بإقرار الجميع بضرورة الحل السياسي للأزمة، فسيطرة المعارضة اليوم على الأراضي السورية لا تتعدى 11.96%، فيما لا يملك “داعش” أكثر من جيوب متفرقة لم تبلغ مساحتها حتى نهاية يناير الماضي 8.5%، بينما استعادت الدولة السورية أكثر من 53.73% من الأراضي مجددا، بينما يسيطر الأكراد على حوالي 25% بحسب الدراسة.

وحول “القضية الفلسطينية” أشارت الدراسة إلى أن ولي العهد السعودي، حاول تقديم نفسه لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كطرف قادر على إنهاء القضية الفلسطينية، وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن الأمر أكبر من المملكة، فهي قوى فاعلة لا يمكن لها أن تقبل بحل الأمر على حسابها، وقادرة على إفشال أي اتفاق سعودي أمريكي، ما عرف بـ”صفقة القرن” بين “ترامب” و”بن سلمان”، التي كثرت الشائعات حولها، إلا أن المسؤولين الفلسطينيين كشفوا عنها علانية، من بينهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بما يضع تحركات ولي العهد السعودي في مأزق، فهو يريد كسب وُدِّ إدارة “ترامب” من أجل المساعدة في حرب اليمن أو على الأقل الصمت عما يجري هناك، والتعاون في مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة.

وفيما يخص قطر، أكدت الدراسة أنه يتضح من تحركات قطر فشل سياسة القادة السعوديين مجددا، فبدلا من الضغط على قطر للتخلي عن سياساتها التي لا تتوافق مع الرياض، لجأت إلى تفعيلها أكثر وعلانية، ما ينعكس سلبا ليس فقط على قطر ودول الخليج، بل على استقرار المنطقة برمتها مستقبلا، وفرض المزيد من حالة العسكرة “militarizing” على إدارة العلاقات في المنطقة، وفتح باب التدخلات الخارجية، فهذه الدول ستستغل الأخطاء السعودية والفراغات الإستراتيجية التي تحدثها من أجل سدها، فالأمر لن يعد خلافات عربية- عربية يمكن حلها، وإنما سيصبح أمرا دوليا، فمن يريد التفاهم مستقبلا مع قطر، عليه المرور أولا إلى حماتها بحسب الدراسة .

وأشارت الدراسة إلى أنه بالنظر إلى تحركات السعودية في منطقة الشرق الأوسط، بعد عام 2011، نجد أنها ساهمت في خلق العديد من الأزمات والمشكلات الإستراتيجية طويلة الأمد بالمنطقة، تمثلت في المساهمة في عسكرة الصراعات العربية، والإضرار بالأمن القومي، كما ساهمت التحركات السعودية تجاه قطر في إضعاف الكتلة العربية، بالتزامن مع العودة السعودية لسياسة الدفاع بعد فشل إستراتيجية المبادرة إلى استخدمت في حصار الربيع العربي.