العدسة – جلال إدريس

“نأمل لو أن نظام الجامعة العربية قوي بشكل يمنع أحد أعضائه من قتل أكثر من نصف مليون واستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه”.

بتلك الكلمات وكلمات أخرى مشابهة، اشتعلت إحدى جلسات مؤتمر ميونخ للأمن بسجال سياسي محتدم جرى مساء اليوم بين “وزير الخارجية التركي- مولود تشاوش أوغلو، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط”.

السجال السياسي الذي اندلع بين “تشاوش أوغلو وأبو الغيط” كان سببه العملية العسكرية التي تقوم بها تركيا ضد المسلحين الأكراد في شمال سوريا، وهي العملية التي تعرف باسم “غصن الزيتون”، أو “عملية عفرين”؛ حيث عبّر أبو الغيط عن رفضه لتدخل “تركيا في سوريا” بينما رد أوغلو أنّ العملية تسير وفقًا للقوانين والأعراف الدولية، وأنها حق أصيل من حقوق تركيا في الدفاع عن نفسها.

الجلسة شهدت هجومًا ودفاعًا بين “أبو الغيط وتشاوش أغلو” انتهت في نهاية الأمر بفوز ساحق لوزير الخارجية التركي على أبو الغيط، وفقًا لمراقبين ونشطاء، الذين وصفوا الموقف بأنه بمثابة “إفحام سياسي” من الخارجية التركية للجامعة العربية وأمينها العام أحمد أبو الغيط.

ماذا قال أبو الغيط؟

السجال السياسي بدأ أولا بتعليقات من الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط انتقد فيها ما أسماها بالتدخلات الخارجية في سوريا وعلى رأسها التدخلات التركية على الأراضي السورية، من خلال عملية عفرين وغيرها.

وطالب أبو الغيط خلال إحدى جلسات مؤتمر ميونخ للأمن، بوقف عملية عفرين وانسحاب الجيش التركي من المناطق التي دخلها في شمالي سوريا.

التصريحات نفسها كان قد صرح بها أبو الغيط قبل نحو شهر، مشددًا على رفضه المبدئي لتدخل القوات الأجنبية قاطبةً في سوريا، باعتباره يُسهم في إطالة أمد الأزمة ويُفاقم من تبعاتها الإنسانية على المدنيين السوريين، مُشيرًا إلى أن التدخل التركي يُمثل حلقةً إضافيةً في سلسلة ممتدة من التدخلات الإقليمية والدولية على الساحة السورية لأطرافٍ لا تنظر سوى لمصالحها، ولا تُلقي بالاً لمعاناة الشعب السوري”.

كيف رد أوغلو

لم ينتهِ “الأمين العام للجامعة العربية” من تصريحاته، حتى انتفض وزير خارجية تركيا “مولود تشاوش أوغلو” مدافعًا وبقوة عن موقف بلاده، ومنتقدا في الوقت نفسه موقف الجامعة العربية من الأزمة السورية.

ووجه وزير الخارجية التركي كلامه لأبو الغيط قائلا: “كنت أتمنى لو أن الجامعة العربية قوية بما يكفي لتمنع أحد أعضائها (رئيس النظام السوري بشار الأسد) من قتل نصف مليون إنسان واستخدام السلاح الكيماوي”.

وتابع الوزير التركي: “نأمل لو أنكم تطالبون الدول الأخرى بالخروج من سوريا”، وذكر تشاوش أوغلو أبو الغيط أن هناك دولًا عربية– لم يسمها- تقوم بممارسة ضغوط على كل من السلطة الفلسطينية والأردن كي لا تعترضان على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والتوقف عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.

وشدد الوزير التركي على أن تنظيم ب ي د/بي كا كا الإرهابي يشكل خطراً على مستقبل سوريا، منتقداً محاولات إظهار حرب تركيا على الإرهاب بأنها حرب على الأكراد، وأنَّ عملية غصن الزيتون تأتي في إطار يتوافق مع القانون الدولي بشكل لا خلاف عليه.

واعتبر أوغلو أن التواجد التركي في سوريا مستند للقانون الدولي، رافضًا أية انتقادات توجه لتركيا بشأن تلك العمليات.

تفاعل على تويتر

السياسيون والنشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلوا بشكل كبير مع واقعة “أبو الغيط وأوغلو”، واعتبروا أنّ الأمين العام للجامعة العربية أحرج نفسه، وأن وزير الخارجية التركي وضعه في موقف لا يحسد عليه.

الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي تفاعل مع الواقعة وعلق عليها عبر حسابه الرسمي بـ”تويتر” قائلا : (ان كان أمين الجامعة العربية قوميًا، فتركيا تدافع في عفرين عن العرب وحقوقهم، وإن كان يريد الحق فتركيا تدافع عن الغالبية التي أخرجت من ديارها وظلمت).

أما المغرد عاشق القدس فقد علق قائلا: (الله يفتح عليك ياشاووش اوغلوا مسحت به الارض هذا الغائط الذي لا يمثل إلا نفسه ونظام الخاين السيسي ظهر نفاق الاعراب)

أما المغرد “فريد محمد” فقد هاجم وزير الأمين العام للجامعة العربية قائلا: (أمين الجامعة خبل متصهين لا أكثر في المناسبة ما يسمى الجامعة العربية هي صنيعة بريطانيا لتمزيق الدول الإسلامية وتفرقتها واختلاق ما يسمى بالقوميات لتتنازع الشعوب وتتناحر فيما بينها وتبتعد عن الإسلام الحق الذي يجمع ويوحد ويجعل من المسلمين قوة).

بينما هاجم “أبو أجوان الغامدي” وزير الخارجية التركي قائلا: (تركيا لا تدافع عن العرب ولا من اخرجوا من ديارهم تركيا تدافع عن نفسها و عن جغرافيتها بدخولها في عفرين كما تعتقدون).

فيما قال سامي الخدج : (أمين عام اكبر منظمة للدول العربية ويحتاج لمترجم إنجليزي. من يضع هذه الأشكال الغير متعلمة في هذه المناصب؟؟).

ما هي عملية غصن الزيتون؟

غصن الزيتون” هي عملية عسكرية يقودها الجيش التركي بمشاركة الجيش السوري الحر ضد وحدات حماية الشعب الكردية بمدينة عفرين السورية الحدودية، حيث أكدت أنقرة أنها عملية لحماية أمنها القومي وتسليم المدينة لأهلها، بينما ترى منظمات كردية ودمشق وأعضاء بمنظمة غولن أنها اعتداء.

بدأت عملية الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب بمدينة عفرين الحدودية شمالي سوريا، والتي أطلق عليها اسم “غصن الزيتون”، رسميًا يوم السبت 20 يناير 2018 بعد تدشين المرحلة البرية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية عفرين قد بدأت على الأرض، وستتبعها مدينة منبج، وستستمر حتى حدود العراق، وذلك لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من تلك المناطق، وتحصين الأمن القومي التركي.

وسبق العملية البرية قصف مستمر بالطيران والمدفعية لمواقع عسكرية، وأعلن وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي أن الجيش السوري الحر يشارك بشكل فعال في عملية عفرين.

وعند بدء العملية البرية، أعلنت السلطات أن 15 منطقة جنوبي تركيا على الحدود مناطق أمنية خاصة لمدة أسبوعين.

وتخضع مدينة عفرين سياسيًا للإدارة الذاتية، وعسكريًا وأمنيًا “لوحدات حماية الشعب”، وتعد من التجمعات الثلاثة التي تشرف عليها الإدارة الذاتية في سوريا (الجزيرة، وعين العرب/كوباني، وعفرين).

ولعفرين أهمية استراتيجية في المشروع الكردي، نظرا لأنها تشكل الجسر الجغرافي لوصل هذا المشروع بالبحر المتوسط إذا أتاحت الظروف ذلك، كما صرح بذلك العديد من المسؤولين الأكراد.

وتباينت المواقف بشأن “غصن الزيتون” بعد انطلاقها، حيث ترفضها الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يؤيدها حلف الناتو، فيما حمّلت موسكو واشنطن مسؤولية الأزمة في عفرين، وقالت وزارة الدفاع الروسية إن “الاستفزازات الأمريكية” من العوامل الرئيسية التي أزّمت الوضع شمالي غربي سوريا ودفعت تركيا لشن عملية عسكرية في عفرين ضد مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية.

واعتبرت الوزارة الروسية أن سعي أمريكا لعزل مناطق الأكراد ودعمهم بالسلاح وراء حمل الجيش التركي على شن عملية عفرين العسكرية، وأعلنت أنها سحبت أفراد المراقبة التابعين لها من محيط عفرين حفاظًا على سلامتهم وتجنبًا لأي استفزازات.