العدسة – إبراهيم سمعان

تناول الكاتب “تشارلز بيبيليزر”، فى تحليل مطول نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، الخيارات المتاحة أمام إسرائيل لنقل حربها المباشرة، التي اندلعت السبت الماضي مع إيران على الأراضي السورية، إلى الأراضي الإيرانية سواء ذلك بشكل مباشر أو عبر وسطاء.

ورأى الكاتب أن المملكة العربية السعودية تعد واحدة من ضمن الكروت التي يمكن أن تلعب بها إسرائيل نظرًا لعلاقاتها الوطيدة بجماعة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني.

وإلى نص التحليل ..

اعتبر بعض الخبراء والمحللين المواجهة التي اندلعت بين القوات الإسرائيلية والإيرانية، خلال نهاية الأسبوع الماضي فى سوريا، بمثابة مرحلة جديدة، ستكون لها صدى على المدى البعيد، حتى وإن ظل هذا الصدى بشكل سري بين الخصمين اللدودين “تل أبيب” و”طهران”.

فلأول مرة شنت القوات الإيرانية هجوما مباشرا على إسرائيل، فى البداية بإرسال طائرة تجسس، بدون طيار عبر الحدود الإسرائيلية مع سوريا، ثم إطلاق صواريخ مضادة للطائرات أصابت طائرة مقاتلة للجيش الإسرائيلي، أثناء دخولها المجال الجوي الإسرائيلي بعد قيامها بمهمة ثأرية فى سوريا.

واشتعلت الأحداث الأخيرة بسبب النجاح فى إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية، ليس فقط لأن الواقعة، تعد الحادثة الأولى من هذا القبيل منذ عقود، ولكن أيضا لأنها تدل على موطئ قدم متنامٍ لإيران فى المسرح السوري، وهو تطور تعارضه إسرائيل بشدة وتعهدت بمنعه مهما كلفها ذلك من ثمن.

وبشكل عام بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية، تشير تصرفات إيران أنها تشعر بجرأة بما فيه الكفاية لاستخدام قواتها لإيذاء الدولة اليهودية، ويشكل الحادث تحولا استراتيجيا، وفقا لما ذكره المسؤول السابق بمعهد دراسات الأمن القومي، “يفتاه شايبر”، حيث قال: “إن الحادث يعد المرة الأولى التي يشارك فيها الإيرانيون علنا فى الهجوم على إسرائيل، فى حين تمت الهجمات السابقة عبر وكلاء لطهران فى المنطقة، وقد يكون الإيرانيون أساءوا تقدير كثافة الرد الإسرائيلي وأن الوضع الراهن سيتم استعادته خلال فترة من الزمن “.

ضربات إسرائيلية مباشرة

وفى المقابل، لم تكن المواجهات التي وقعت السبت الماضي، المرة الأولى التي تقوم فيها إسرائيل بضرب الأهداف الإيرانية بشكل مباشر، ففي ديسمبر، أفادت تقارير أن جيش الدفاع الإسرائيلي دمر منشأة عسكرية تشيدها إيران فى الكسوة جنوب دمشق، كما قتلت الضربات الإسرائيلية عام 2015 ما لا يقل عن 6 جنود إيرانيين فى مرتفعات الجولان السورية، بينهم جنرال فى الحرس الثوري، كما استهدف القوات الإسرائيلية “جهاد مغنية” نجل رئيس العمليات السابق لحزب الله “عماد مغنية” الذي قتل أيضا فى انفجار سيارة مفخخة إسرائيلية عام 2008 فى سوريا .

وعلاوة على ذلك فإن الموساد تورط فى اغتيال العديد من العلماء النوويين على الأرض الإيرانية، ناهيك عن نشر فيروس ‘ستوكسنيت’، والذي ألحق الكثير من الدمار بالمنشآت النووية الإيرانية حتى تم اكتشافه فى عام 2010 .

وفى حين أن المواجهة الأخيرة على طول الحدود الشمالية فى الحالات الاستثنائية، لكنها لا تنطوي حتما على تصعيد طويل الأجل.

وفى حين أن المستويات السياسية والعسكرية، أوضحت أن إسرائيل لا تسعى للتصعيد، فإن ما يطلق عليه الخطوط الحمراء من قبل إسرائيل، أي نقل إيران الأسلحة المتقدمة إلى حزب الله فى لبنان، والتحصينات العسكرية، لايزال يجري انتهاكها على أرض الواقع، وذلك رغم تنفيذ جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر من 100 ضرب عبر الحدود؛ لحماية مصالحة، على مدى الأشهر الـ18 الماضية، بالإضافة لانتهاك الخطوط الحمراء، بدأت إيران فى بناء منشأة تحت الأرض فى لبنان؛ لتصنيع صواريخ بعيدة المدى، يمكن أن تسمح لإيران باستهداف البنية التحتية الإسرائيلية الحرجة بدقة كبيرة فى حرب مستقبلية.

تغيير الاستراتيجية العسكرية

وتطرح هذه التطورات مجتمعة، التساؤل إذا ما كان قوى ردع إسرائيل تجاه طهران ووكيلها فى لبنان، بدأت فى التراجع والضعف، ما يستدعي تعديل إسرائيل لاستراتيجتها العسكرية.

وقال “نيتساون نوريل” المدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب فى إسرائيل فى تصريحات لموقع ميديا لاين “إن عملية اتخاذ القرار فى إسرائيل تعتمد الآن إلى حد كبير على ما يحرزه الإيرانيون وحزب الله من تقدم إلى الأمام.. فعلي مر السنين اتخذت إسرائيل إجراءات فى كل مكان فى المنطقة؛ للتأكد من تحقيق مصالحها، لكن إسرائيل أصبحت بحاجة إلى استخدام جميع الأدوات المتاحة بما فى ذلك حلفائها” .

وفى حين أنه من غير المرجح أن يؤدي حادث واحد إلى تغيير جذري فى حسابات إسرائيل فمن الممكن أن يتبني جيش الدفاع الاسرائيلي فى نهاية المطاف، نقل المعركة مباشرة مع إيران إلى قلب طهران.

ولبلوغ هذه النهاية، يتفق معظم الخبراء أن عملية عسكرية واسعة النطاق لابد أن تستهدف المشآت النووية الإيرانية، مثلما سبق وذكر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ودعا إلى ذلك  فى 2012، لكن المقترح وضع على الرف بسبب معارضة المؤسسة الدفاعية وإدارة أوباما، وحاليًا مقترح نتنياهو بنقل الحرب إلى طهران خارج طاولة المناقشات. وفي حين ركز النقاش حول ضرب المنشآت النووية الإيرانية سابقا، على أن إمكانية إعادة البرنامج النووي، من شأنه أن يبرر المخاطر فى مثل هذه العملية، فإن المناخ السياسي اليوم جعل النقاش مستمرا.

فتوقيع الاتفاق النووي الإيراني فى عام 2015، أنهى فعلا إمكانية القيام بمثل هذه المهمة والتداعيات التي اعتبرت لا يمكن الدفاع عنها، من جهة أخرى فالولايات المتحدة ملتزمة بالاتفاق، بالإضافة إلى روسيا والصين والدول الأوروبية، والتداعيات السياسية لأي غزو عسكري كبير سوف يقزم رد الفعل العنيف كما حدث  فى أعقاب تدمير المفاعل النووي أوزيراك فى العراق عام 1982 والمرفق الذري فى دير الزور فى سوريا  2007.

ومن ناحية أخرى، منذ أن تم إبرام الاتفاق النووي، عمدت إيران إلى تعميق الدخول إلى لبنان وسوريا وقطاع غزة، وكل ذلك يضمن عدم استهداف إسرائيل للمنشآت النووية وأن العواقب سوف تكون على جميع الجبهات الثلاث.

وعلاوة على ذلك يفكر الرئيس الأمريكي بالانسحاب تمام من الاتفاق النووي فإن أي عمل إسرائيلي يستهدف البرنامج النووي الإيراني – عسكري أو غيره -يمكن أن يكون بمثابة هزيمة ذاتية، كما يمكن أن يعوق جهود الزعيم الأمريكي لإعادة فرض عقوبات معوقة لإيران، أو على الأقل تعزيز الاتفاق النووي عن طريق النقاش، ربما فى إطار متابعة برنامج الصواريخ البالستيى لإيران ومغامراتها الإقليمية.

خيارات إسرائيلية ودور السعودية

ومع ذلك فإن إسرائيل لديها خيارات غير عسكرية وفقا لرئيس الموساد السابق “داني ياتوم” والذي يري أنه “يجب على إسرائيل أن تنظر فى جميع الاحتمالات، بما فى ذلك استهداف إيران مباشرة، ولكن كجزء من استراتيجة كبرى، ولا أستبعد أن تستخدم إسرائيل أيضا وكلاء “.

وتابع “يمكن أن تشمل تلك الاستراتيجية الكبرى، دعم وتعبئة جماعة مجاهدي خلق الإيرانية، على سبيل المثال، فى تنفيذ عمليات اغتيال للعلماء النوويين الإيرانين بالنيابة عن إسرائيل، وتزعم إسرائيل أنها قدمت التمويل والتدريب وربما السلاح الجماعة المناهضة للنظام الإيراني فى المنفى”.

وتحافظ جماعة مجاهدي خلق التي تتخذ من باريس مقرا لها، على وجودها فى العراق وبصورة سرية فى إيران، حيث اتهمت بإثارة الاضطرابات المدنية بما فى ذلك الاحتجاجات الأخيرة التي استمرت أسبوعا نهاية العام الماضي. ومؤخرا رفعت الجماعة من قوائم الإرهاب الأمريكية، كما يزعم أن لها صلات بالمملكة العربية السعودية، والتي يمكن أن تكون وسيطا بين الدولة اليهودية والرياض؛ لتسهيل تنسيق المواقف، كما تقوم المنطقة المنشقة بمراقبة البرنامج النووي الإيراني فى طهران (وكانت أول جهة غير حكومية تكشف عن ذلك) وبالتالي قد تكون مصدرا إضافيا للاستخبارات الإسرائيلية فى مواصلة التصدي لإيران” .

إنها لعبة غامضة بلا شك، ولكن مجاهدي خلق من بين مجموعات أخرى، يمكن أن تستخدم أيضا كقناة لنقل رسائل إسرائيلية جريئة، على نحو متزايد إلى الجماهير الإيرانية مفادها أن “إسرائيل ليست عدوك بل الملالي أنفسهم، وعلى هذا المنوال وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي رسائل مباشرة فى عدة مناسبات خلال العام الماضي للشعب الإيراني بشكل مباشر، وهو الأمر الذي يعزز حقيقة أن إسرائيل تميز بين النظام والشعب.

وقال “ياتوم” إن سياسة إسرائيل فى التحدث مباشرة إلى الشعب الإيراني تأتي فى المسار الصحيح، حيث يستطيع الفرد اليوم إرسال رسائل ليس فقط عبر التليفزيون والراديو والصحافة المكتوبة، ولكن من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تصل إلى الملايين، فلماذا لا نتحدث إلى الشعب الإيراني حول رؤوس النظام الايراني” .

وفى هذا السياق، عبر رئيس الوزراء الاسرائيلي ومعه الرئيس الأمريكي عن تأييدهما للمظاهرات الأخيرة فى إيران، مما يشير إلى أن سرائيل وواشنطن على نفس الخط، كما أنهما على استعداد لاستثمار المزيد من الجهود لتمكين المعارضة الإيرانية لتشجيعها على تغيير النظام.

وقال اليعازر تسافرير، الرئيس السابق لمكتب الموساد في كردستان العراق، “أنه من المهم جدا مخاطبة الشعب الإيراني، لأن العلاقات مع الإسرائيليين، كانت قوية ليس فقط أثناء حكم الشاه، ولكن أيضا تاريخيا ليس هناك عداء حقيقي بين إيران وإسرائيل”.

وأضاف تسافرير “يريد الشباب الإيراني الخروج بشكل كبير من التطرف، إنهم يريديون الإنترنت، ويريدون أن يتقابل الرجال والنساء علنا، ويوما ما سوف ينجح هذا الأمر” .

قرارات استراتيجية صعبة

وبالنظر إلى المخاطر العالمية، فإن إسرائيل ستضطر فى المستقبل القريب اتخاذ بعض القرارات الاستراتيجية الصعبة، التي يمكن أن تحدد مسارها على مدى سنوات قادمة، إذا كانت جدية فى الحفاظ على الميزة العسكرية النوعية، ليس فى المنطقة ولكن على طول حدودها، فقد تضطر إلى القيام بعمليات كبيرة فى لبنان وسوريا على السواء وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نزاع كامل.

وقال ياتوم: “لا يمكننا أن نستبعد إمكانية قيام إسرائيل باتخاذ إجراءات لتدمير مصنع الأسلحة فى لبنان، لأنه هناك فرق كبير جدا بين وجود عشرات الآلاف من الصواريخ غير الدقيقة بأيدي حزب الله ووجود غيرها يمكن أن تصل إلى مبانٍ محددة.

وأضاف أنه فى هذه الحالة، سيكون التهديد لإسرائيل على أشده، ومن الأفضل التعامل معها قبل أن تتطور الأمور إلى ما هو أكثر من ذلك، يجب أن نأخذ فى الاعتبار أنه ما إذا حدث ذلك سوف يشعل عملية عسكرية متوسطة وربما كبيرة. وربما تؤدي إلى تدهور الأوضاع، ما لم يكن هناك جهد دولي متسق لدفع الإيرانيين إلى خارج سوريا ووضع مزيد من القيود على حزب الله .

وفى غضون ذلك، قد تأخذ إسرائيل فى الاعتبار اتخاذ إجراء غير مباشر، مما يسمح لها للحفاظ باستنكار مقبول، مع تقليل احتمالات العواقب غير المقصودة التي قد تؤدي إلى تكثيف الصراع بشكل كبير، فتأثير مثل هذه الضربة قد يتردد صداها بصوت عالٍ نظرا لقربها من المنزل.