العدسة – معتز اشرف
تدور عجلة الحملات الإلكترونية بكثافة في الأيام الأخيرة في مصر لمقاطعة الانتخابات الرئاسية المزعومة، التي من المقرر أن تجرى في المدة من 26 إلى 28 مارس المقبل، خاصة بعد تصاعد موجة الخوف والقمع بضربات أمنية شرسة استهدفت رموزًا سياسية كبيرة شاركت بقوة في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، كالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والمستشار هشام جنينة، وبينما يتحرك الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي بأريحية الفائز الضامن، ويتخذ قرارات الرئيس المستمر، كان لحملات المقاطعة رأي آخر بانتصار الصناديق الخاوية على صناديق الذخيرة التي انتشرت في عهد السيسي بكثافة.
دعوات متعددة
تزايد الحراك المقاطع للانتخابات في مصر وتجددت الدعوات بشكل أقوى، ودعت الحملة الشعبية لمقاطعة الانتخابات الرئاسية ” مقاطعون “ ، المصريين أمس إلى تفعيل إجراءات المقاطعة بين الأهالي والأصدقاء والمؤيدين وزملاء العمل والجامعة باستخدام أشكال الدعاية والتحريض، وتشكيل لجان للمقاطعة الشعبية فى الأحياء وتجمعات العمل والجامعات مع التظاهر أمام لجان الانتخابات، وفي لغة شبيهة بحملات دشنت في مواجهة مبارك قبيل ثورة يناير قالت الحملة بلغة عامية شبابية: “. تصوروا بس لو فيه 10 آلاف مصرى مننا كل واحد صور على حسابه 100 نسخة من البيان ووزعهم بطريقته وعلى القريبين منه ده معناه ان البيان وصل لمليون مصرى ولو دول جزء منهم كرر نفس الفعل ووزع البيان على اللى حواليه ، نقدر نتاكد ان البيان حايوصل لملايين المصريين . . وده معناه كبير ، ان فيه ملايين بتعمل فعل مشترك وبتتوحد على موقف واحد” .
المثير أن الحملة المحسوبة علي الحركة المدنية الديمقراطية واليسار المصري استخدمت للترويج لإجراءتها العديد من الوسوم تدعو لمنع إجراء الانتخابات أصلًا منها : “#قاطع #انزل_امنع ، #لازم_انتخابات_السيسي_متمش” لكنها لم تحدد الوسائل بوضوح ، وقالت في رصدها للواقع الميداني على منصتها الاعلامية الرسمية : “على السطح لا أثر للانتخابات تقريبًا في طاغية للاستفتاء عليه وحده !! وحتى السيسى وإعلامه لا ياتي على سيرة الانتخابات إلا نادرًا أما تحت السطح فهناك تفاعلات كثيرة فالغالبية الساحقة من المصريين متابعون لكل ما يجري من أحداث، ورافضين للسيسي، وكل الكوارث اللى (التي) معيش (يعيش) البلد فيها ، ومقاطعين للانتخابات المهزلة اكثر من عام 2014 . ونحن قريبين من حافة الكأس الممتلئ بالسخط الشعبى، وشعبنا وقد تمرس بخبرة ثورة يناير الكبرى، وتسلح بوعي أكبر وأكثر تماسكًا من أي وقت سابق لقادر على الأرجح بتحقيق الانتصار على أعدائه”.
فكرة منع أو وقف الانتخابات طرحت في وقت سابق، حينما دعت قوى سياسية مصرية، في بيان لها اواخر يناير الماضي إلى وقف الانتخابات واعتبارها فاقدة للحد الأدنى من شرعيتها، إضافة إلى وقف أعمال الهيئة الوطنية للانتخابات وحل مجلسها؛ لأنه تستر على تدخل أمني وإداري في الانتخابات المفترضة، وهو الإجراء الذي أعلنته “الحركة المدنية الديمقراطية“، كذلك حيث دعت المواطنين تحت شعار “اقعد في بيتك”، إلى عدم المشاركة في عملية الاقتراع التي وصفتها بـ “المسرحية العبثية”، معتبرة أنَّ النظام الحالي طرد أي مرشح معارض يحاول منافسة السيسي، مثلما كان توجّه التحالفات الداعمة للدكتور محمد مرسي والمنسقة مع جماعة الإخوان المسلمين، الذي ينطلق من موقف مبدئي هو المقاطعة لبطلان النظام وإجراءاته المتصلة بانقلاب 3 يوليو 2013 وفقًا لما يقولون.
انرعاج مبكر!
وفيما يبدو بأنّه رصد مبكر من الديكتاتور من أزمة الصناديق الخاوية، ناشد السيسي بصورة مبالغة في خطاب ترشحه الشعب للنزول إلى لجان الاقتراع ، قائلًا: إن كنتم تقدرون إنني كنت فعلا بذلت على قد طاقتي معاكم.. لو عايزين تردولي الجميل بغض النظر عن اختياركم.. كل اللي بتمناه انكم توروا الدنيا نزولكم للصندوق واختاروا ما شأتم.. إن كان ليا خاطر عندكم ولو ليكم تقدير لحاجة عملتها للبلد.. أرجو تنزلوا مش عشان تختاروني..اختاروا ما شأتم بس أنزلوا كلكم”، ولكن سرعان ما أسفر السيسي عن وجهه، وتصاعدت موجة الاعتقالات لأي منافس حقيقي، بدأت الخطة الثانية لمعالجة رصد الديكتاتور المبكر للفضيخة، وهي الملاحقة؛ حيث قُدِّمت من قبل محامين مقربين من النظام العديد من البلاغات ضد مروِّجي دعوات المقاطعة، اتهمتهم فيه بالتحريض الصريح ضد الدولة المصرية والانقلاب على الدستور، تطورت إلى اعتقال مصدري البيانات ومنهم د.عبد المنعم ابو الفتوح والمستشار هشام جنينة، كما وصل الانزعاج إلى التهديد المباشر، وهو ما أفصح عنه العميد مهندس يحيى حسين منسق الحركة المدنية الديموقراطية أحد مدشني حملات المقاطعة، حيث كشف عن تلقيه اتصالًا هاتفيًا من عميد بجهاز الأمن الوطني يهدده فيه ويطالبه بعدم التصعيد السياسي، وأضاف حسين: قلت له هل هذا تهديد، فأجاب بأدب جم، حضرتك ممكن تفهمها على أنها رسالة إن كل شخص يتحمل تفهمها على أنها رسالة، كل واحد يتحمل مسؤوليته الشخصية عن نفسه، الفترة المقبلة صعبة، والبلد لا تحتمل أي شيء، فأجبته: “أنا لي في هذا البلد أكثر مما لعبد الفتاح السيسي، وإن كانت رسالة تهديد فأنا لا أقبل التهديد، ولم أقبله أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك”.
النجاح ممكن!
وفي المقابل ، التفاؤل رغم القمع سيد الموقف لدي جبهات مقاطعة الانتخابات، و الحملة الشعبية لمقاطعة الانتخابات الرئاسية ” مقاطعون “تري ان المقاطعة تلقي رواجًا كبيرًا لأسباب كثيرة منها : “الثروات المنهوبة من قبل رجال حكم السيسى- مبارك ومحاسيبهم من رجال الأعمال، والتفريط في حقوق شعبنا التاريخية فى مياه النيل بكافة الأشكال والوسائل، واستمرار اتفاقيتى كامب ديفيد وبيع تيران وصنافير، ووعدم إقرار حقوق الشهداء واستمرار حبس أبناء الثورة بجانب عدم محاكمة كل من قتل الثوار وقمع الشعب ونهب ثرواته، وباع النيل والأرض وعدم إقرار حد أدنى للأجور متناسب مع الأسعار المرتفعة، فضلًا عن تجاهل النضال المشترك للشعوب والثورات العربية للتحرر من كافة أشكال التبعية الاستعمارية والوجود الصهيوني على أرض فلسطين وفقًا لبيان الحملة.
“الانقلاب علي الرئيس الشرعي المنتخب ومخرجات ثورة 25 يناير الديمقراطية ” هذا كذلك سبب ضاغط بقوة بحسب المراقبين في مسار نجاح حملات المقاطعة التي يدعمها ضمنًا تحالفات دعم الشرعية ورفض الانقلاب والتي كانت صاحبة الوزن النسبي الأكبر في جولات الانتخابات بعد الثورة، وهو ما عبر عنه المتحدث باسم جماعة “الإخوان المسلمين” طلعت فهمي، حينما قال معبر عن موقف متواتر لتحالفات جماعته: إنّ الجماعة “لا تعترف بأي انتخابات ستجرى في مصر، ولا علاقة لها بها لا من قريب ولا بعيد”، ونرى أن أي انتخابات رئاسية أو برلمانية أو حتى محلية لا يوجه فيها الرئيس الشرعي محمد مرسي، الدعوة للشعب لإجرائها تعد باطلة دستوريًا، وتمثل تعديًا على المكتسبات التي حصل عليها الشعب في ثورة يناير 2011”.
وترى دراسة حديثة أن عزوف المواطنين عن المشاركة في العملية السياسية جاء بسبب تراجع أدوات الحشد الحزبية، علاوة على خفوت مسألة الهوية الدينية للدولة بعد 30 يونيو، مشيرة إلى بيانات إقبال المواطنين على التصويت كشفت عن تراجع شديد في اهتمام المواطنين بالعملية السياسية والانتخابية، وتراجعت نسبة المشاركة الشعبية من 54% تقريبًا في انتخابات البرلمان المصري 2011 إلى 28.5% في نظيرتها في 2015 بحسب البيانات الرسمية، كما تراجعت نسبة التصويت في انتخابات الرئاسة أيضًا، ووصلت إلى 47.5% في انتخابات 2014 مقارنة بـ 51.8% في انتخابات 2012، وهو ما يتوقع مراقبون حدوثه في جولة 2018 ولكن بصورة أكبر.
اضف تعليقا