ترجمة عن مقال بالإنجليزية بقلم جيمس إلدر -المتحدث باسم اليونيسيف

الحرب في غزة هي ضد الأطفال، المئات منهم فارقوا الحياة أمامي… لقد أغلقت عيني محمد البالغ من العمر تسع سنوات أكثر من مرة، الأولى بسبب الضمادات التي غطت فجوة كبيرة في مؤخرة رأسه، وثانياً بسبب الغيبوبة الناجمة عن الانفجار الذي ضرب منزل عائلته، والأخيرة حين فارق الحياة.

خلال ثلاث زيارات إلى وحدة العناية المركزة في المستشفى الأوروبي في رفح بغزة، رأيت العديد من الأطفال يشغلون نفس السرير لعدم توافر أسرة، أو ربما لتزايد عدد المصابين… كل واحد وصل بعد أن فجرت قنبلة منزله… كل واحد يموت على الرغم من الجهود الهائلة التي يبذلها الأطباء في محاولة لإنقاذه.

قبل بضعة أسابيع فقط، كان العالم يدين القتل غير المبرر لسبعة من عمال الإغاثة في قافلة متجهة إلى المطبخ المركزي العالمي، لقد كان ذلك حدثا مأساويًا بالطبع، ورغم ذلك، بعد أسبوع، تعرضت سيارة تابعة لليونيسف للقصف مرة أخرى أثناء محاولتها الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها. وقد أدت الغارات الجوية الإضافية هذا الأسبوع في رفح إلى مقتل المزيد من المدنيين البالغين والأطفال… ولكن هذا هو الواقع في غزة، حيث يتلاشى الغضب إزاء الهجمات السابقة بسبب حدوث مآسي جديدة.

ومن المجاعة التي تلوح في الأفق إلى ارتفاع أعداد القتلى، فإن آخر المخاوف هو الغزو البري الذي تهدد به إسرائيل لاقتحام رفح في جنوب غزة. هل يمكن أن يسوء الوضع أكثر من ذلك؟ لقد مرت ستة أشهر وهذه الحرب تحطم بعضًا من أحلك الأرقام القياسية للإنسانية: تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 14000 طفل، في وقت لا يوجد فيه تباطؤ في وتيرة القتال أو ضراوته، بل إن الأمور تزداد سوءاً: في ظل وعود واضحة ــ وتهديدات صريحة ــ باستمرار هذا المسار المرعب.

سوف ينهار معبر رفح إذا تم استهدافه عسكرياً، لأن هناك أكثر من 1.4 مليون مدني هناك بالفعل، يعانون من ظروف مزرية، وقد تضررت أو دمرت معظم منازلهم. لقد تحطمت قدراتهم على التكيف والتعايش مع هذا الواقع المؤلم والمأساوي… ببساطة، لم يعد هناك مكان للذهاب إليه في غزة.

هناك نقص شديد في إمدادات المياه، ليس فقط لأغراض الشرب، ولكن أيضًا للصرف الصحي. يوجد في رفح مرحاض واحد تقريبًا لكل 850 شخصًا، والوضع أسوأ أربع مرات بالنسبة للاستحمام، أي حوالي مكان استحمام واحد لكل 3500 شخص، حاول أن تتخيل فتاة مراهقة، أو رجلاً مسناً، أو امرأة حامل، تقف في طابور ليوم كامل لمجرد الاستحمام، لذلك سيكون الهجوم البري على رفح كارثياً بصورة لا يمكن للعالم تخيلها، لأنها مدينة الأطفال ـ يوجد نحو 600 ألف طفل هناك/

تضم رفح ما أصبح الآن أكبر مستشفى متبقي في غزة – “المستشفى الأوروبي” – والذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي تولى تكاليف بنائه. وعندما زرت المستشفى في شهر أبريل/نيسان، كان جراح الأطفال، الدكتور غابن، منحنياً فوق طفل صغير اسمه محمود. كان يعاني من صدمة شديدة في الرأس جراء انفجار قنبلة أصابت منزل عائلته. “ماذا فعل هذا الطفل الصغير؟” سأل الطبيب وقد مُلئت عينيه بالدموع، كان الدكتور غابن قد مضى عليه 30 ساعة في نوبته التي تبلغ 36 ساعة، كان يخشى أن يموت محمود حين يعود في المناوبة التالية، وللأسف كانت مخاوفه في محلها، لقد مات محمود.

هذه واحدة من قصص عديدة من المستشفى الأوروبي، حيث يبحث عشرات الآلاف من المدنيين بشدة عن ملجأ. وقد تم بناء وحدات العناية المركزة الجديدة في محاولة يائسة لإدارة الجرحى.. لكن لماذا أصبح المستشفى الأوروبي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى؟ لأن النظام الصحي في غزة تم تدميره بشكل منهجي، واليوم، تعمل 10 مستشفيات من أصل 36 في غزة؛ وكل واحدة منها تعمل جزئيًا فقط. وهكذا، في الوقت الذي يحتاج فيه أطفال غزة إلى الرعاية الطبية بشكل لم يسبق له مثيل، أصبحت الرعاية الطبية المتاحة أقل من أي وقت مضى.

في 31 أكتوبر/تشرين الأول، وصفت منظمة اليونيسف غزة بأنها مقبرة للأطفال، وفي الشهر الماضي رأيت بعيني مقابر جديدة يجري بناؤها في رفح، ومليئة بالأطفال… كل يوم تجلب الحرب المزيد من الموت والدمار العنيف. خلال السنوات العشرين التي قضيتها مع الأمم المتحدة، لم أشهد قط دمارًا مثل ذلك الذي رأيته في مدينتي خان يونس ومدينة غزة في قطاع غزة، والآن يقال لنا أن نتوقع الشيء نفسه إذا حدث التوغل البري في رفح.

عندما سمعوا قرار مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار (منذ أكثر من شهر تقريبًا)، ملأ الأمل وجوه سكان رفح، قالت لي إحدى الأمهات: “قد تكون هذه هي الليلة الأولى منذ أشهر التي أستطيع فيها أن أعد ابنتي بأنها لن تُقتل في الليل”، لكن الأمر لم يستغرق سوى ساعات حتى تم القضاء على هذا الأمل بالقنابل.

إن غزة بحاجة إلى وقف فوري وطويل الأمد لإطلاق النار لأسباب إنسانية… كم مرة قلنا – بل طالبنا – بذلك؟ يجب يتم إتاحة الوصول الآمن وغير المقيد للإغاثة الإنسانية، وفتح المزيد من المعابر لتلك الإغاثة.

يشعر الناس في غزة بالذهول من استمرار الفظائع، وفي شمال المنطقة، بالقرب من المكان الذي تعرضت فيه سيارة تابعة لليونيسف لإطلاق النار الشهر الماضي، أمسكت امرأة بيدي وتوسلت مراراً وتكراراً أن يرسل العالم الغذاء والماء والدواء. لن أنسى أبدًا كيف حاولت، عندما شعرت بقبضتها، أن أشرح أننا نحاول، واستمرت في التوسل… لماذا؟ لأنها افترضت أن العالم لا يعرف ما يحدث في غزة… لأنه لو كان العالم يعلم، كيف يمكن أن يسمحوا بحدوث ذلك؟ كيف حقا، هذا ما لا أستطيع استيعابه!

بوستات سوشيال:

المتحدث باسم اليونيسيف: عشرات المقابر الجماعية في رفح مليئة بالأطفال… والأسوأ لم يأت بعد

المتحدث باسم اليونيسيف: المستشفى الأوروبي مكتظ بالأطفال المصابين بجروح خطيرة، ومعظمهم في حالة احتضار… أي هجوم عسكري هنا سيكون كارثياً

يوجد في رفح مرحاض واحد لكل 850 شخصًا، والوضع أسوأ أربع مرات بالنسبة للاستحمام، أي حوالي مكان استحمام واحد لكل 3500 شخص