العدسة – باسم الشجاعي
يبدو أنَّ البرلمان الأردني غير قادر على حجب الثقة عن أي حكومة، وذلك بحسب ما أكّده التاريخ النيابي؛ حيث لم يسبق أن حدث ذلك في عام 1963، عندما كان “سمير الرفاعي”، رئيسًا للوزراء وقرر 23 نائبًا من أصل ستين حجب الثقة عنه، ليُبادر بتقديم استقالته قبل التصويت.
ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا رغم “فشلها”؛ حيث إنَّ محاولة البرلمان الأخيرة لسحب الثقة، كان تلقّى تأييدًا شعبيًا لحد كبير، وذلك بسبب حالة عدم الرضا، التي يشهد الشارع الأردني بعد زيادة ضريبة المبيعات وأسعار الوقود، ورفع الدعم عن أسعار الخبز بأنواعه، في يناير الماضي.
توجه النواب بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء “هاني الملقي”، جاء استنادًا إلى المادة 54 من الدستور؛ حيث تُطرح الثقة بالوزارة أو بأحد الوزراء أمام مجلس النواب، وإذا قرّر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل.
إلا أنَّ الرياح تأتي بما لا يشتهي بعض النواب وخاصة المحسوبين على المعارضة على رأسهم نواب الإخوان المسلمين؛ حيث بلغ الذين منحوا الثقة لحكومة “الملقي” 67 نائبا من إجمالي 130 نائب، فيما صوت 49 لصالح الحجب، وامتنع 4 فيما غاب 9 نواب عن الجلسة، فيما لا يحق لرئيس المجلس التصويت.
يبقى السؤال المطروح على الساحة الأردنية الآن، ما هو نسبة التأييد الذي سيلقاه “الملقي”، وخاصة من الملك “عبد الله الثاني”، أم أنَّ درجة الاحتقان الشعبي حول أداء مجلس النواب سيزداد الأيام المقبلة، أم أنَّ الحكومة ستراجع عن قرارتها برفع الأسعار والأذعان لطلبات صندوق النقد الدولي؟
كبش فداء
ولكن يبدو أنّ “الملقي”، أراد أن يمتص غضب الشارع الأردني، وليتمكن من إطالة عمر حكومته بعد نقاش صاخب في البرلمان؛ حيث كشف مصادر صحفية عن عزم رئيس الوزراء، إجراء تعديل حكومي، الأيام المقبلة، يعدّ السادس من نوعه.
ولم تتضح بعدُ ملامح ومعالم التعديل الوزاري “المرتقب، لكن يعتقد أنه سيشمل وزارات الداخلية والأوقاف والطاقة بالحد الأدنى.
ويفرض “الملقي” تكتمًا على مشاوراته بشأن التعديل الوزاري، فيما توقعت مصادر أن يلجأ “الملقي” لتعيين نائب لرئيس الوزراء ليلعب دورًا محوريًا في الحكومة؛ وخاصةً إذا ما تغيب بسبب خضوعه لبرنامج صحي “مرهق”.
وقدّرت أوساط برلمانية (تحفظة على ذكر اسمها) بأنّ “الملقي” قد يستعين بشخصيتين من مدينتي الكرك جنوبي البلاد والسلط في وسطها على أمل المُساهمة في احتواء الحراك المتنامي في المدينتين على خلفية ملف الأسعار.
فيما سبق أن تداولت بعض المواقع الإلكترونية أسماء شخصيات من بينها “حسين المجالي، ومازن الساكت، وتوفيق كريشان”، وهم وزراء سابقون من التكنوقراط.
لكن الاعتقاد السائد سياسيًا وخصوصًا وسط النواب بأنَّ الرجل الثاني في الحكومة الدكتور “ممدوح العبادي”، قد يغادر الحكومة إذا تمّت تسمية نائب لرئيس الحكومة من الخارج بموجب التعديل الجديد.
“عنق زجاجة”
ويبدو أن الجلسة العاصفة التي شهدها البرلمان، أمس “الأحد” 18 فبراير السابق، فقد سبق وأن سخر مغرّدون أردنيون من المقابلة التي أجراها رئيس الوزراء الأردني “هاني الملقي”، في 13 فبراير الجاري، أي قبل الجلسة بخمسة أيام، على التلفزيون الأردني الرسمي وعبروا عن استيائهم من الوضع الاقتصادي في البلاد وعدم وجود خطط واضحة لإنعاش الاقتصاد الأردني، سخروا من تصريحه بأنَّ الأردنيين سيخرجون من عنق الزجاجة في منتصف عام 2019.
وعبر المغردون عن إحباطهم من اللقاء لعدم تقديم “الملقي”، حلولا لمشاكل المواطنين ووضع حد لمعاناتهم، وعلى العكس فقد أبدى إصرارًا وتمسكًا بسياسته الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن، في ظل غياب الدخل المادي.
وتشارك المغردون التعليق على اللقاء عبر رسائل النقد والسخرية والصور الكاريكاتورية بوسوم #عمو_ما_بدنا_إياك، #الحق_عالزجاجة، #الملقي، وجميعها تتصدر منصات التواصل الاجتماعي في الأردن.
أصل الأزمة
وتأتي هذه في الوقت الذي يشهد الأردن واحدة من أكثر موجات الغلاء قسوة هذا العام، وذلك بعد أن قررت الحكومة رفع أسعار الخبز لأول مرة منذ أكثر من عشرين عامًا جراء رفع الدعم عنه، بدعوى أن 65% من المستفيدين من الدعم غير أردنيين.
ثم ألحقتها برفع أسعار المشتقات النفطية بنسب مختلفة نهاية العام الماضي، وذلك في إطار المراجعة الشهرية التي تجريها الحكومة لأسعار المحروقات التي أصبحت ترتبط بأسعار النفط العالمية، وما زالت تلحقها برفع أسعار خدمات أخرى كان آخرها الكهرباء مطلع الشهر الحالي.
وقد أسفر ذلك عن اختناق المواطن الأردني مما أدَّى إلى احتجاجات ومسيرات للمطالبة بإعادة النظر في القرارات الحكومية المتعلقة برفع الدعم عن مادة الخبز ومشتقات النفط والضرائب التي فرضت على مختلف السلع والمواد التموينية.
وتهدف الحكومة الأردنية من إجراءات الزيادة في الأسعار والضرائب ورفع الدعم عن الخبز إلى تقليص العجز في موازنة العام الجاري البالغ 1.75 مليار دولار.
لماذ أخفق البرلمان؟
رغم أنَّ كل المؤشرات الظاهرية تؤكد أن إقالة حكومة “الملقي” أمر واجب، إلا أنَّ الواقع أكد المذكرة النيابية الخاصة بحجب الثقة الحكومة ما هي إلا من باب ذرّ الرماد في العيون والتعبير عن عدم وجود تجانس بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفقط.
كما أنَّ المقربين من دائرة صناعة القرار أكدوا أنَّ الدولة كانت تتجه للتعامل مع مذكرة حجب الثقة عن حكومة “الملقي”، بأنه خيار مستبعد.
وهذا ما عمل عليه رئيس اللجنة البرلمانية “أحمد الصفدي”، وهو لاعب مقرَّب من مركز القرار، من خلال سَعْيِه على مدار الأيام الماضية، للاستمرار في تأجيل التصويت على مذكرة طرح الثقة بحكومة “الملقي”.
كما لايمكن تجاهل ما ذكره قبل أسابيع قليلة الملك “عبد الله الثاني”، الذي أكّد دعمه لفكرة انسحاب أو إستقالة أي مسؤول في الحكومة لا ينتج أو يعوق العمل، ما يعني أنه أعطى الضوء الأخضر لتعديلات وزارية، ولكن دون حجب الثقة من قبل البرلمان، وخاصةً وأنَّ مذكرة الأخيرة مسنودة من كتلة الإصلاح البرلماني المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين.
اضف تعليقا