العدسة – باسم الشجاعي

يقولون: إنه “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، بل هناك مصالح دائمة”، هذا هو الشعار الذي يرفعه ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، وخاصة في التعامل مع عدو المملكة اللدود “الشيعة”، الذي أغدق عليهم بالدعم المالي مؤخرًا.

ولكن يبدو أن سياسية الشاب الطامح في السطلة قد بأت بالفشل؛ حيث تحدث المغرد الشهير على موقع التدوينات المصغرة، “مجتهد”، والتي كشف عنها سلسلة تغريدات له، أمس “السبت” 17 فبراير، ما قد يسبب له مزيدًا من الخسائر السياسية والمالية.

“مجتهد” قال إن “ابن سلمان لا يريد في مجالسه الخاصة أن يعترف بفشل سياسته الخارجية، لكنه دائما يعبر عن غضبه من أن الأمور لم تمضِ طبقا لما تمنى، لا في قطر ولا اليمن ولا الكويت ولا العراق ولا سوريا ولا مصر ولا تركيا، هذا فضلا عن تعبيره عن الانزعاج لما ينشر في الصحافة الغربية من استخفاف به وبرؤيته”.

وتابع قائلًا: “ولي العهد السعودي، يمدح سياسته الخارجية، ثم يعترف أن حصار قطر أعطى مفعولا معاكسا، وعاصفة الحزم تحولت إلى كارثة، والسيسي ابتلع الأموال ولم يقدم شيئا، وفي العراق صار خادمًا لإيران، وفي سوريا خادمًا للأسد، ولبنان ورطة مضاعفة، هذا فضلا عن الملايين التي أنفقها لتحسين صورته في الصحافة الغربية وانقلبت عليه”.

المصالح تحكم

ورغم العداء الظاهر بين السعودية والشعية بصفة عامة، إلا أن لغة المصالح دفعت ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لدعمهم ماليًّا في العراق.

فبحسب مركز “جيوبوليتيكال ستراتفور” الأمريكي للدراسات الإستراتيجية، فإن السعودية قدمت تمويلا ماليًّا لقناة “الفرات” الفضائية العراقية الشيعية، بقيمة 10 ملايين دولار.

وأكد عاملون بالقناة، وفق ما أورد التقرير الذي نشر “الأحد” 18 فبراير، أنه تم إرسالهم إلى مكاتب سعودية بالإمارات للتدريب.

وتعود ملكية قناة “الفرات” إلى رجل الدين والسياسي الشيعي “عمار الحكيم”، الذي يتزعم “حزب الحكمة الوطني”، بعد انشقاقه عن المجلس الإسلامى الأعلى فى العراق، فى الخريف الماضى، لتشكيل حركته السياسية باستقلال أكبر عن إيران.

عمار الحكيم

عمار الحكيم

هل ينجح هذا التعاون؟

وبحسب مراقبين، ترى السعودية فرصة في تمويل بعض المؤسسات الشيعية العراقية، وبخاصة التي يبدو أن علاقتها بطهران ليست وثيقة، كجزء من التحركات الأوسع لكبح إيران وتأكيد نفوذ المملكة.

إلا أن مركز “فيوتشرز” كان له رأي آخر؛ حيث أكد أنه من غير المحتمل أن تؤتي جهود المملكة ثمارها في ظل المناخ الإقليمي الطائفي الشديد الاستقطاب.

وأضاف المركز الأمريكي أن الجماعات الشيعية العراقية هي الطرف المستفيد من هذه العلاقة مع الرياض، حيث يمنحهم الانخراط مع السعودية اعترافا بنفوذهم في العراق.

ولكن يبدو أن الشيعة العراقيين “ظاهريا”، أكثر استعدادًا وقدرةً على الوقوف في وجه إيران؛ حيث يعود ذلك جزئيًّا إلى الوجود القوي للمؤسسات الدينية الرئيسية في النجف وكربلاء، وهي المدينة التي تحمل التاريخ الجماعي للطائفة الشيعية.

بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الشيعة في العراق ينظرون إلى بلدهم على أنه مزدهر ومستقل، على الرغم من جميع الصعوبات التي يواجهونها، وهو ما يعول عليه ولي العهد “محمد بن سلمان”.

“الصدر” المدخل

ولتحقيق السعودية النجاح في مسألة حد نفوذ إيران في العراق، قامت الرياض -وللمرة الأولى منذ أحد عشر عامًا- باستقبال رجل الدين الشيعي “مقتدى الصدر”، في يوليو الماضي، حيث اتفق مع القيادة السعودية على هدف التعايش السلمي والتعاون من أجل تحقيق المصالح المشتركة.

مقتدى الصدرمع بن سلمان في زيارته للسعودية

مقتدى الصدرمع بن سلمان في زيارته للسعودية

وجاءت هذه الزيارة، كخطوة للحد من النفوذ الإيراني في العراق؛ حيث إن السعودية تلعب ببطاقاتها السياسية والاقتصادية، وخاصة في الانتخابات العراقية لعام 2018.

وتتطلع الرياض في نهاية المطاف لعراق يحكمه “العبادي، وعلاوي، والصدر، وعمار الحكيم”، لا اللاعبون المتحالفون مع إيران، وهو ما يظهر من خلال الدعم المادي الذي تحدث عنه مركز “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الإستراتيجية.

خوف إيراني من السعودية

وعقب سلسلةٍ من الزيارات الرسمية العراقية وعلى رأسها “الصدر”، إلى المملكة العربية السعودية، أوفدت طهران رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، “آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي” إلى بغداد، في أكتوبر الماضي.

وكانت تلك الزيارة المفاجئة أكثر من مجرد فرصة لإيصال المخاوف الإيرانية بشأن التدخل السياسي السعودي المفترض، كما أراد “الشاهرودي” لقاء القادة الشيعة في محاولةٍ لتوحيدهم قبل موعد الانتخابات.

وقد التقى بالفعل مع عدد من هؤلاء، بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، وزعيم “حزب الدعوة الإسلامية” نوري المالكي، وعمّار الحكيم، الذي انشق مؤخرًا عن “المجلس الأعلى الإسلامي العراقي” المدعوم من إيران ليترأس “تيار الحكمة الوطني” الجديد.

إلّا أن “الشاهرودي” لم يكن موضع ترحيب في مدينة النجف العراقية، ولم يتمكن من ترتيب لقاءات مع أي من السلطات الدينية الأربع الكبرى فيها، كما رفض “مقتدى الصدر” لقاءه، ما يعني أن ضآلة فرض إيران إرادتها في انتخابات أبريل 2018 في العراق، ونجاح فرص “بن سلمان” لحد ما.

هل أدارات السعودية ظهرها للسنة؟

ولكن يبدو أن هذه السعي السعودي وارء التعاون مع شيعة العراق، جاء على حساب السنة (ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد)؛ حيث قالت صحيفة “أوبزيرفر” في تقرير لها الشهر الماضي، إن تأثير المملكة عليهم (السنة) أخذ بالانخفاض.

وكانت المملكة العربية السعودية تحتفظ بعلاقات مع النخب القبلية السنية في محافظة الأنبار العراقية، ومع ذلك لم تكن المشاركة إستراتيجية، ولم تغير الواقع السياسي؛ حيث يركز السعوديون الآن على إقامة علاقات سياسية يمكنها أن تغير المعادلة بالانتخابات العراقية المقبلة.