العدسة – معتز أشرف  

جلس رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، في مجلسه حائرًا ومرتبكًا، بعد وصول توصية الشرطة بتوجيه تهم فساد له، ينظر في ساعته منتظرا ساعة الصفر التي قد تقلب موازين الساعة، فصديقه المصري الرئيس المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي قد وعده بعد إصدار قانون تنظيم سوق الغاز، منذ ثلاثة أشهر، بإنهاء أزمته وعدم تركه وحيدا في مواجهة خصومه، وبالضبط، وفي نفس الموعد، كانت هناك اتفاقية وقعت بين مصر ودولة الاحتلال الصهيوني، لشراء غاز من الأخيرة، رغم وجود تعهدات من السيسي بالاكتفاء الذاتي من الغاز، واكتشاف حقل مصري جديد لذلك، ليتحول الوضع الصعب الذي عاشه نتنياهو قبل أيام إلى عيد، بحسب وصفه، بينما تظل مصر ترزح تحت أساليب الخيانة والخداع والخضوع للكيان الصهيوني في عهد عبدالفتاح السيسي، وفقا لمراقبين ونشطاء.

ورطة نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان يقف على حافة الجبل ينتظر السقوط، منذ الأربعاء الماضي، حيث أعلن أن حكومته “مستقرة”، وأنه لن يستقيل بعد قيام الشرطة الإسرائيلية بالتوصية رسميًّا بتوجيه تهم الفساد والاحتيال واستغلال الثقة إليه، كما انتقد بشدة وزير المالية السابق يائير لابيد، الذي تم تقديمه كشاهد رئيسي في إحدى قضايا الفساد، زاعمًا أن “لابيد”، “تعهد بإسقاطه بأي ثمن”، وعلى التوازي، كان النظام المصري يعلم بتلك الورطة من أواخر العام الماضي جيدا، وسجلها كاتبه المقرب، رئيس هيئة الصحافة والإعلام في مصر، مكرم محمد أحمد، حيث أكد أن السلطات الإسرائيلية تملك الآن من الأدلة الموثقة ما يمكنها من أن تصدر لائحة اتهام ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ والحصول بغير حق على امتيازات خاصة، إضافة إلى اتهامات أخرى تتعلق بالغش والحنث باليمين، وأنه متورط في ثلاث قضايا تحمل أرقام (1000 و2000)، وأما القضية الثالثة، فتتعلق بشبهة فساد في شراء غواصات ألمانية!، وشدد على أن واقع الحال يؤكد أن نتنياهو يخسر كل يوم المزيد من شعبيته ومصداقيته، خاصة بعد أحداث المسجد الأقصى، التي شكلت هزيمة كبيرة له، وانتشار تحقيقات الفساد، حيث يعتقد 55 % من الإسرائيليين أن نتنياهو ضالع في قضية رشوة الغواصات الألمانية، كما يعتقد 36 % من الإسرائيليين أن رئيس الوزراء لم يحاول تهدئة الأجواء في قضية المسجد الأقصى؛ من أجل صرف انتباه الجمهور الإسرائيلي عن قضية فساده، وبينما يرفض نتنياهو الانسحاب من منصبه أصدرت الشرطة بحقه لائحة اتهام بالفساد والرشوة واستغلال النفوذ، إضافة إلى الكذب والحنث باليمين.

والأجواء هكذا، لم يصدق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نفسه بعد توقيع الاتفاق، وهو في ورطة سياسية كبيرة، ووصف توقيع الاتفاق بقيمة 15 مليار دولار لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر بـ”التاريخي”، وقال نتنياهو إن أرباح الاتفاق ستفيد قطاعات “التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية لجميع الإسرائيليين، هذا هو يوم عيد”.

انقلاب في إسرائيل

موقعميدل إيست أي، وصف ما حدث بأنه “اتفاق طال انتظاره” في الكيان الصهيوني، وبأنه بمثابة “انقلاب بالنسبة لإسرائيل”، التي تكافح لجذب الاستثمارات الأجنبية من أجل تطوير أكبر حقل للغاز، ونقل الموقع عن طارق باكوني، الخبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله إن الصفقة هي انقلاب بالنسبة لإسرائيل، التي تكافح حتى الآن لتأمين الاستثمارات الأجنبية لتطوير حقل ليفياثان، الذي اكتشف في عام 2010.

تناقض السيسي

مراقبون أكدوا أن هذا الاتفاق بدا متناقضا مع وعد الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي مؤخرا بأن بلاده ستكتفي ذاتيا من إنتاج الغاز الطبيعي قريبا، حيث أكد ذلك خلال افتتاحه، في مطلع فبراير الجاري، حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، الذي اكتشفته شركة “إني” الإيطالية عام 2015، ويعد أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط، فيما قالت وزارة البترول المصرية، إنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز في حقل “ظهر” من 400 مليون قدم مكعب يوميًّا، إلى مليار قدم مكعب في منتصف 2018، وسوف يساهم هذا المشروع الضخم في تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول الغاز والبترول بحلول العام المقبل، ولكن جاء توقيع الاتفاقية ليشكل ضربة جديدة للسيسي.

التناقض دفع الإعلامي المقرب من السيسي عمرو أديب، إلى التحريض ضد الكيان الصهيوني على الهواء، بقوله، خلال اتصال هاتفي ببرنامج «كل يوم»، المذاع عبر فضائية «on e»: ” المواقف الإسرائيلية المحركة لمصر كانت كثيرة في الفترة الأخيرة، ولا بد أن تأخذ مصر رد فعل تجاه تلك المواقف، مصر مبتاكلش من إسرائيل”، مضيفًا أن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، جزء من حملة الدعاية له في الانتخابات الإسرائيلية .

بؤرة غضب

ورغم الحيلة التي ابتكرها نظام السيسي لتصدير شركة خاصة، في واجهة الاتفاق عبر قانون معد قبل ثلاثة أشهر فقط، وهي الحيلة التي فضحتها إسرائيل بتصريحات رسمية، حينما اعتبرت الاتفاق مع الدولة المصرية، إلا أن الأمر صنع بؤرة غضب جديدة ضد نظام السيسي، أعاد للذاكرة اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل التي وقعتها الحكومة المصرية عام 2005 مع إسرائيل، وكانت تقضي بالتصدير إليها 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاما، بثمن يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008، والتي أثارت هذه الاتفاقية حملة احتجاجات كبيرة دفعت عددا كبيرا من نواب مجلس الشعب المصري إلى الاحتجاج وتقديم طلبات إحاطة، وتدخل القضاء الإداري في 27 فبراير  2010، حيث قضى بوقف تنفيذ قراري رئيس مجلس الوزراء ووزير البترول بتصدير الغاز إلى إسرائيل، الخاص بمدة التصدير والسعر المربوط له، إلا أن الأمر تم حله بطريقة أخرى؛ حيث تم تفجير أنبوب الغاز المصدر لإسرائيل من قبل مجهولين، قبل أن تشتعل ثورة 25 يناير، وتقضي على أحلام دولة الاحتلال الصهيوني.

نظام كاذب!

د.عبد الحافظ الصاوي الخبير الاقتصادي المصري، أوضح أن وكالة “رويترز” كشفت في تقرير لها مؤخرا، عن إتمام صفقة استيراد مصر للغاز الطبيعي من دولة الكيان الصهيوني، لمدة 10 سنوات، بقيمة 15 مليار دولار، وأن المفاوضات الآن تركز على كيفية نقل الغاز لمصر، هل يتم عبر خط الغاز القديم المملوك لشركة غاز شرق المتوسط، أم عبر خط جديد يمر بالأردن، لتكون الأردن طرفًا ثالثًا في الصفقة، وحصولها على حصة من الغاز من الكيان الصهيوني، مشيرا إلي أن الإعلان عن صفقة الغاز بين مصر والكيان الصهيوني، يكشف عن مجموعة من الأكاذيب التي روجت لها مصر خلال الشهور الماضية، وبخاصة فيما يتعلق بحقل “ظهر”، وإمكانية تحقيق مصر اكتفاءً ذاتيًّا من الغاز؛ منها أن مصر بدأت الإنتاج الأولي من حقل “ظهر”، وأنه سيوفر 350 مليون قدم مكعب يوميًّا في المرحلة الأولى، وأنه في عام 2016، سيصل الإنتاج إلى نحو 2.7 مليار قدم مكعب يوميًّا، وأن هذا الإنتاج -في مراحله النهائية- سوف يوفر لمصر نحو 3 مليارات دولار، ولكن لم تلجأ مصر اليوم إلى استيراد الغاز من دولة الكيان الصهيوني، وبما يثقل كاهلها بنحو 1.5 مليار دولار سنويًّا، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة تمويلية جعلتها لا تكف عن الاقتراض المحلي والخارجي، حتى وصل الدين العام لأوضاع حرجة؟.

ثاني الأكاذيب التي روجها نظام السيسي -بحسب د.عبد الحافظ الصاوي- هو ما قالته الحكومة المصرية، أن صفقة الغاز الطبيعي مع الكيان الصهيوني، هي بين أطراف من القطاع الخاص من الجهتين، وهي ستارة رفعتها مصر من قبل ثورة 25 يناير، أثناء تصدير الغاز المصري بلا ثمن للكيان الصهيوني، عبر رجل المخابرات المصري حسين سالم، صاحب شركة غاز شرق المتوسط، والذي مرر تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني من خلف ظهر البرلمان، أثناء عهد مبارك، والأمر الثاني الذي تستخدم فيه شماعة القطاع الخاص، هو أن شركات من القطاع الخاص سوف تقوم باستيراد الغاز من الكيان الصهيوني لتدبير احتياجاتها الذاتية، ومتى كان القطاع الخاص المصري يمتلك بنية أساسية تسمح له باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج، في شكله المسال عبر أنابيب؟ فهذا النشاط عجزت عنه الحكومة فيما بعد الانقلاب العسكري، ولجأت إلى تأجير مراكب في مارس 2015، لتسييل الغاز وضخه في الشبكة القومية للغاز الطبيعي، وبالتالي؛ فالحديث عن أن شركات القطاع الخاص هي صاحبة القرار، أكذوبة من قبل الحكومة، لم تراع فيها عقلية المواطن المصري، موضحًا أنه لم يكن للكيان الصهيوني أن يصل إلى مرتبة دولة مصدرة للغاز، إلا بفضل توقيع مصر على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود في مياه البحر المتوسط، والتي تنازلت فيه مصر عن مواردها الطبيعية الإستراتيجية، لصالح الكيان الصهيوني وقبرص.