العدسة – إبراهيم سمعان
أكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الطموح الشخصي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يهدد بقاء الدولة، مشيرة إلى أنه يتبنى سياسات تقود إلى انهيار الحياة المدنية على نحو مماثل لكوريا الشمالية.
أوضحت الصحيفة في مقال للناشط السياسي محمد سلطان، والناشطة الاجتماعية آية حجازي، أن إطاحة السيسي بكل المنافسين الذين يمثلون خطورة على طموحه من السباق الرئاسي، هو المثال الأكثر وضوحا على موت السياسة في مصر.
واعتبر أن إغلاق النظام كل سبل التغيير السلمي بمثابة رسالة عدوانية من السيسي لمصر وبقية العالم، بأن مظهر الديمقراطية لم يعد له مكان في بلاده، وأن القوة الغاشمة هي الرد الوحيد الممكن على أي شكل من أشكال المعارضة أو الانتقاد، حتى مهزلة الانتخابات نحيت جانبا.
وأشار المقال إلى أن سياسات السيسي لمكافحة الإرهاب خلقت أرضا خصبة للتطرف، موضحا أنها ساعدت في تمكين تنظيم الدولة الإسلامية في مصر.
وإلى نص المقال ..
اعتقلت قوات الأمن المصرية الأسبوع الماضي رجلا يسمى هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، ليس سياسيا من الصف الأول، لكن من الواضح أن خلفيته كخبير مالي لم تكن هي التي اجتذبت انتباه النيابة العامة، وإنما دوره كمتحدث باسم رئيس أركان الجيش المصري السابق سامي عنان، الذي سجن الشهر الماضي بعد وقت قصير من إعلانه نية الترشح لانتخابات الرئاسة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
باعتقال “عنان”، أطاح السيسي بآخر منافس جدي في انتخابات الرئاسة المزمع إجراؤها في 26 مارس المقبل، وفي وقت سابق، انسحب رئيس وزراء مصر السابق، الفريق أحمد شفيق، من الترشح عقب أسابيع قليلة من إعلانه ذلك، على ما يبدو تحت ضغط شديد من النظام، كما انسحب من السباق محمد أنور السادات، نجل شقيق الرئيس المصري السابق أنور السادات، والمحامي الحقوي خالد علي، كما تم أيضًا اعتقال عبدالمنعم أبوالفتوح -وهو مرشح إسلامي سابق، خاض انتخابات الرئاسة في 2012، ويرأس حزب مصر القوية- في وقت سابق من هذا الشهر، بعد عودته من رحلة إلى لندن، لفت “أبوالفتوح” انتباه وسائل الإعلام بسلسلة من المقابلات قال فيها إن الجيش غير مسؤول عن قيادة الرئيس غير الكفء.
غني عن القول أن إطاحة أكثر منافسي السيسي جدية جعلت كثيرا من المصريين يتساءلون عما إذا كان التصويت في الانتخابات ذا جدوى، وليس من المستغرب أن أكثر جرافيتي مصور شعبية في البلاد يوم 25 يناير، ذكرى بدء ثورة مصر في 2011، كان مقطعا قصيرا من فيلم ساشا بارون كوهين “الديكتاتور”، الذي يفوز فيه طاغية أسطوري بسباق وثبة 100 متر بإطلاق النار على خصومه (ومحكمي السباق)، لا يمكن أن يكون هناك مثال أكثر وضوحا على وفاة السياسة الحقيقية في مصر أكثر من ذلك.
منذ منتصف 2013، أصبحت مصر تحت حكم السيسي ثقبا أسود لحقوق الإنسان والحكومة الديمقراطية وحكم القانون، لكن حملة الرئيس القمعية تصل الآن إلى حكومته.
اعتبر محللون اعتقال “عنان” علامة لافتة على استعداد السيسي لتحدي الرتب العليا في مؤسسته العسكرية، فقد بدا إعفاء السيسي لرئيس جهاز المخابرات وكأنه يكشف عن صدع متنام داخل صفوف الجهاز الأمني، ومن الواضح أن بعض البيروقراطيين بدءوا يتساءلون عما إذا كان طموح السيسي الشخصي بدأ يهدد بقاء الدولة، على أقل تقدير، يمكن للمرء أن يجادل بأن الدولة تتجه نحو انهيار الحياة المدنية على غرار كوريا الشمالية.
بإغلاق كل طريق للتغيير السلمي، بعث السيسي برسالة عدوانية لمصر وبقية العالم بأن مظهر الديمقراطية لم يعد له مكان في بلاده، وأن القوة الغاشمة هي الرد الوحيد الممكن على أي شكل من أشكال المعارضة أو الانتقاد، حتى مهزلة الانتخابات نحيت جانبا.
في الوقت نفسه، فإن سياسات السيسي لمكافحة الإرهاب التي تشكل مبررا هاما لديكتاتوريته خلقت أرضا خصبة للتطرف، شهد كاتبا هذه المقالة هذا الأمر مباشرة، خلال الشهور الـ 60 التي أمضياها في السجن بين 2013 و2017، لقد شهدنا عملية تطرف تتكشف حيث اجتذب من يقومون بعملية التجنيد لتنظيم الدولة الإسلامية، خلال سجنهم، السجناء الشباب الأبرياء الذين كانوا يواجهون احتجازا غير عادل وأحكاما قاسية وظروفا غير إنسانية.
وهكذا ساهمت حملة السيسي الباطشة في زيادة وجود تنظيم الدولة الإسلامية في مصر، وأحدث رسائل التنظيم بالفيديو والتي تستهدف الشباب المصري، كانت واضحة؛ الديمقراطية واللاعنف جلبا لكم طاغية عنيفًا، عشرات الآلاف من الشباب الذين كان لديهم أمل وأصبحوا مقموعين سقطوا ضحية لشراسة الدولة، وأصبحت خياراتهم ثنائية على نحو متزايد: التخبط في الاكتئاب أو التحول للعنف.
هناك قول مأثور: “فاقد الشيء لا يعطيه”، لا يمكن للسيسي أن يساعد في توفير السلام والاستقرار في منطقة مضطربة، بينما هذا هو بالضبط ما فشل في توفيره لمصر، أدت حالة انعدام الأمن وجنون العظمة إلى تحويل مصر إلى طنجرة عملاقة تعمل بالضغط دون صمام أمان، عندما تنفجر في النهاية، سيتأذى الجميع، موت السياسة يقوض بثبات استقرار النظام.
الثورة التي بدأت في 2011، غيرت مصر إلى الأبد، ومحاولات إعادة البلاد إلى دولة استبدادية لن تنجح، انتخابات 2018، ستظهر من بين أمور أخرى أن الدعم الدولي لنظام السيسي هو الأساس الوحيد الذي لديه، ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها للتصدي لتدهور حالة حقوق الإنسان والمطالبة بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين (بمن فيهم المرشحون للرئاسة)، وأن تحث على فتح المجال السياسي.
باعتبارنا من الناجين من حملة القمع التي يقوم بها السيسي وأكثر السجون شهرة في العالم، فإننا نؤمن بأننا نتشارك مسؤولية الدعوة إلى سياسات أكثر دقة تجاه مصر والمنطقة، صداقتنا لا تقوم على التاريخ المشترك فحسب، ولكن على قناعة مشتركة بأن الديمقراطية التمثيلية وحكم القانون وحدهما اللذين يمكنهما ضمان السلام والاستقرار لمصر والمنطقة المحيطة بها.
اضف تعليقا