العدسة – معتز أشرف

إشارات تحذيرية جديدة تتوالى في وجه نظام الرئيس المصري المنتهية ولايته عبد الفتاح السيسي، تُعيد التذكير بالإنذرات المبكرة التي تحدثت عنها مؤسسات بحثية وأممية، والتي تؤكد كلها على وجود زيادة كبيرة في عدم الاستقرار في مصر مع تزايد نِسَب احتمالات عودة الاضطرابات مجددًا في مصر، بينما السيسي مازال يعتقد أنه قد نجح نجاحًا لا مثيل له أو كما قال بلغة المصريين العامية “جاب جون”، وهو ما يلقي بظلاله من الريبة في مستقبل البلاد في ظلّ سيناريوهات مفتوحة ومجهولة مازالت تهدد المصريين.

التحذير الأخير

دق موقع «جلوبال ريسك إنستايتس» الأمريكي، المَعْنِيّ بالتحليلات الأمنية والعسكرية ناقوس الخطر، وسلط الضوء في تقرير خطير على العديد من علامات التحذير من عدم الاستقرار في مصر؛ حيث أكّد عبر أحدث البيانات زيادة كبيرة في عدم الاستقرار والاضطرابات المحتملة في مصر، كما يوضِّح كيف أنَّ الظروف مواتية لموجة احتجاج أخرى، مع إجراء انتخابات رئاسية في 26-28  مارس.

وقال التقرير المهم: “لم ينجح التحول السياسي بعد ثورة 30 يونيو في إعطاء الشعب الشيء الوحيد الذي طالب به منذ عام 2011، فالتحول الديمقراطي الناجح يتطلب أن يحكم الشعب، ولكن لم يحدث ذلك بل ليس هناك تحوُّل فعال أو توزيع للسلطة بين مؤسسات الدولة الحاكمة في مصر، وبالتالي لم يكن هناك كسر ملموس عن السلطوية المتأصلة في الماضي، فالجيش لا يزال يسيطر على الدولة، وقد أدَّى عدم وجود ضوابط وتوازنات فعالة إلى تسهيل عملية القمع على حرية التعبير والمجتمع المدني، وكل ذلك تحت ستار “الأمن القومي”. والنتيجة هي مجتمع في ثورة هادئة ضد نفس النوع من القمع الذي أدَّى إلى ثورة 2011 والربيع العربي الأوسع- وبيانات المسح تدعم هذا الرأي”.

وأضاف التقرير أنه عندما وصفت المعارضة بأنها تهديد للأمن القومي، فإنَّ الطريق إلى الأمام زلق جدًا، خاصة أن التدابير القمعية تستخدم بشكل متزايد لقمع أولئك الذين يتحدون الحكومة حتي بات الآلاف من الشخصيات المعارضة في السجن، ووصل عدد مَن في السجون في سبتمبر 2016 نحو 60 ألف سجين سياسي- أي 57 في المائة من السجناء، حتي  استولى قمع المعارضة على العديد من جوانب المجتمع المصري. وقد تم حظر صحف صريحة في حين شددت قوانين مكافحة الاحتجاج وقوانين المنظمات غير الحكومية الصارمة على المجال العام حتى انسحب جميع مرشحي المعارضة الحقيقيين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي من الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولم يتمكن مؤيدوهم من التحدث؛ خوفًا من الانتقام”.

وأكد التقرير أنَّ سحق المعارضة وعدم السماح للمعارضة السياسية الحقيقية باسم الاستقرار، يمكن أن يسبب العكس تمامًا؛ حيث إن التدابير القمعية تهدد بإثارة السخط العام، مضيفًا أن البيانات التي جمعت بين نوفمبر 2017 ويناير 2018 كجزء من مشروع نبض المخاطر عن مصر يظهر اتجاهًا صارخًا لعدم الاستقرار في مصر وتراجع ثقة المصريين في مؤسساتهم بسرعة، حيث ارتفعت درجة عدم الثقة في الشرطة من 65٪ في نوفمبر إلى 62٪ في ديسمبر، و 56٪ في يناير فيما انخفضت الثقة في المحاكم من 64 في المائة، إلى 57 في المائة، وانخفضت إلى 54 في المائة في يناير..

كما يتحدث  المصريون أيضًا عن زيادة  ملحوظة في الفساد خلال ال 12 شهرًا الماضية، وصلت طبقا للأرقام من 47٪ في نوفمبر إلى 55٪ في يناير، وهم يشعرون بعدم الارتياح إزاء ذلك، فيما قال 57٪  من المستطلع آراؤهم إنهم غاضبون من مستويات الفساد.

الأهم بحسب تقرير المؤسسة البحثية هو أنَّ أكبر التغيرات في بيانات المسح أظهرت زيادة بنسبة 13٪ في نسبة السكان الذين يميلون للمشاركة في الاحتجاجات، من 11٪ في ديسمبر إلى 24٪ في يناير، كما ارتفع تصور المصريين لمستوى عدم الاستقرار في البلاد بنسبة 12٪.

في حين قال 29٪ إن الوضع بدا غير مستقر في نوفمبر، وارتفع هذا إلى 35٪ في ديسمبر، و 41٪ في يناير. وهذه تغيرات أكبر بكثير مما يتم ملاحظته حاليًا في بلدان أخرى ترصدها المؤسسة.

ويرى التقرير أنّه نتيجة لتدهور الحريات الشخصية والافتقار إلى التعددية السياسية، وفي ضوء دعوات مقاطعة الانتخابات، فإنَّ السيسي يسير على الطريق الصحيح للفوز بالولاية الرئاسية مرة أخرى في مارس، وعلى الرغم من أنّ بيانات المؤسسة تشير إلى أنَّ الاحتجاجات من المرجح أن تتبع هذه النتيجة، فإنّه ليس من الواضح، بعد ما إذا كانت ستكون كبيرة ودائمة بما فيه الكفاية لتؤدّي إلى تغيير النظام.

وأوضح أنَّه من المرجح أن يواجه مقاومة مشتركة من البرلمان والسكان في حال قيام السيسي بتعديل الدستور لصالح التمديد له، كما أنه إذا ما لم يقدم السيسي بدلات للتعددية السياسية خلال فترة ولايته الثانية، فإنَّ خطر عدم الاستقرار السياسي سيستمر في الازدياد، فإنَّ إخفاقه في إدخال ضوابط وتوازنات فعالة ودعم الحق في الحريات الشخصية سيشهد موقفه يتعرض لضغوط شديدة على المدى الطويل من السياسيين والجمهور الذين ما زالوا يعتزون بالرغبة في نفس الحريات التي دعوا إليها في عام 2011.

مؤشر اقتصادي!

وفي عام 2016، دق البنك الدولى، ناقوس الخطر، دون أن يبالي أحد، حيث أكد أنَّ عدم الاستقرار السياسى أهم معوقات الاستثمار فى مصر، حيث اعتبرت 50% من شركات القطاع الخاص أنَّ عدم الاستقرار السياسي أهم معوقات الاستثمار في مصر، لتتفوق على معظم دول المنطقة التي شملها تقرير عن المعوقات التي يواجهها القطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أطلقه البنك الدولي في القاهرة، كما تراجعت مصر، في عام 2016 في  تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (Doing Business) الصادر عن البنك الدولي في أكتوبر من ذات العام إلى الترتيب 131، مقارنة مع 126 في عام 2014، من أصل 189 دولة، وقالت ديبرا ريفورتيلا، رئيسة الخبراء الاقتصاديين في بنك الاستثمار الأوروبي، أنّ “عدم اليقين بخصوص اتجاهات الاقتصاد الكلي في مصر، وكذلك الأوضاع الجيوسياسية المرتبطة بالمنطقة تجعل عدم الاستقرار مستمرًاً”.

الأمم المتحدة كذلك حذّرت في تقرير من استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في مصر، مؤكدة في عام 2014، أنَّ حالة عدم الاستقرار السياسي، وحدوث تعطيل لإنتاج البترول سيؤديان إلى استمرار إضعاف احتمالات النمو في دول شمال إفريقيا، خاصة في مصر بحانب ليبيا وتونس.

المخاطر شديدة

وفي دراسة مركز كارنيجي للشرق الأوسط نشرها عمرو عادلي الباحث غير المقيم بالمركز أكّدت أن مخاطر عدم الاستقرار السياسي في مصر شديدة، موضحة أنه لاتزال أوجه القصور الهيكلية التي اتّسم بها الاقتصاد المصري قبل انتفاضة يناير 2011 قائمة؛ وما لم تتم معالجة تلك العيوب، ستبقى إمكانية تجدّد الاضطرابات السياسية حقيقية جدّاً ما لم تتم معالجة تلك العيوب.

وأشارت إلى أنَّ هناك شعورًا يتعزز بأن النظام الاقتصادي في مصر ماضٍ في مفاقمة عدم المساواة والإقصاء الاجتماعي المتصوَّرين، كما كانت عليه الحال قبل انتفاضة العام 2011؛ وكل هذا في ظل شعور الغالبية العظمى من العاملين في القطاع غير الرسمي بأنهم تُركوا على قارعة الطريق، وباستثناء حفنة قليلة من الصناعات ذات الاستخدام الكثيف للطاقة ورأس المال، لا تقدّم الدولة اليوم حوافز أو برامج دعم ترمي إلى مساعدة السواد الأعظم من القطاع الخاص.

وتوقعت الدراسة أنّه سيكون التحدّي الأكبر في مصر في المستقبل القريب هو توفير ظروف اقتصادية تسمح بتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا يقتصر تحقيق ذلك على السعي للعودة إلى معدّلات النمو الاقتصادي التي كانت سائدة قبل ثورة العام 2011، بل يتطلّب الاستقرار الجدّي والمستدام إعادة هيكلة نموذج التنمية المصري، حتى يتمكن الاقتصاد من استيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب المصريين الذين يدخلون سوق العمل كل عام، وتفادي السخط السياسي في صفوفهم، وهذه المهمة تبدو صعبة، بيد أنها ليست مستحيلة. لكن الوقت ليس في صالح مصر. ويتعيّن على الحكومة إجراء إصلاحات مؤسّسية وسياسية بسرعة كبيرة نسبيّاً، وإلّا ستنفخ المعوقات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد مجدّدًا في إظهار مشاعر السخط التي طفت على السطح في يناير 2011، وكشفت بصورة كبيرة مناحي الضعف السياسي في مصر.